شارك خلال الأيام الماضية مئات الآلاف في مسيرات حول العالم، منهم نصف مليون خرجوا إلى شوارع لندن، تضامنا مع ملايين المدنيين الفلسطينيين الذين يتم استهدافهم بلا هوادة بالغارات الجوية الإسرائيلية في قطاع غزة المحاصر. وفي عالم منصة روبلوكس للألعاب عبر الإنترنت الشبيه بمكعبات الليجو، سار أيضا آلاف الأشخاص الافتراضيين على طريق من المكعبات الحمراء، يحملون أعلام فلسطين، وعند وصولهم إلى خشبة مسرح، توجد لافتة عملاقة تقول "تضامن أونتوكمو" "نتضامن معك باللغة الماليزية"، ويهتفون معًا عبر الرسائل الفورية باللغتين الماليزية والإنجليزية. - تضامن افتراضي هذا الاحتجاج الافتراضي التضامني مع الشعب الفلسطيني، شارك فيه ما يزيد عن 360 ألف شخص بعد 3 أيام فقط من إطلاقه عبر منصة ألعاب الأطفال والمراهقين، والتي اكتسبت شهرتها خلال جائحة كورونا. وكما هو الحال مع أي تجمع حقيقي، لا يستطيع الجميع حضوره وإظهار تضامنهم شخصيًا، وخاصة الأطفال والمراهقين، الذين أنشأوا في جميع أنحاء العالم شيئًا خاصًا بهم بالمتاح لديهم، وفي هذه الحالة كان لديهم منصة روبلوكس، التي تحظى بشعبية كبيرة مع أكثر من 65 مليون مستخدم نشط يوميا، وهي عبارة عن مشهد ألعاب ضخم وغير محدود، تتيح لمستخدميها بناء عوالمهم الخاصة بمشاركة مستخدمين آخرين، ويمكن للمستخدمين أيضا استكشاف العوالم الافتراضية التي صممها لاعبون آخرون وتخصيصها. لكن وبحسب مجلة "هاك" البريطانية، فإن الشعارات الشائعة المؤيدة لفلسطين، مثل "فلسطين حرة، أو من النهر إلى البحر"، لم يتم ترديدها في هذا الاحتجاج الافتراضي، ولكن بدلاً ترديدها، تظهر وتختفي فوق رؤوس الأشخاص المشاركين في المسيرة. وعبر موقع x، تأثرت سلسبيل 23 عاما، عندما علمت أن ابنة عمها الصغرى دخلت اللعبة لتشارك في الاحتجاجات الداعمة لفلسطين: وقالت: "ابنة عمي تبلغ من العمر 15 عاما، ولم تتمكن من الانضمام إلى الاحتجاج، لذلك ذهبت إلى أحد الاحتجاجات على لعبة روبلوكس، أنا أبكي". وبحسب موقع "تك كرانش" التقني، حصد منشورها أكثر من 6 ملايين مشاهدة، وساهم في زيادة عدد الزيارات لخادم "روبلوكس" في ماليزيا إلى أكثر من 332 ألف زيارة. وقالت ل"تك كرانش"، "أتذكر أن الناس كانوا ينظمون فعاليات تضامنية من خلال لعبة ماين كرافت، وسمعت عن أشخاص نظموا مظاهرات من خلال لعبة أنيمال كروسينج". واستخدام هذه المنصات غير مفاجئ، بقدر ما هو مفرح، عندما يستخدم الناس أي وسيلة متاحة لهم لإظهار التضامن مع أي "حركة - حياة السود مهمة، من أجل فلسطين، من أجل العدالة لأي شخص يحتاج إلى العدالة". View this post on Instagram A post shared by Cikgu Zyd Gaming ✪ (@cikguzyd) وبحسب مجلة "هاك"، تقول إيتكساسو دومينغيز، مسئولة المناصرة بالمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة"، إن المساحات الرقمية "لا تقدر بثمن في أوقات الأزمات، فهي وسيلة للناس لتقديم المساعدة الفورية ومشاركة المعلومات الهامة وتنظيم جهود الإغاثة". وبحسب المجلة هذا ما فعلته مجموعة أطفال ماليزيين يبلغون من العمر 15 عامًا، كما توضح روشا، صديقة وزميلة مقدم البث @cikguzyd، التي ساعدت الأطفال في تنسيق المسيرة وتضخيمها. حيث استخدم المراهقون أداة ستوديو روبلوكس، لبناء "لعبتهم" الخاصة وإنشاء خريطة مناسبة للاحتجاج "طرق كبيرة وساحة واسعة بها مسرح كنقطة نهاية للمسيرة"، وتقول روشا: "لقد توصلوا إلى الفكرة لإظهار تضامنهم بشأن ما يحدث في فلسطين". ومثل العديد من مسيرات التضامن التي حدثت في جميع أنحاء العالم خلال الأسابيع الماضية، حضر الاحتجاج عبر منصة روبلوكس آلاف الأشخاص، ويواصل المزيد يوميا الانضمام إليه، لكن الفارق أنهم كانوا من الأطفال والمراهقين، الذين يهيمنون على جمهور المنصة. ووفقا للمجلة تقول "زي"، وهي فتاة مغربية أمريكية تبلغ من العمر 15 عامًا، لم تحصل على رخصة قيادة السيارة للمشاركة في الاحتجاجات المحلية في الولاياتالمتحدة: "عادةً ما أستخدم لعبة روبلوكس للعب مع الأصدقاء، ولكن سمعت عن الاحتجاج عبر تيك توك، وقررت الانضمام إلى اللعبة لإظهار دعمي، قد يكون الأمر سخيفًا، لكن ما يهم هو النية". وكانت سلسبيل أول من شارك فيما يحدث في منصة الألعاب، عبر موقع "x"، بحسب المجلة، وتأمل أن ترى "الأطفال يتحدثون بصوت عالٍ عما يؤمنون به"، وبالنسبة لها، اجتذب التجمع عبر الإنترنت الكثيرين "بسبب تصميم الحاضرين على نشر رسالة مفادها بأنهم لن ينسوا الفلسطينيين بغض النظر عما يمنعهم، سواء كان عمرهم أو إمكانية الوصول أو البيئة، واستخدموا منصتهم لأكثر من مجرد الترفيه". وتشير مجلة "هاك"، إلى أن استغلال المساحات عبر الإنترنت لأغراض سياسية، أمر معتاد وليس جديدا، وقد أصبحت المشاركة بالحد الأدنى عبر الإنترنت وسيلة مفضلة للمشاركة في العمل الجماعي، مثل مشاركة الرسوم البيانية التي تشرح "تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في 10 نقاط" والتأكد من أن الجميع يدركون اطلاعك على الأحداث. لكن وفقا للمجلة، غالبًا ما يتم الاستهزاء بهذه الأفعال باعتبارها تراخيًا، إلا أن مشاركة الصور والحقائق على وسائل التواصل الاجتماعي تسمح أيضًا للمعلومات التي تتحدى الروايات السائدة بالانتقال داخل السرديات المهيمنة، وفي هذه الحالة، تسمح للحقائق حول الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين بالوصول إلى الجمهور الغربي، والذين يمكنه في النهاية الضغط على حكوماته الموالية لإسرائيل. وترى المجلة، أن السبب الذي دفع بهؤلاء المراهقين لاستخدام روبلوكس، بالرغم من أنها ليست منصة عامة مثل إنستجرام، والتي تستحوذ على معظم النشاط عبر الإنترنت، ليس محدودية إمكانيات إنستجرام التي لن تسمح بحدوث احتجاج افتراضي. ولكن لأن شركة ميتا "الشركة الأم لإنستجرام" مستمرة في فرض رقابة على المحتوى المؤيد لفلسطين، فمنذ ال7 إلى 24 من أكتوبر، تلقى المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرقمية "حُر" التابع للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، بلاغات عن 343 حالة رقابة، ووردت أيضًا تقارير عن حذف "إيقاف" حسابات توعية فلسطينية رئيسية بواسطة ميتا، وإضافة كلمة "إرهابي" إلى الترجمة التلقائية للسيرة الذاتية للمستخدمين الفلسطينيين على إنستجرام. ويرى الخبراء في مجال الحقوق الرقمية، وفقا للمجلة أن الرقابة في إنستجرام غالبًا ما تحدث من خلال الشادو بانينج Shadow banning، أو الحظر الخفي وهو مصطلح لا تستخدمه شركة ميتا رسميًا، ويعني الحد من رؤية الحساب أو وصول منشوراته إلى النسبة الطبيعية من الجمهور. وتشير إيتكساسو دومينغيز، إلى أن تقريرًا صدر عام 2022 وجد أن المحتوى الفلسطيني يواجه "تحيز غير مقصود"، وأضافت، "لكننا نؤكد أن القضية أصبحت منهجية في اللحظة التي تستمر فيها هذه الديناميكيات في الحدوث، مما يؤدي إلى إسكات الأصوات الفلسطينية". ووفقا للمجلة تقول "آنا" -والتي لم تكشف عن اسمها الأخير على الإنترنت- وتدير صفحة سياسية ساخرة على إنستجرام، تسمى neoliberalhell، وهي مؤسس مشارك لAnti-Zuck، وهم مجموعة من الأشخاص يحتجون على نظام الإشراف على المحتوى في ميتا: "إن نشر المحتوى المتعلق بفلسطين غالبًا ما يخضع لرقابة شديدة، وبالتأكيد تشتد تلك الرقابة أكثر في الأشياء ذات الطبيعة السياسية، ويريد إنستجرام أن يقدم دروسًا تعليمية في الطبخ وأن يبيع المؤثرون المنتجات، بعيدا عن أي خطاب سياسي". وأضافت، "لقد تم استبعاد الصحفيين ووسائل الإعلام الكبرى التي تشارك معلومات حيوية حول ما يحدث في غزة من منصات ميتا تمامًا، ويجب عدم فرض رقابة على حقيقة التطهير العرقي الذي يحدث في غزة في الوقت الحالي". لكن من الواضح أن "ميتا" ليست الوحيدة التي تفرض رقابة على المحتوى المؤيد لفلسطين، فبحسب المجلة كانت عبارة "فلسطين حرة" تخضع للرقابة تلقائيًا في دردشة روبلوكس، رغم أن جميع أشكال التعبير الأخرى عن التضامن لم تكن كذلك، في الوقت الذي يمكن كتابة عبارة "إسرائيل حرة" بحرية. وردت روبلوكس على ذلك بأن "حظر عبارات مثل "فلسطين حرة" يتوافق مع معايير المنصة التي لا تسمح بالمحتوى السياسي، لا سيما المتعلق بالعلاقات الحدودية أو الإقليمية أو القضائية في العالم الحقيقي". ورغم ذلك تكمن أهمية احتجاج الأطفال على روبلوكس، في كونها: "مؤشرا واعدا يكتشف فيه الفلسطينيون وحلفاؤهم، طرقًا للتغلب على التحيزات المتأصلة في النظام "بحسب إيتكساسو التي أضافت أنه: "من الضروري إدراك أن التحيزات المنهجية لديها القدرة على أن تصبح راسخة داخل خوارزميات التعلم الآلي، بمرور الوقت". وأكدت، أن "مساحات التضامن الرقمية تلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على وتأريخ تطور الحركات الاجتماعية، ومبادرات المناصرة، والتحولات في وجهات النظر العامة عبر التاريخ". لذا، في هذا الجانب من التاريخ، نأمل أن تخلق الأجيال الشابة مساحات أكبر للعدالة والتضامن.