جامعة المنيا ضمن أفضل 1001 جامعة على مستوى العالم في تصنيف «التايمز» 2026    تراجع جديد في عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-10- 2025 بختام تعاملات الصاغة    الرئيس السيسي: ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لمقررات الشرعية الدولية    منتخب السودان يفقد فرصة الملحق بالتعادل مع موريتانيا في تصفيات كأس العالم    عودة الحركة لطبيعتها على طريق الخانكة – السلام    صحة الدقهلية: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف أمراض سوء التغذية    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    لمدة 20 ساعة.. قطع مياه الشرب عن 3 مناطق في الإسكندرية غدًا    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    مباحث الغربية تضبط قاتل أحد كبار تجار العسل بعد طعنه داخل سيارته    10 ملايين جنيه.. حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب «السوق السوداء»    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    الأحد.. افتتاح معرض "سكون يحمل في طياته" للتشكيلى الكبير محمود حامد    كاتب "نهاية العالم" يحصد نوبل للآداب 2025|الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    الإعلان التشويقي لفيلم "ولنا في الخيال.. حب؟" يمهّد الطريق لعرضه قريبا    لبنان: تفكيك شبكة تعمل لصالح إسرائيل خططت لأعمال إرهابية واغتيالات بالداخل    25 صورة ترصد فعاليات ماراثون للتوعية ضد شلل الأطفال بالأقصر    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    انبهار وفد ألمانى رفيع المستوى فى زيارته للمتحف المصرى الكبير    بشير التابعي: حكمة الرئيس السيسي أنقذت المنطقة من عواقب وخيمة باتفاق شرم الشيخ    صحة الدقهلية: استئناف العمل بوحدة مناظير الجهاز الهضمي بميت غمر    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    النائب على مهران: اتفاق شرم الشيخ ما كان ليتحقق دون جهود الرئيس السيسى    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    9 خطوات لحماية «الراوتر» من الاختراق    للعام السادس.. جامعة بورسعيد ضمن أفضل جامعات العالم في تصنيف التايمز 2026    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    «أوقاف المنيا» تعقد 109 ندوة علمية في «مجالس الذاكرين» خلال أسبوع    زاخاروفا: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار بغزة وندعو إسرائيل وحماس للالتزام الكامل به    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    "إدارة الصراع والضغوط والقلق النفسي" ندوة توعوية لجامعة قناة السويس بمدرسة أم الأبطال    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية (بث مباشر)    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«رصاصة الدلبشاني».. اللاعبون والدمية
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2023

كتبت ذات مرة إن الرواية والفن عموما لا يكتبان التاريخ، حتى لو عملا على وقائع وشخصيات تاريخية حقيقية، ولكنهما يعيدان قراءة التاريخ، من خلال رؤية الفنان.
وبينما يتحرى المؤرخ الوثيقة الدامغة، والمنهج الصارم، الذى لا يغفل مرجعا، بل ويسجل المراجع فى كل فقرة وصفحة وفصل، فإن الروائى والفنان، يقدم مزيجا معقدا من الواقع والخيال، ويتحرى منطقا فنيا موازيا ومتسقا.
ورغم أن الروائى يدرس موضوعه، وتفاصيله، والمرحلة التاريخية التى يكتب فيها، فإنه يريد بذلك تحقيق الإيهام الفنى، وليس التوثيق التاريخى، ولذلك نعتبر الخلل فى التفاصيل خطأ فنيا وليس تاريخيا، بعكس خطأ المؤرخ، لأن الأخير مطلبه التوثيق، ولأنه يحقق ما وقع فعلا، وليس ما يتخيل حدوثه.
هذه رواية تاريخية ذكية يمكن أن توضح معنى هذا المزيج المعقد، عنوانها «رصاصة الدلبشانى»، لمؤلفها د. إيمان يحيى، وصدرت عن دار الشروق، وأحداثها قائمة على واقعة حقيقية وخطيرة، ولكنها ظلت غامضة ومهمشة، وهى محاولة اغتيال سعد زغلول باشا فى صيف العام 1924، وكان الرجل وقتها رئيس الوزراء، ووزير الداخلية أيضا.
أطلق عليه النار شاب متطرف ينتمى للحزب الوطنى فى محطة باب الحديد، فأصابه برصاصة، لم تقتل الزعيم، ولم يستخرجوها من جسده، خوفا عليه من مضاعفات مرض السكر، ورغم أن الشاب، واسمه عبداللطيف عبدالخالق الدلبشانى، اعترف بإطلاق الرصاص، وشهد عليه عدة شهود، إلا أن المسدس الذى أطلق منه النار اختفى.
ورغم تشعب التحقيقات، واستدعاء وحبس كثيرين، بل وفتح ملفات أخرى لأنشطة سياسية تتعلق بالشيوعيين، وبمؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى، لاسترداد عرشه من الملك فؤاد، فإن قضية الدلبشانى انتهت بالحفظ، بعد إحالة عبداللطيف إلى مستشفى الأمراض العقلية. أصبحت المحاولة، هى قضية الاغتيالات السياسية الوحيدة، التى لم تنته إلى محاكمة، بل لم يعد لها ذكر بعد عام، على حد تعبير سعد زغلول نفسه فى مذكراته.
هذه وقائع التاريخ الرسمى، ولكن د. إيمان اختار الحادثة لكى يرجح طرفا مسئولا عن الجريمة، ولكى يعيد قراءة تفاصيلها، ويحفر وراء أبطالها وشخصياتها، كما اعتبر الرصاصة الطائشة فرصة لاكتشاف عالم السياسة ودهاليزها، فى سنة هامة وفارقة هى العام 1924، للتفرقة بين لاعبين وراء الستار، وأدوات مثل الدمى من المتطرفين.
يمكن أن نقول إن الرواية عن السياسة بوجهيها: الغامض الناعم والماكر، والعنيف الظاهر والمتهور، وكأن المعركة تدور على مستوى الرصاص، وعلى مستوى المؤامرات والدسائس فى نفس الوقت.
وبينما يبدو عبداللطيف الدلبشانى فى حماقة رصاصته، فإن اللعبة الحقيقية تدور ما بين سعد زغلول، والإنجليز (ويمثلهم فى الرواية مساعد حكمدار القاهرة إنجرام بك)، والملك فؤاد (ويمثله فى الرواية رئيس الديوان وقتها حسن نشأت باشا). وهكذا يعاد بناء القصة التاريخية، وسد ثغراتها، وصنع معادل فنى كامل لوقائعها، وتمرير أفكار المؤلف ورؤيته، وأوضح عناصرها إظهار حماقة التطرف والمتطرفين، وتعقيدات لعبة السياسة، وحروبها المعلنة والخفية، التى تستلزم أحيانا التواطؤ على الحقيقة، وتجاهل أحداث خطيرة، انتظارا لجولات أخرى.
تتناوب السرد أصوات عبداللطيف، وزميله القابع فى المنصورة عبدالحميد الطوبجى، وإنجرام بك، ولكن لن يكشف أبعاد المؤامرة، وأسباب حفظ التحقيق إلا صوت حسن نشأت، وصوت سعد رغلول، أى سيختتم السرد بصوت المتآمر، والمتآمر عليه.
والبناء بأكمله يأخذ شكل الحبكة البوليسية المثيرة، ولكنك ستكتشف سخرية كامنة، فالفاعل المعلن معروف، واعترف على نفسه، والفاعل المستتر يعرفه سعد، بينما نشأت وإنجرام بك يتحدثون بالتفصيل عن المؤامرة، ولكن أحدا لن يحاكم، أى إنها جريمة لها فاعل وتحقيقات، ولكن دون قضية!
هكذا تغلبت فرضية تآمر القصر والإنجليز، وفسرت أسباب التواطؤ والتجاوز، وهكذا أيضا اتسعت الرؤية من الجريمة، إلى قراءة لعبة السياسة فى تلك الفترة، مع إدانة ضمنية للعقول المتطرفة، التى ارتكبت كوارث فى التاريخ المصرى، تحت لافتات وطنية أو دينية، بل إن مقتل السير لى ستاك على أيدى المتطرفين، كان سببا فى استقالة سعد زغلول، وإضعاف موقفه.
تضع الرواية يدها كذلك على أحداث مهمشة، فتأخذها إلى المقدمة، مثل النشاط الاشتراكى والشيوعى، وبالذات فى مدينة المنصورة، ومؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى على الملك فؤاد، ونشاط الشباب المصرى الذى يدرس فى ألمانيا، وانقسامه بين متطرفين، وأنصار للوفد.
هذه إذن ليست مجرد رصاصة وجريمة، ولكن يمكن أن تحمل الرواية أيضا اسم السنة «1924»، ومحاولة الاغتيال عظيمة الدلالة فى تفكيك كل عناصر المؤامرة، والصراع السياسى على السلطة، ورصاصة الدلبشانى الحقيقية أطلقها التطرف والتآمر، وليس عبداللطيف.
هنا قراءة جديدة ولامعة، وبناء فنى مادته التاريخ، وإن كانت ثمة ملاحظات أبرزها هيمنة المادة المعلوماتية على التفاصيل الإنسانية، ورغم تفهم أن تكون شخصية عبداللطيف بالذات أحادية الجانب، إلا أننا افتقدنا صراعا داخليا متوقعا، ولو على مستوى ما سببه لأسرته من متاعب بعد القبض عليه، وافتقدنا أيضا صراعا هاما يفترض أن يدور فى داخله، نتيجة استنكار رموز الحزب الوطنى لمحاولة الاغتيال، كما أن لعبة ادعاء الجنون جرت بسهولة، وكان يمكن أن تضيف قوة أكبر إلى الصراع، بالإضافة إلى مشكلة عدم التوازن بين أحجام فصول السرد.
من ناحية أخرى، فإن صوت عبدالحميد الطوبجى كان لازما لوصف النشاط الشيوعى والاشتراكى فى المنصورة، ولكنه بدا منعزلا عن محاولة الاغتيال، أو بمعنى أدق، تم استبعاد عبدالحميد مبكرا من الاشتباه، فصار غير مؤثر على مصير زميله، رغم أن عبداللطيف هو أصل القصة ومحورها.
ولكن قراءة الحادثة التاريخية صنعت فى النهاية حكاية فنية موازية، والشخصيات الواقعية صارت شخصيات فنية تماما، وتخمينات سعد فى مذكراته صارت أساسا للحبكة.
أما الرصاصة الطائشة، فقد صارت تصويبا فى الصميم، موجها للتآمر والتطرف، فى كل زمان ومكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.