جدول امتحانات الصف الثاني الإعدادي الفصل الدراسي الثاني 2025 في المنوفية    زيادة إنتاج «أوبك+» في مايو تولد تدفقات نقدية ل«أرامكو» بملياري دولار    بنك البركة – مصر يحقق أرباحًا بقيمة 1.365 مليار جنيه قبل الضرائب خلال الربع الأول من 2025    «تلاعب في العدادات وخلطات سامة».. 5 نصائح لحماية سيارتك من «غش البنزين»    معاش المصريين العاملين بالخارج 2025: الشروط والمستندات وطريقة الاشتراك    الأمم المتحدة: جميع سكان غزة معرضون لخطر المجاعة    حماس: المجاعة في غزة تشتد بشكل كارثي.. وندعو لكسر الحصار وفتح المعابر    الرمادي: أدرس تطبيق اليوم الكامل في الزمالك.. وهذا موقف المصابين من لقاء بيراميدز    نيجيريا يطيح بالسنغال ويتاهل لنصف نهائي أمم أفريقيا للشباب والمونديال    «صار ذئبًا مفترسًا».. «جنايات دمنهور» تودع حيثيات الحكم على المتهم بهتك عرض الطفل ياسين    غدا.. انطلاق مهرجان كان السينمائى بفيلم اترك يوما واحدا    شهادات نجوم الفن.. هل تنهي أزمة بوسي شلبي وأبناء الساحر؟| فيديو    العثور على جثة شخص داخل مقابر الإباجية بالمقطم    نيابة كفرالشيخ تحبس تيكتوكر 4 أيام على ذمة التحقيق    توفير 706 فرصة عمل للخريجين بأسيوط ضمن مشروع توزيع البوتاجاز    أستاذ بجامعة الأزهر: مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى يُعزز الاستقرار داخل المجتمع    قافلة طبية مجانية تجرى الكشف على 1640 مواطنًا بنزلة باقور بأسيوط    تفاصيل تأمين «الثانوية العامة»| زيادة أفراد التفتيش أمام اللجان والعصا الإلكترونية    وزارة الداخلية المصرية ترسل شحنات ملابس شرطية إلى الصومال    مستقبل وطن: زيادة تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية    رفض إستئناف متهم بالإنضمام لجماعة ارهابية ببولاق الدكرور    نقابة الأطباء تحتفل ب"يوم الطبيب المصري".. وتكرم المتميزين في مختلف التخصصات الطبية.. "عميرة": نسعى للنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    مصروفات كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة والأهلية 2025-2026    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    وفاة أحد أشهر المصارعين الأمريكيين عن عمر ناهز 60 عاما    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    أمام العروبة.. الهلال يبحث عن انتصاره الثاني مع الشلهوب    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«رصاصة الدلبشاني».. اللاعبون والدمية
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2023

كتبت ذات مرة إن الرواية والفن عموما لا يكتبان التاريخ، حتى لو عملا على وقائع وشخصيات تاريخية حقيقية، ولكنهما يعيدان قراءة التاريخ، من خلال رؤية الفنان.
وبينما يتحرى المؤرخ الوثيقة الدامغة، والمنهج الصارم، الذى لا يغفل مرجعا، بل ويسجل المراجع فى كل فقرة وصفحة وفصل، فإن الروائى والفنان، يقدم مزيجا معقدا من الواقع والخيال، ويتحرى منطقا فنيا موازيا ومتسقا.
ورغم أن الروائى يدرس موضوعه، وتفاصيله، والمرحلة التاريخية التى يكتب فيها، فإنه يريد بذلك تحقيق الإيهام الفنى، وليس التوثيق التاريخى، ولذلك نعتبر الخلل فى التفاصيل خطأ فنيا وليس تاريخيا، بعكس خطأ المؤرخ، لأن الأخير مطلبه التوثيق، ولأنه يحقق ما وقع فعلا، وليس ما يتخيل حدوثه.
هذه رواية تاريخية ذكية يمكن أن توضح معنى هذا المزيج المعقد، عنوانها «رصاصة الدلبشانى»، لمؤلفها د. إيمان يحيى، وصدرت عن دار الشروق، وأحداثها قائمة على واقعة حقيقية وخطيرة، ولكنها ظلت غامضة ومهمشة، وهى محاولة اغتيال سعد زغلول باشا فى صيف العام 1924، وكان الرجل وقتها رئيس الوزراء، ووزير الداخلية أيضا.
أطلق عليه النار شاب متطرف ينتمى للحزب الوطنى فى محطة باب الحديد، فأصابه برصاصة، لم تقتل الزعيم، ولم يستخرجوها من جسده، خوفا عليه من مضاعفات مرض السكر، ورغم أن الشاب، واسمه عبداللطيف عبدالخالق الدلبشانى، اعترف بإطلاق الرصاص، وشهد عليه عدة شهود، إلا أن المسدس الذى أطلق منه النار اختفى.
ورغم تشعب التحقيقات، واستدعاء وحبس كثيرين، بل وفتح ملفات أخرى لأنشطة سياسية تتعلق بالشيوعيين، وبمؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى، لاسترداد عرشه من الملك فؤاد، فإن قضية الدلبشانى انتهت بالحفظ، بعد إحالة عبداللطيف إلى مستشفى الأمراض العقلية. أصبحت المحاولة، هى قضية الاغتيالات السياسية الوحيدة، التى لم تنته إلى محاكمة، بل لم يعد لها ذكر بعد عام، على حد تعبير سعد زغلول نفسه فى مذكراته.
هذه وقائع التاريخ الرسمى، ولكن د. إيمان اختار الحادثة لكى يرجح طرفا مسئولا عن الجريمة، ولكى يعيد قراءة تفاصيلها، ويحفر وراء أبطالها وشخصياتها، كما اعتبر الرصاصة الطائشة فرصة لاكتشاف عالم السياسة ودهاليزها، فى سنة هامة وفارقة هى العام 1924، للتفرقة بين لاعبين وراء الستار، وأدوات مثل الدمى من المتطرفين.
يمكن أن نقول إن الرواية عن السياسة بوجهيها: الغامض الناعم والماكر، والعنيف الظاهر والمتهور، وكأن المعركة تدور على مستوى الرصاص، وعلى مستوى المؤامرات والدسائس فى نفس الوقت.
وبينما يبدو عبداللطيف الدلبشانى فى حماقة رصاصته، فإن اللعبة الحقيقية تدور ما بين سعد زغلول، والإنجليز (ويمثلهم فى الرواية مساعد حكمدار القاهرة إنجرام بك)، والملك فؤاد (ويمثله فى الرواية رئيس الديوان وقتها حسن نشأت باشا). وهكذا يعاد بناء القصة التاريخية، وسد ثغراتها، وصنع معادل فنى كامل لوقائعها، وتمرير أفكار المؤلف ورؤيته، وأوضح عناصرها إظهار حماقة التطرف والمتطرفين، وتعقيدات لعبة السياسة، وحروبها المعلنة والخفية، التى تستلزم أحيانا التواطؤ على الحقيقة، وتجاهل أحداث خطيرة، انتظارا لجولات أخرى.
تتناوب السرد أصوات عبداللطيف، وزميله القابع فى المنصورة عبدالحميد الطوبجى، وإنجرام بك، ولكن لن يكشف أبعاد المؤامرة، وأسباب حفظ التحقيق إلا صوت حسن نشأت، وصوت سعد رغلول، أى سيختتم السرد بصوت المتآمر، والمتآمر عليه.
والبناء بأكمله يأخذ شكل الحبكة البوليسية المثيرة، ولكنك ستكتشف سخرية كامنة، فالفاعل المعلن معروف، واعترف على نفسه، والفاعل المستتر يعرفه سعد، بينما نشأت وإنجرام بك يتحدثون بالتفصيل عن المؤامرة، ولكن أحدا لن يحاكم، أى إنها جريمة لها فاعل وتحقيقات، ولكن دون قضية!
هكذا تغلبت فرضية تآمر القصر والإنجليز، وفسرت أسباب التواطؤ والتجاوز، وهكذا أيضا اتسعت الرؤية من الجريمة، إلى قراءة لعبة السياسة فى تلك الفترة، مع إدانة ضمنية للعقول المتطرفة، التى ارتكبت كوارث فى التاريخ المصرى، تحت لافتات وطنية أو دينية، بل إن مقتل السير لى ستاك على أيدى المتطرفين، كان سببا فى استقالة سعد زغلول، وإضعاف موقفه.
تضع الرواية يدها كذلك على أحداث مهمشة، فتأخذها إلى المقدمة، مثل النشاط الاشتراكى والشيوعى، وبالذات فى مدينة المنصورة، ومؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى على الملك فؤاد، ونشاط الشباب المصرى الذى يدرس فى ألمانيا، وانقسامه بين متطرفين، وأنصار للوفد.
هذه إذن ليست مجرد رصاصة وجريمة، ولكن يمكن أن تحمل الرواية أيضا اسم السنة «1924»، ومحاولة الاغتيال عظيمة الدلالة فى تفكيك كل عناصر المؤامرة، والصراع السياسى على السلطة، ورصاصة الدلبشانى الحقيقية أطلقها التطرف والتآمر، وليس عبداللطيف.
هنا قراءة جديدة ولامعة، وبناء فنى مادته التاريخ، وإن كانت ثمة ملاحظات أبرزها هيمنة المادة المعلوماتية على التفاصيل الإنسانية، ورغم تفهم أن تكون شخصية عبداللطيف بالذات أحادية الجانب، إلا أننا افتقدنا صراعا داخليا متوقعا، ولو على مستوى ما سببه لأسرته من متاعب بعد القبض عليه، وافتقدنا أيضا صراعا هاما يفترض أن يدور فى داخله، نتيجة استنكار رموز الحزب الوطنى لمحاولة الاغتيال، كما أن لعبة ادعاء الجنون جرت بسهولة، وكان يمكن أن تضيف قوة أكبر إلى الصراع، بالإضافة إلى مشكلة عدم التوازن بين أحجام فصول السرد.
من ناحية أخرى، فإن صوت عبدالحميد الطوبجى كان لازما لوصف النشاط الشيوعى والاشتراكى فى المنصورة، ولكنه بدا منعزلا عن محاولة الاغتيال، أو بمعنى أدق، تم استبعاد عبدالحميد مبكرا من الاشتباه، فصار غير مؤثر على مصير زميله، رغم أن عبداللطيف هو أصل القصة ومحورها.
ولكن قراءة الحادثة التاريخية صنعت فى النهاية حكاية فنية موازية، والشخصيات الواقعية صارت شخصيات فنية تماما، وتخمينات سعد فى مذكراته صارت أساسا للحبكة.
أما الرصاصة الطائشة، فقد صارت تصويبا فى الصميم، موجها للتآمر والتطرف، فى كل زمان ومكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.