وزير الري: المواقف الإثيوبية بشأن سد النهضة تتسم بالمراوغة    إندونيسيا.. مقتل 6 أشخاص على الأقل وفقدان العشرات بعد غرق عبارة    ماذا فعلت الإسكندرية لحماية المصطافين؟(صور)    " كشري وعصير قصب"..مينا مسعود يتجول في شوارع القاهرة بعد عرض "في عز الضهر"    خالد الجندي: "عاشوراء" سنة نبوية قديمة ليست مقتصرة على الإسلام    خالد الجندي: شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يخالف شرعنا    هل التوقف عن الأكل بعد الساعة 6 ينقص الوزن؟    مجلس النواب الأمريكي يقر مشروع قانون ترامب للضرائب    الدفاع المدنى بغزة: إسرائيل تمنعنا من إنقاذ أحياء تحت الأنقاض    الدنمارك تطالب أوروبا بتعويض أي توقف أمريكي لإمدادات الأسلحة لأوكرانيا    رئيس النواب الأردنى يحذر من تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة والضفة    تقديرًا ل شيكابالا.. الزمالك يعلن حجب الرقم 10 في الموسم المقبل    الزمالك يبحث تمديد عقد ناصر ماهر    الريان القطري يبدأ مفاوضات التعاقد مع وسام أبو علي    رئيس حزب الريادة: بيان 3 يوليو إعلان ميلاد الجمهورية الجديدة    الأرصاد الجوية: استمرار ارتفاع درجات الحرارة و ارتفاع الرطوبة خلال الساعات القادمة    وكيل صحة بني سويف: 5 لجان للكشف الطبي على مرشحي مجلس الشيوخ    أهم أخبار الفن.. طرح ألبوم عمرو دياب الجديد "ابتدينا".. الهضبة وتامر حسنى وأنغام وويجز نجوم الدورة ال3 من مهرجان العلمين الجديدة.. عزاء أحمد عامر الأحد المقبل.. وفاة مايكل مادسن.. وعرض "حاجة تخوف" بمسرح أسيوط    أحمد شيبة يحتفي بصورته مع نجلي أحمد عامر: «ربنا يرحمه ويبارك في وسيم وأيمن»    كابالا يُعيد فن الحكي إلى الواجهة في معرض الفيوم للكتاب    مراسل "القاهرة الإخبارية": ملفا أوكرانيا وإيران كانا محور محادثتي بوتين مع ماكرون وترامب    نائبة محافظ القليوبية تقود حملة نظافة وإشغالات في شبرا الخيمة    ارتفاع العجز التجاري لأمريكا خلال مايو الماضي    أمين حزب العدل: نتحالف في القائمة الوطنية ونتنافس بالفردي.. وقانون الانتخابات هو السبب    "صحة القليوبية": تنظيم 90 قافلة طبية خلال 2024 - 2025 استفاد منها 87484 مواطنا    رسميًا.. ميلان يعلن التعاقد مع صامويل ريتشي    مبيعات التجارة الإلكترونية في السعودية تتجاوز 69 مليار ريال خلال الربع الأول من 2025    أسامة السعيد: بيان 3 يوليو أنهى مشروع اختطاف الدولة وأعاد لمصر هويتها الوطنية    "التعليم" تكشف أسباب رفع سن التقديم بالحصة ل45 سنة والإبقاء على مسابقات التعيين المحدودة    ليفربول يعلن تخليد القميص رقم 20 تكريما ل ديوجو جوتا    أمين الفتوى: التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء سنة نبوية ولها فضل عظيم    صراع على رضا سليم| اللاعب يفضل سيراميكا.. والأهلي يضع شروطه    البنك الأهلي يتعاقد مع نجم طلائع الجيش    مستشفى 15 مايو ينجح فى إنقاذ مريضين في عمليات حرجة تنتهي بلا مضاعفات    تقارير: أرسنال يدخل في مفاوضات جادة مع رودريجو    مصرع طفل غرقًا داخل ترعة بقنا    إطلاق الطرح الثانى بمدينة الجلود فى الروبيكى    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد مستشفيات النيل وبنها لضمان جاهزية الخدمات    للمؤثرين على مواقع التواصل| رحلات ترويجية للسياحة بالقناطر    مساعدات عاجلة لأسرة كل متوفي ومصاب في حادث انفجار مصنع الأدوات الصحية بالدقهلية    تساؤلات المواطنين تتزايد: هل ارتفعت أسعار شرائح الكهرباء؟    بقدرة 650 ميجاوات.. استمرار العمل بمشروع الوحدة الثالثة ب محطة كهرباء الوليدية في أسيوط    من يتحمل تكلفة الشحن عند إرجاع المنتج؟.. الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي    القبض على مالك شركة للنصب على المواطنين بالسفر للخارج    زيادة القبول وتنوع الجنسيات.. التعليم العالي: 125 ألف وافد مسجلين بالجامعات    بالشراكة مع «الجهات الوطنية».. وزير الثقافة يعلن انطلاق مبادرة «مصر تتحدث عن نفسها»    ابتدينا.. أم أكملنا؟ قراءة رقمية في تكرار الأسماء وراء صوت عمرو دياب بأحدث ألبوماته الغنائية    السيارة سقطت في الترعة.. إصابة 9 أشخاص في حادث تصادم بالمنيا    وفاة وإصابة 11 شخصًا في انفجار خزان ضغط هواء في الدقهلية    تواصل أعمال البحث عن 4 مفقودين في حادث غرق حفار جبل الزيت    جيش الاحتلال يعتقل 21 فلسطينيا في الضفة الغربية بينهم طلاب ثانوية    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    إخلاء قرى في غرب تركيا مع توسع الحرائق بفعل الرياح    مطروح تحتفل بالذكرى ال12 لثورة 30 يونيو المجيدة.. صور    تكريما لشهداء كفر السنابسة.. محافظ المنوفية يخصص أرضا لمركز شباب بالقرية ويعلن نصبا تذكاريا بأسمائهم    ليفربول ناعيا جوتا: صدمة مروعة ورحيل لا يُصدق    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى حلوان العام ومركز أطلس ويوجه بإجراءات عاجلة    توقعات بإعلان توفير 115 ألف وظيفة جديدة في أمريكا خلال يونيو الماضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«رصاصة الدلبشاني».. اللاعبون والدمية
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2023

كتبت ذات مرة إن الرواية والفن عموما لا يكتبان التاريخ، حتى لو عملا على وقائع وشخصيات تاريخية حقيقية، ولكنهما يعيدان قراءة التاريخ، من خلال رؤية الفنان.
وبينما يتحرى المؤرخ الوثيقة الدامغة، والمنهج الصارم، الذى لا يغفل مرجعا، بل ويسجل المراجع فى كل فقرة وصفحة وفصل، فإن الروائى والفنان، يقدم مزيجا معقدا من الواقع والخيال، ويتحرى منطقا فنيا موازيا ومتسقا.
ورغم أن الروائى يدرس موضوعه، وتفاصيله، والمرحلة التاريخية التى يكتب فيها، فإنه يريد بذلك تحقيق الإيهام الفنى، وليس التوثيق التاريخى، ولذلك نعتبر الخلل فى التفاصيل خطأ فنيا وليس تاريخيا، بعكس خطأ المؤرخ، لأن الأخير مطلبه التوثيق، ولأنه يحقق ما وقع فعلا، وليس ما يتخيل حدوثه.
هذه رواية تاريخية ذكية يمكن أن توضح معنى هذا المزيج المعقد، عنوانها «رصاصة الدلبشانى»، لمؤلفها د. إيمان يحيى، وصدرت عن دار الشروق، وأحداثها قائمة على واقعة حقيقية وخطيرة، ولكنها ظلت غامضة ومهمشة، وهى محاولة اغتيال سعد زغلول باشا فى صيف العام 1924، وكان الرجل وقتها رئيس الوزراء، ووزير الداخلية أيضا.
أطلق عليه النار شاب متطرف ينتمى للحزب الوطنى فى محطة باب الحديد، فأصابه برصاصة، لم تقتل الزعيم، ولم يستخرجوها من جسده، خوفا عليه من مضاعفات مرض السكر، ورغم أن الشاب، واسمه عبداللطيف عبدالخالق الدلبشانى، اعترف بإطلاق الرصاص، وشهد عليه عدة شهود، إلا أن المسدس الذى أطلق منه النار اختفى.
ورغم تشعب التحقيقات، واستدعاء وحبس كثيرين، بل وفتح ملفات أخرى لأنشطة سياسية تتعلق بالشيوعيين، وبمؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى، لاسترداد عرشه من الملك فؤاد، فإن قضية الدلبشانى انتهت بالحفظ، بعد إحالة عبداللطيف إلى مستشفى الأمراض العقلية. أصبحت المحاولة، هى قضية الاغتيالات السياسية الوحيدة، التى لم تنته إلى محاكمة، بل لم يعد لها ذكر بعد عام، على حد تعبير سعد زغلول نفسه فى مذكراته.
هذه وقائع التاريخ الرسمى، ولكن د. إيمان اختار الحادثة لكى يرجح طرفا مسئولا عن الجريمة، ولكى يعيد قراءة تفاصيلها، ويحفر وراء أبطالها وشخصياتها، كما اعتبر الرصاصة الطائشة فرصة لاكتشاف عالم السياسة ودهاليزها، فى سنة هامة وفارقة هى العام 1924، للتفرقة بين لاعبين وراء الستار، وأدوات مثل الدمى من المتطرفين.
يمكن أن نقول إن الرواية عن السياسة بوجهيها: الغامض الناعم والماكر، والعنيف الظاهر والمتهور، وكأن المعركة تدور على مستوى الرصاص، وعلى مستوى المؤامرات والدسائس فى نفس الوقت.
وبينما يبدو عبداللطيف الدلبشانى فى حماقة رصاصته، فإن اللعبة الحقيقية تدور ما بين سعد زغلول، والإنجليز (ويمثلهم فى الرواية مساعد حكمدار القاهرة إنجرام بك)، والملك فؤاد (ويمثله فى الرواية رئيس الديوان وقتها حسن نشأت باشا). وهكذا يعاد بناء القصة التاريخية، وسد ثغراتها، وصنع معادل فنى كامل لوقائعها، وتمرير أفكار المؤلف ورؤيته، وأوضح عناصرها إظهار حماقة التطرف والمتطرفين، وتعقيدات لعبة السياسة، وحروبها المعلنة والخفية، التى تستلزم أحيانا التواطؤ على الحقيقة، وتجاهل أحداث خطيرة، انتظارا لجولات أخرى.
تتناوب السرد أصوات عبداللطيف، وزميله القابع فى المنصورة عبدالحميد الطوبجى، وإنجرام بك، ولكن لن يكشف أبعاد المؤامرة، وأسباب حفظ التحقيق إلا صوت حسن نشأت، وصوت سعد رغلول، أى سيختتم السرد بصوت المتآمر، والمتآمر عليه.
والبناء بأكمله يأخذ شكل الحبكة البوليسية المثيرة، ولكنك ستكتشف سخرية كامنة، فالفاعل المعلن معروف، واعترف على نفسه، والفاعل المستتر يعرفه سعد، بينما نشأت وإنجرام بك يتحدثون بالتفصيل عن المؤامرة، ولكن أحدا لن يحاكم، أى إنها جريمة لها فاعل وتحقيقات، ولكن دون قضية!
هكذا تغلبت فرضية تآمر القصر والإنجليز، وفسرت أسباب التواطؤ والتجاوز، وهكذا أيضا اتسعت الرؤية من الجريمة، إلى قراءة لعبة السياسة فى تلك الفترة، مع إدانة ضمنية للعقول المتطرفة، التى ارتكبت كوارث فى التاريخ المصرى، تحت لافتات وطنية أو دينية، بل إن مقتل السير لى ستاك على أيدى المتطرفين، كان سببا فى استقالة سعد زغلول، وإضعاف موقفه.
تضع الرواية يدها كذلك على أحداث مهمشة، فتأخذها إلى المقدمة، مثل النشاط الاشتراكى والشيوعى، وبالذات فى مدينة المنصورة، ومؤامرات الخديوى السابق عباس حلمى على الملك فؤاد، ونشاط الشباب المصرى الذى يدرس فى ألمانيا، وانقسامه بين متطرفين، وأنصار للوفد.
هذه إذن ليست مجرد رصاصة وجريمة، ولكن يمكن أن تحمل الرواية أيضا اسم السنة «1924»، ومحاولة الاغتيال عظيمة الدلالة فى تفكيك كل عناصر المؤامرة، والصراع السياسى على السلطة، ورصاصة الدلبشانى الحقيقية أطلقها التطرف والتآمر، وليس عبداللطيف.
هنا قراءة جديدة ولامعة، وبناء فنى مادته التاريخ، وإن كانت ثمة ملاحظات أبرزها هيمنة المادة المعلوماتية على التفاصيل الإنسانية، ورغم تفهم أن تكون شخصية عبداللطيف بالذات أحادية الجانب، إلا أننا افتقدنا صراعا داخليا متوقعا، ولو على مستوى ما سببه لأسرته من متاعب بعد القبض عليه، وافتقدنا أيضا صراعا هاما يفترض أن يدور فى داخله، نتيجة استنكار رموز الحزب الوطنى لمحاولة الاغتيال، كما أن لعبة ادعاء الجنون جرت بسهولة، وكان يمكن أن تضيف قوة أكبر إلى الصراع، بالإضافة إلى مشكلة عدم التوازن بين أحجام فصول السرد.
من ناحية أخرى، فإن صوت عبدالحميد الطوبجى كان لازما لوصف النشاط الشيوعى والاشتراكى فى المنصورة، ولكنه بدا منعزلا عن محاولة الاغتيال، أو بمعنى أدق، تم استبعاد عبدالحميد مبكرا من الاشتباه، فصار غير مؤثر على مصير زميله، رغم أن عبداللطيف هو أصل القصة ومحورها.
ولكن قراءة الحادثة التاريخية صنعت فى النهاية حكاية فنية موازية، والشخصيات الواقعية صارت شخصيات فنية تماما، وتخمينات سعد فى مذكراته صارت أساسا للحبكة.
أما الرصاصة الطائشة، فقد صارت تصويبا فى الصميم، موجها للتآمر والتطرف، فى كل زمان ومكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.