وقائع تاريخية مكتوبة بلغة رصينة، تمضى عبر مسارات شخصية واقعية، صاغها الدكتور والروائى إيمان يحيى، فى روايته الصادرة عن الشروق، باسم «رصاصة الدلبشانى»؛ حيث نص متقن صبغه بلمسة كانت مزيجا ما بين الواقع والعواطف، والتى ينطلق معها القارئ فى رحلة من فصول وأيام ماضية من تاريخ البلاد. تتمحور الرواية الرابعة للدكتور إيمان يحيى حول «رصاصة الدلبشانى» التى أصابت سعد زغلول ولم تقتله، فى بناء أدبى درامى تتوزع أدواره بعناية على مجموعة من أهم الشخصيات والأبطال الرئيسية، الذين تنوعوا ما بين السياسيين والعشاق، والمتعصبين، والضحايا والجناة. استدعت جودة النصوص الخاصة برواية «رصاصة الدلبشانى» كلمات ممهورة بتوقيع الكاتب الكبير والدكتور محمد المخزنجى، قال فيها: من جديد يدهشنى إيمان يحيى بحفائره التى يستخرجها من عمق النسيان ويزيل عنها ترابها ويجلوها فتعود تنبض، وننبض معها منفعلين: «ما أغرب شبه اليوم بالبارحة».. لغة أنيقة، ومشاهد تثير الأسى والحنين، خاصة تلك التى اختص بها مدينة صِبانا وزهرة عمرنا «المنصورة» التى كانت. فأشجانى واستصفى الشجون. يطالعنا عنوان الرواية الجذاب، وغلافها اللافت كعتبة للنص، فالغلاف هو رسم أصلى من وقت الحادث بريشة مؤسس فن الكاريكاتير فى مصر الإسبانى سانتيس، ليعد القارئ بوجبة دسمة حول رواية تاريخية نشرتها دار الشروق. تسرد ببراعة وتشويق أجواء مصر فى الفترة التى تلت ثورة 1919، وتفاصيل عملية الاغتيال لسعد زغلول رئيس وزراء مصر الأسبق، وكيف تمنى الإنجليز وكذلك الملك فؤاد نجاحها، وكيف علم الإنجليز مسبقًا بالتخطيط لها ولم يتحركوا بالرغم من وصول معلومات لهم عن الجانى. استطاع الدكتور إيمان يحيى، أن ينسج عناصر مختلفة أدبية وتاريخية وتسجيلية، ليدرك القارئ سريعا أنه ليس بصدد حدث تاريخى عابر، أو مجرد محاولة اغتيال فاشلة كما سجلتها دفاتر التاريخ، وإنما عناصر إبداعية متشابكة، تتحدث فى خلفية الحدث الرئيسى عن الشارع المصرى الغاضب من الاحتلال البريطانى وتداخلات من أتباع الخديو المنفى عباس حلمى الثانى، وبعض مؤيدى الزعيم محمد فريد، وآخرون من التابعين للتيار الإسلامى حينها، بخلاف أعداد كبيرة من الأوروبيين الذين يعيشون فى مصر. يستعين إيمان يحيى بطريقة سلسلة للحكى، لا يشعر معها القارئ أنه بصدد مطالعة عمل قوامه تاريخى، حيث لغة جميلة ووصف دقيق ممتع، يتناول الكاتب من خلاله محاولة اغتيال سعد زغلول بعيون مجموعة أطراف لنتعرف على الصورة كاملة، مع معايشة كاملة لحال وأحوال مصر والمصريين فى تلك الحقبة، لنكون أمام رواية تاريخية يقف المؤلف فيها موقف الحياد، دون أن يكون هناك موقف سياسى واضح يظهر فى أفكار أبطال الرواية وتطور أحداثها. تنطلق الرواية بعودة شخصية عبداللطيف الدلبشانى من ألمانيا وزيارته للمنصورة بلده، ومقابلة الطوبجى صديقه من أيام ألمانيا، حيث تأثر الأخير بالتيارات الاشتراكية فى ألمانيا وأغوته أفكار لينين بعد انتصار الثورة الروسية. وخلال نقاش الدلبشانى مع الطوبجى أبدى غضبه قائلًا إن سعد نسى الاستقلال واهتم بالدستور والبرلمان، وقال لا بد من إيقافه بأى ثمن حتى لو كان قتله. يمضى الدكتور إيمان يحيى نحو الغوص فى عقول الشخصيات التى يرى كل منها الواقع من منظور مختلف، لنقرأ عن شراء الدلبشانى مسدسا فى القاهرة بمساعدة شخص يعرفه وبدأ يبحث عن سعد زغلول إلى أن علم أنه سوف يسافر بالقطار إلى الإسكندرية. فى هذا الوقت ذهب مندوب المخابرات البريطانى لمقابلة إنجرام بك أعلى سلطة فى البوليس ليخبره بأنهم علموا أن شابًا قادمًا من برلين ينوى قتل سعد زغلول، والمطلوب هو إخفاء جسم الجريمة، أى المسدس، وفى تقرير الإنجليز أنه لو قتل سعد سوف تتفكك الصلابة المصرية وإذا نجا فسوف يكون مهزومًا غير قادر على السيطرة على الأمور. التوليفة التى احتوت عليها «رصاصة الدلبشانى» تجمع بين خصائص العمل الأدبى الروائى، وأدوات الخيال التى تسمح بوجود مساحات من العواطف، فهناك قصتان للحب إحداهما للشاب الطوبجى فى المنصورة، وقصة غرام أخرى تخص إنجرام بك، وكلتاهما تحتويات على تفصيلات كثيرة مدعومة بالحس الشاعرى الخيالى، داخل إطار عام من الحكى الذى يخص حدثا هاما من تاريخ مصر تم التعتيم عليه، رغبة فى التخلص من سعد زغلول. إيمان يحيى؛ كاتب وروائى مصرى، يعمل فى إحدى كليات الطب بمصر. صدرت له ثلاث روايات: «الكتابة بالمشرط» عام 2014، و«الزوجة المكسيكية» عام 2018 التى فازت بجائزة ساويرس الثقافية، فرع كبار الأدباء، كما وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية، ورواية «قبل النكسة بيوم» فى دورتها لعام 2022.