هذه المرة توارت الضباع خلف الستار وتركت الثعالب الصغيرة تتربص بالضبعة. بعد أن وضعت معركة التقارير الفنية أوزارها وانتهى الاستشارى العالمى إلى أن الضبعة هى الموقع الأنسب والأفضل لإطلاق مشروع مصر للطاقة النووية، وبدا أن تحركات عملية سوف تبدأ على الأرض للبدء فى تنفيذ المشروع، قررت ضباع الاستثمار السياحى أن تطور من أساليبها فى إدارة الصراع على الأرض، وبدلا من أن تخوض المعركة بشكل مباشر، ها هى تطلق ثعالبها وقنافذها لتعبث على أوراق الصحف وتعربد فى الفضائيات لتملأ الدنيا ثغاء بأنه من الأفضل والأفيد والأجدى أن يتم استثمار المكان سياحيا، ومن حصيلة هذا الاستثمار يتم تمويل مشروع إقامة مجموعة محطات لإنتاج الطاقة النووية فى مواقع أخرى. وقبل الدخول فى مناقشة منطق الضباع والثعالب هناك إشارة لازمة وضرورية حتى لا تختلط الأوراق ويوضع التبن بجوار التبر، وأعنى بالتبر كاتبا ومبدعا جميلا هو الدكتور محمد المخزنجى الذى أعلن معارضته لفكرة المحطات النووية فى مصر لأسباب إنسانية نبيلة، على اعتبار أن مصر لا تملك قاعدة علمية صلبة تقيها أخطارا مرعبة قد تندلع لأى خطأ تافه، كما جرى فى كارثة تشيرنوبيل فى أوكرانيا. ذلك هو المخزنجى الجميل، أما تلك الثعالب اللابدة فى تلال التبن فلها مآرب أخرى لا تحتاج إلى كثير من الجهد لكشفها، وقد قلت فى هذا المكان أكثر من مرة إن مشروع الضبعة تحول من مسألة فنية إلى قضية أخلاقية، فإما أن تكون مع المدرسة والمسجد والمصنع، أو تكون مع البار والشاليه وصالة الجيم.. إما أن تحترم مصر نفسها وتوجد لنفسها مشروعا قوميا حقيقيا تعيش له وبه وعليه، وإما أن تعلن بوضوح ودون مواربة أنها ليست أكثر من فندق أو محطة خدمات على طريق سريع يمرح فيه المغامرون وبائعو الهواء والهوى. ويلفت النظر أن انتباهة الضباع والثعالب المفاجئة تأتى مباشرة بعد الإعلان عن ذهاب وزير الكهرباء إلى الرئيس مبارك فى منتجع نقاهته بشرم الشيخ حاملا ملف مشروع الضبعة، وما تسرب من أنباء بأن قرارا جمهوريا ببدء العمل فى المشروع قد اكتملت صياغته.. وأزعم أن أمام الرئيس مبارك فرصة تاريخية ليسجل لنفسه فى تاريخ مصر، بعد ثلاثين عاما فى السلطة، صفحة ناصعة بإطلاقه مشروع الضبعة النووى. وإذا كان المدافعون عن حكم مبارك يقولون إن بقاءه فى السلطة كل هذه السنوات نابع من شرعية حرب أكتوبر، فإن أمام الرئيس فرصة ذهبية للبقاء فى ذاكرة التاريخ تتأتى من شرعية معركة الضبعة.. فهل يفعلها الرئيس؟