نقيب الأطباء: تأمين المستشفيات وتحسين أوضاع الأطقم الطبية أهم الملفات أمام المجلس الجديد (فيديو)    رفعت فياض يكتب: تزوير فاضح فى درجات القبول بجامعة بى سويف الأهلية قبول طلاب بالطب وطب الأسنان والآداب بالمخالفة حتى وصلوا للسنة الثالثة    انتهاء اليوم الثالث من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    سمير فرج يكشف عن خطة مكافحة «مرض الخنادق» في حرب أكتوبر    مصر للطيران توقع بروتوكول تعاون مع مؤسسة راعي للتنمية    مياه كفر الشيخ: انقطاع المياه لمدة 12 ساعة عن مركز ومدينة بلطيم اليوم    نائب محافظ المنيا يتفقد أعمال تطوير ميدان النيل ومجمع المواقف    واشنطن ترسل قوات لإسرائيل لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الأمن العام اللبناني: تفكيك شبكة تجسس إسرائيلية خططت لأعمال إرهابية واغتيالات    كوت ديفوار يكتسح سيشل بسباعية في تصفيات كأس العالم    الحضرى يشيد بدور الرئيس السيسى فى إيقاف الحرب على غزة واتفاق شرم الشيخ    مصرع أب وابنه غرقا بمياه النيل قرب محطة العلالمة ببني سويف    نيابة العامرية تطلب تحريات العثور على جثة فتاة مقتولة وملقاة بالملاحات في الإسكندرية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو "التحفظ على دراجة نارية دون سبب" بالجيزة    تامر عاشور يواصل تجهيز ألبوم الشتاء ويسجل أغاني جديدة    إيهاب فهمى عن إيقاف الحرب على غزة بعد اتفاق شرم الشيخ: مبادرة ومباراة رائعة    قصر ثقافة الطفل يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر    في اليوم العالمي للبيض، 6 أسباب تجعله أكثر الأطعمة صحة على الإطلاق    وزير الصحة يوجه بتكثيف المرور الميداني ل12 محافظة لإتمام 28 مشروعا صحيا    خبير قضايا الجرائم الإلكترونية: دليل سريع لتأمين الراوتر وكلمات المرور    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    "سلامتك تهمنا".. حملة من «النقل» لمواجهة السلوكيات الخطرة على قضبان السكة الحديد    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    الإعلان التشويقي لفيلم "ولنا في الخيال.. حب؟" يمهّد الطريق لعرضه قريبا    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    الزمالك: ندرس ضم مدرب عام مصري لجهاز فيريرا    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    لبنان: بيروت ودمشق اتفقتا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    «ضاعت على ترامب».. إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للسلام    إقبال ملحوظ في انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء القليوبية ببنها    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    ترامب يدعو إلى طرد إسبانيا من «الناتو»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطنية البالية.. والمواطن العالمي بنكهة الفانيليا
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 08 - 2023

كان عم جدتى لوالدى المفكر المؤثر وأستاذ الجيل الذى نادى بتعزيز الهوية المصرية وتوحيد الشعب المصرى على مبدأ أن مصر للمصريين وأن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية. لذا، فقد نشأت على هذا الإرث وعلى الفخر بمصريتى وهويتى، بعيدا عن الهوية الدينية أو العربية. فورثت جينات جدى الأكبر لطفى السيد واعتزازه ببلاده وإرثه الفكرى والثقافى والأيديولوجى.
لم يكن والدى قط يغنى لى أغانى الأطفال وأنا صغيرة، بل كان يردد لى دائما الأغانى الوطنية القديمة، مثل «نشيد القسم» وغيرها الكثير من الأغانى التى تعزز الشعور بالوطنية والفخر بالهوية المصرية بكل ثرائها وتاريخها وتعقيداتها. تربيت على حب من أنا وحب مصريتى بكل نكباتها وإنجازاتها ومشاكلها وثوراتها واحتلالاتها وآثارها وشواطئها الخلابة ومبانيها الأثرية وعشوائياتها وعدم نظافة شوارعها.
أحببتها كما هى حبا غير مشروط وحبا مدركا تماما مشاكلها كلها، وتمنيت العمل على تطويرها ورفضت فرص الهجرة العديدة التى تسنت لى، وبالرغم من دراستى بالخارج وحبى للسفر، لم أشعر قط بإحساس الوطن والانتماء وشعرت بأننى ورقة فى مهب الريح بلا جذر. هنا أشعر بالوطن والجذور، بالنجاحات والفخر المشترك، بحب شعبها وطيبته وخفة دمه وجدعنته وصموده بالرغم من كل الظروف. أحببت حبنا للحياة ورغبتنا فيها بالرغم من جميع الصعوبات، أحببت الأسرة البسيطة التى تناست الزحمة والضجيج والتلوث ووقفت تأكل كوز الذرة المشوى فى حر الصيف، وأحببت السيدة القوية التى تحدت الشارع والناس والظروف والتحرش ووقفت طوال النهار بعربة خضروات لإعالة أسرتها. فشعرت بالمعاناة المشتركة مع أهل بلادى والتروما المشتركة مما مررنا به عبر العقود الأخيرة من ظروف أمنية واقتصادية وتحرش فى الشوارع وزحمة وحتى انقطاع التيار الكهربائى والسخرية من تخفيف الأحمال. فكلنا نعانى وكلنا نسخر فى أحيان كما نحتفل كلنا ونفخر كلنا فى أحيان أخرى.
فبلادى كلها تاريخ وإرث ثقافى وحضارى دسم يدعو للفخر والاعتزاز وعادات وتقاليد تجمع بيننا من أول النيش المقدس غير القابل للمس فى بيوتنا جميعا، مرورا بالفسيخ والبيض الملون يوم شم النسيم، فطار الفول والطعمية فى صباح يوم الجمعة ووصولا إلى كرم الضيافة وقواعد إكرام الضيف المبالغ بها فى جميع بيوت المصريين. ذاك الإرث والعادات والتاريخ نشترك فيه جميعا بمختلف طبقاتنا ومعتقداتنا وألوان بشرتنا، ويشكل هوية مشتركة دسمة وغنية ولا تمت بصلة لعرق أو دين. كما تشترك المشاكل والتروما المجتمعية والنكبات فى تشكيل تلك الهوية وصقلها، فهى مشاكلنا نحن وتروماتنا نحن ووطننا نحن. فبالرغم من كل شىء، تربيت على حبه والتضحية من أجله وإعلاء شأنه والعمل على تعديل أوضاعه وحل مشاكله على قدر المستطاع.
• • •
تصورت أن هذا الإحساس بالانتماء والوطنية طبيعى ومطلوب وواجب علينا تمريره إلى الأجيال القادمة كما قام والدى بتوريثه لى ووالده بدوره. ولكن على ما يبدو قد تغير مفهوم الوطنية كثيرا عن زمن جدى الأكبر.
كان لطفى السيد ينادى بمصر للمصريين فى زمن كانت تعانى فيه البلاد من سلسلة احتلالات، بدءا من الاحتلال العثمانى ثم البريطانى. وكان آنذاك المناداة بتعزيز هوية مصرية مشتركة بعيدة عن الدين والعرق والافتخار بمصريتنا فى وجه احتلال يقمع المصريين ويعطيهم الشعور بالدونية أمرا فى غاية الأهمية، لتشكيل جيل مرفوع الرأس وممدود الجذر وواثق فى أصله ونفسه وهويته. ربما لم تعد مصر محتلة وربما اختلف الزمن والظروف والمعتقدات، ولكن ما لم يختلف هو أهمية إرساء مبادئ الوطنية والتعزيز والافتخار بالهوية المصرية. سبقنا جدى الأكبر بمائة عام وتغيرت الأوضاع كثيرا منذ ذلك الحين، ولكن مشكلة الهوية وعقدة الخواجة لا تزال قائمة فى ظل احتلال عسكرى تبدل باحتلال ثقافى متوحش وأخطر لصعوبة تحديده وملاحظته، فهو يتسلل ببطء وحنكة ومسايسة تجعله صعب الملكة وبالتالى صعب المحاربة، عكس ما يحدث مع العدو المحتل الصريح فى زمن لطفى السيد.
فتبدل مفهوم الهوية الوطنية بمبادئ المواطن العالمى غير المنتمى لوطن معين، وارتبطت مفاهيم الوطنية بالفاشية المتأصلة فى جذور إمبريالية احتلالية لا تمت بصلة لمفاهيم الوطنية المصرية، التى تأصلت فى رغبة مشتركة لمكافحة ذلك الاحتلال ذاته الذى لطخ مبادئ الوطنية. جاءت مبادئ المواطن العالمى ردا على فاشية سادت وقت الإمبراطورية البريطانية ومن قبلها العديد من القوى المحتلة، التى استخدمت مفهوم الوطنية لسلب حقوق أوطان أخرى لمصلحتها والاعتقاد بأنهم أفضل وأعلى من باقى الشعوب والأوطان. ثم تفشى ذلك الإحساس بالأعلوية مع حملات الرئيس السابق دونالد ترامب الانتخابية التى امتازت بالفاشية الفكرية وعدم الاكتراث بأى وطن أو شعب آخر وتجردت من مفاهيم الإنسانية. وهنا يجب أن نفرق بين ال «nationalism» وال «patriotism» فالأولى مرتبطة بالفاشية والثانية تعنى فقط حب الوطن والاعتزاز به، وترجمة الكلمتين باللغة العربية هى الوطنية. ولكن شتان الفرق بين مبدأ الوطنية المصرية ومبادئ الوطنية الإمبريالية التى يتحدث الغرب عنها وتنبذها وسائل التواصل الاجتماعى وأعطته وصمة عار وجعلته موضة قديمة لا تعجب جيل العولمة. ولكن ما لا يفهمه جيل المواطن العالمى أن هذه الوطنية المنبوذة هى ذاتها الوطنية التى أدت إلى حركة عكسية لمحاربيها وكونت الوطنية المصرية، لا لاحتلال أوطان الآخر ولا لإهدار حقوق الآخرين والاعتلاء عليهم، ولكن ببساطة للاعتزاز والفخر بهويتنا وأوطاننا ومحاربة الانبهار بالمحتل أو بالغرب وأفكارهم. فذلك لا يعنى أبدا الرجعية أو عدم مواكبة العصر، حتى التمسك بأفكار رجعية، فوالد الوطنية المصرية الحديثة أحمد لطفى السيد كان رائد الفكر الليبرالى فى مصر وكان نصيرا للفكر التقدمى المطلع على الحضارات والثقافات العالمية. فالتمسك بهويتنا لا يعنى أبدا عدم رؤية مشاكلها والاعتراف بها أو عدم الاطلاع والتعلم من الثقافات الأخرى.
• • •
كونى فخورة بنفسى لا يعنى أننى لا أرى مجالا للتحسن أو التطور، ولكنه يعنى أننى ذات جذور عميقة وممتدة وأعرف تماما من أنا ومن أين جئت ولست عرضة لمهب الريح يأخذنى حيث يشاء وأنبهر بكل ما هو لامع وجديد. إحساسى بالفخر والولاء لوطنى لا يعنى الجور على الآخرين، ولكن يعنى الإدراك بأهمية بلادى عبر التاريخ والتمسك بإرثى الثقافى والتاريخى والحضارى من تقاليد وطرق حياة تميزنا وتعطينا نكهة أصيلة مميزة غير نكهة الفانيليا الذى يريد المواطن العالمى التطبع بها. شعورى بالوطنية متأصل بالإعجاب بشعب صمد على مر عصور وحروب وثورات وكبوات لا نهاية لها وظل فخورا بهويته وطباعه وعاداته ومناسباته وأكلاته ومتوطنا فى حبى لوشوش تعتليها تجاعيد تكونت على مر الزمن والصعاب، ورقت وتجملت وسط بسمات دافئة وأصيلة تعكس دفء وإرث وطن قديم وعريق ومعقد التركيبة والهوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.