- المبادرات الحكومية لزيادة التدفقات الدولارية لن تحقق مستهدفاتها إلا مع عودة الثقة فى الاقتصاد عبدالخالق: سياسة المبادرات لا تجدى ونحتاج سياسات مالية ونقدية ممنهجة حسن يتوقع إطلاق مبادرات أخرى لتوفير حصيلة دولارية من الخارج بينما طرحت الحكومة العديد من المبادرات لإنعاش التدفقات النقدية من العملة الصعبة على الاقتصاد وزيادة تحويلات المصريين بالخارج، إلا أن العديد من الخبراء يرون صعوبة تحقيق تلك المبادرات مستهدفاتها فى التوقيت الحالى بالرغم مما تتمتع به من عوائد إيجابية على الاستثمار، حيث لا يزال المستثمرون يفقدون الثقة فى الاقتصاد المصرى نتيجة ما يمر به من أزمة نقص العملة الصعبة، مؤكدين أن عودة هذه الثقة المعيار الأول فى تحقيق هذه المستهدفات. وطرحت الحكومة خلال الفترة الماضية العديد من المبادرات من خلال الوزارات المختلفة، كمحاولة لزيادة التدفقات الدولارية خاصة تحويلات العاملين بالخارج، منها مبادرة استيراد السيارات معافاة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة فى البنك المركزى بالدولار تسترد بعد 5 سنوات بالجنيه، وطرح شهادات دولارية بعائد مرتفع، وإطلاق وثيقة معاش «بكرة» للدولار، وفتح الاستثمار العقارى أمام تملك الأجانب دون حدود قصوى. قال محمد عبدالحكيم رئيس قسم البحوث الاقتصادية فى شركة أسطول لتداول الاوراق المالية والوساطة فى السندات، إن التفاعل مع تلك المبادرات يتوقف بشكل أساسى على الثقة فى الاقتصاد خاصة على صعيد إدارة سعر الصرف. وتابع «عبدالحكيم»، أن أيا من المصريين بالخارج قبل أن يفكر فى إحدى المبادرات السابقة، مهما بلغ حجم العوائد على أموالهم التى سيحصلون عليها، سينظر إلى قيمة سعر الصرف وتوقعاته المستقبلية، خاصة بعدما تكبد الكثير منهم خسائر فى الفترة الماضية بعد أن ربطوا مدخراتهم فى شهادات بالجنيه، وحصلوا على عائد مرتفع إلا أنهم وجدوا أنفسهم قد خسروا هذا العائد على إثر الانخفاضات المتكررة فى قيمة الجنيه، وكان الأفضل لهم الإبقاء على مدخراتهم بالدولار. وأضاف أن نجاح تلك المبادرات لن يتحقق بالعوائد المرتفعة التى تمنحها الحكومة من خلالها، ولكن سيكون مرتبطا بشكل أساسى بمدى قدرتها فى الحد من ارتفاع مستويات التضخم، والحفاظ عليه عند مستويات مستقرة، حتى يضمن للأفراد الذين يستثمرون بها عدم تآكل مدخراتهم بسبب ارتفاع التضخم. وشهدت مستويات التضخم فى مصر ارتفاعات غير مسبوقة، حيث قفزت معدلات التضخم لإجمالى الجمهورية خلال شهر يوليو الماضى إلى 38.2%، مدفوعا بزيادة أسعار السلع الأساسية. رفع البنك المركزى فى اجتماع شهر أغسطس الحالى، أسعار الفائدة 100 نقطة أساس كمحاولة للسيطرة على الضغوط التضخمية المتوقعة، حيث بلغت أسعار الفائدة حاليا على شهادات الاستثمار بالبنوك والتى تصل إلى 22% سلبا مقارنة بمستويات التضخم. ويستقر سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بالبنك المركزى عند مستويات 30.95 جنيه منذ نحو 4 شهور بعدما خفضه البنك المركزى ثلاث مرات منذ مارس 2022. قالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية، إن المبادرات التى طرحتها الحكومة تتمتع بعائد غير مسبوق على الاستثمارات خاصة الشهادات الدولارية، ولكن سيظل التفاعل معها ضعيفا بسبب حديث التقارير الاقتصادية عن تخفيض مرتقب فى قيمة الجنيه أمام الدولار. وتابعت الدماطى: «طالما هناك توقعات بانخفاض آخر لقيمة الجنيه لن يتفاعل الأفراد مع تلك المبادرات، حيث يريدون الحصول على أفضل سعر ممكن لمدخراتهم بالعملة الصعبة حتى يتنازلوا عنها»، متوقعة ألا يحرر البنك المركزى سعر الصرف فى التوقيت الحالى إلا قبل امتلاك احتياطات نقدية قوية من العملة الصعبة حتى لا يحدث انهيار فى قيمة الجنيه أمام الدولار. وبحسب آخر البيانات من البنك المركزى الصادرة فى نهاية يوليو الماضى، تراجعت تحويلات المصريين العاملين فى الخارج بنحو 26% لتسجل 17.5 مليار دولار فى الفترة ما بين يوليو ومارس من العام المالى الماضى، مقابل نحو 23.6 مليار دولار فى نفس الفترة من العام المالى 2021 2022. من جانبه يرى محمد حسن، مدير صناديق الاستثمار بشركة «أودن» للاستثمارات المالية، أن هذه المبادرات محاولة من الحكومة لجمع حصيلة دولارية من المصريين بالخارج، لكن ليست كلها إيجابية فبعضها لم يثبت كفاءته كمبادرة السيارات. وكان وزير المالية محمد معيط، قد كشف فى أكتوبر الماضى خلال تصريحات لشبكة «بلومبرج»، أن الحكومة تستهدف جمع 2.5 مليار دولار من مبادرة استيراد المصريين بالخارج السيارات بدون جمارك، ولكن بلغت حصيلة المبادرة حتى مايو الماضى 713 مليون دولار فقط. وأضاف حسن ل«الشروق»: «من المرجح سيكون هناك مبادرات أخرى خلال الفترة المقبلة لتوفير حصيلة دولارية من الخارج، على غرار تأسيس شركة المصريين بالخارج والتى ستساهم بشكل رئيسى فى جذب سيولة دولارية». وتابع: «أعتقد كل هذه محاولات لجذب العملة الأجنبية بشكل أو بآخر، لكن الشهادات هى الأفضل كفكرة بالمقارنة مع باقى المبادرات بسبب عائدها المميز والتى تمكن المواطن من الحصول على قرض بضمان العائد، فضلا عن أنها تحافظ على الاموال الدولارية للمدخرين كما هى». وطرح بنكا الأهلى ومصر شهادات دولارية بعائد 7% لمدة 3 سنوات، يصرف ربع سنويا. ويرى عمرو الألفى مدير بحوث برايم لتداول الاوراق المالية، أن هذه المبادرات حتى لو حققت نجاحات فإنها لن تساهم فى حل أزمة نقص العملة الصعبة بالبلاد، بينما تراهن الحكومة على حلها من خلالها. وتابع الألفى، أن تلك المبادرات تمثل حلولا قصيرة الأجل لأزمة العملة الصعبة وليست على المدى الطويل، مشيرا إلى أن إنعاش التدفقات الدولارية واستمراريتها لن يتحقق إلا بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كذلك يرى جودة عبدالخالق، الخبير الاقتصادى وزير التضامن والتموين الأسبق، أن حل أزمة الدولار يجب أن يكون وفقا لسياسات مالية ونقدية ممنهجة، «ولكن ما يتم من سياسة المبادرات لا يجدى نفعا على الإطلاق» وفق قوله. وتابع: «على سبيل المثال لو قرر أحد المقيمين بالخارج الاستفادة من مبادرة استيراد السيارات فإنه فى النهاية سيضع الأموال التى كان سيرسلها إلى مصر فى المبادرة، وفى النهاية لم نخلق موردا جديدا للدولار، وهذا ما يظهر من خلال تراجع تحويلات المصريين بالخارج».