ضرورة تغيير الصورة النمطية عن الصحراء التى اقترنت بالفناء والموت قناة السويس لها أهمية فى الوعى الجغرافى لمكانتها فى الوصل بين دول العالم هناك أبحاث تثبت أن الإنسان فى الصحارى المصرية يعود ل 120 ألف عام هناك العديد من النظريات الكاشفة التى تقول إن مصر فى الأصل هى «هبة الصحراء» هناك تقصير فى دائرة البحث العلمى عن جغرافيا مصر وأسرارها إبراهيم المعلم: عاطف معتمد شغوف بالسياحة الجغرافية التى يمزج معها الثقافة بالتفاعلات السياسية محاولة لتقريب الجغرافيا للقراء، ومد الجسور بين الجغرافيا والتاريخ والثقافة والفن، عبر مؤلفات تحاول رد الاعتبار للصحراء، غرضها كسر الصور النمطية عن الصحراء فى الإعلام والأفلام، التى تجعلها قرينا للموت والفناء عكس صورة الأرض الطينية، التى يشار لها باعتبارها رمز العطاء، فهى كلها صور تؤدى بالإنسان للابتعاد عن الصحراء. وفى صالون المهندس إبراهيم المعلم الثقافى، الذى يقام فى منزله دارت نقاشات معمقة حول العديد من مناحى الجغرافيا والتاريخ، وسط ترحيب واحتفاء بالإنتاج الفكرى والأكاديمى للدكتور عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة. حضر الصالون مجموعة كبيرة من المثقفين والكُتّاب والأدباء والشخصيات العامة ومنهم: إبراهيم عبدالمجيد ومنصورة عز الدين، وياسر عبدالحافظ، ونورا ناجى والمؤرخ محمد عفيفى، والدكتور أحمد زكريا الشلق، والطبيب والسياسى والباحث الكبير الدكتور محمد أبو الغار، وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازى، الكاتب أحمد سمير وصانع المحتوى أحمد الغندور، «الدحيح» وأميرة أبو المجد العضو المنتدب لدار الشروق، وأحمد بدير مدير دار الشروق، والكاتب الصحفى عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة الشروق. المهندس إبراهيم المعلم افتتح الصالون بالتأكيد على أن هناك قواسم عديدة مشتركة بين الفكر والثقافة مع الجغرافيا والتاريخ، موضحا أن وزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازى، أشاد بالجهد البحثى للدكتور عاطف معتمد، حيث قال: أبو غازى يملك ميزانا من ذهب فى تقييم الأشخاص، وقد مدح معتمد بشكل كبير، خاصة أنه قد حصل على دكتوراه من روسيا بالعام 2001، وأنه شغوف بالسياحة الجغرافية التى يمزج معها الثقافة والتفاعلات السياسية. بعدها تحدث الدكتور عاطف معتمد، قائلا: أحاول تقريب الجغرافيا للقراء؛ حيث أنوى مد جسور بين الجغرافيا والتاريخ والثقافة والفن، فى مؤلفات تحاول رد الاعتبار للصحراء، لكسر الصور النمطية عن الصحراء فى الإعلام والأفلام، التى تجعلها قرينا للموت والفناء، وعلى العكس الأرض الطينية، التى يشار لها باعتبارها رمز العطاء، فهى كلها صور تؤدى بالإنسان للابتعاد عن الصحراء. وتابع: فى السابق كان الخروج عن الوادى والدلتا مغامرة مطلوبة للابتعاد عن الصحارى، ولكن فكرتنا تغيرت عنها منذ عقود، بسبب ما توفر لدينا من معلومات أتاحتها النقلة التكنولوجية التى صححت العديد من المفاهيم، وأن هناك اتجاها حاليا لبذل مزيد من الجهود الأكاديمية والتنفيذية لرد الاعتبار للصحراء والخروج من التصنيفات الكلاسيكية حولها. وواصل بعدها مؤكدا على أن المواطن المصرى ليس أكثر من يعرف أرض مصر، فالأدباء والسائحون يعرفون عن البلاد أكثر من أهلها، وسبب ذلك هو الأمية الجغرافية، لكون حركة المواطن محدودة، فهناك تصنيفات تذهب إلى أن المصريين من أقل شعوب العالم حركة داخل بلادهم، حيث الميلاد ومكان الزواج والوفاة، كلهم فى موقع واحد تقريبا. يضيف د. معتمد أن أكثر من 95% من أرض مصر ليست معمورة، والخرائط هنا تكون مفيدة لتوصيل الفكرة، حيث توصف مصر بأنها دولة تصلح لأن تكون مهدا لتعليم الجغرافيا للنشء والأطفال؛ حيث نهر النيل يشير إلى اتجاه الشمال، وصحراء شرق وغرب هذا النيل. ويكشف معتمد الأستاذ بجامعة القاهرة أن كل ما يتعلق بالجغرافيا الحديثة يعود عمره إلى حوالى 220 سنة، واللافت فى الأمر هو منهج الحملة الفرنسية فقد كان هناك جيش يحارب ومجموعة من العلماء والباحثين تولوا عملية جمع البيانات للحملة لاستثمارها لأطول فترة ممكنة، وهناك زاوية جغرافية أخرى تؤكد أن من قام باستثمار ذلك على أكمل وجه هو السلطان محمد على، لأنه كان يهمه ثنائية «البارود والذهب». وأوضح أن محمد على لم يكتف فى تلك الفترة بالبحث والاستكشاف فى الأراضى والصحارى المصرية، وإنما ذهب للعمق السودانى وشرق وادى النيل، وهو ما يقودنا إلى أن كل ما يطلق على الصحراء الشرقية، كان أصله هو كل ما يقع فى منطقة شرق النيل، وكان فى عهده تتم بالفعل الاكتشافات الجغرافية المبكرة، وهناك كتب تشير إلى ذهاب محمد على إلى سيوة، والدلالة الجغرافية وراء ذلك هو أن هذا المكان كان خارج اهتمام المركزية المصرية المرتبطة بالوادى والدلتا، لافتا إلى أنه بعد ذلك سيتم اكتشاف الصحارى بشكل أكبر حينما يقرر محمد على أن يذهب إلى النيل الأزرق بحثا عن حملة شهيرة لاستحضار الذهب من حوض النيل الأزرق. ويمضى معتمد فى شرح فكرته بقوله: فى عهد محمد على تم اكتشاف الصحارى بشكل أكبر خلال تحركاته فى طريقه بحثا عن الذهب فى دول حوض النيل الأزرق، ولكن الخديوى إسماعيل من بعده حاول خلق جغرافيا مغايرة على الأرض، فأعاد تسمية العديد من أسامى البحيرات، وأعاد تعريب بعضها بدلا من مصطلحات استعمارية، فظهرت الإسماعيلية والإبراهيمية وغيرها. كانت الاكتشافات الجغرافية محدودة، فى عهد سعيد وعباس حلمى، ليظل أكثر من قام بتغيير جغرافيا مصر هو الخديوى إسماعيل، فقد أنشأ خريطة متسعة للغاية تشمل ما يمكن تسميته بحوض النيل، الذى يمتد من أول مصب نهر النيل فى البحر المتوسط وصولا لمنابع النيل فى هضبة البحيرات وأوغندا. وأردف بالقول: كل هذه الخريطة تساقطت كما تتساقط الثمار الجاهزة فى يد الاحتلال الإنجليزى، وتم التعامل مع ممتلكات الدولة المصرية كما لو أنها تخص الاحتلال البريطانى، حيث قام الخديوى إسماعيل بتوسعة حدود مصر خارج محور نهر النيل، والاتجاه إلى ليبيا وتشاد غرب السودان، بأضخم حملة للكشف الجغرافى، حيث استعان بأشهر علماء النبات والحيوان والجيولوجيا وراسمى الخرائط من كل أنحاء العالم. منذ نهاية عهد إسماعيل غابت الكشوفات الجغرافية، هكذا قال الدكتور عاطف معتمد الذى أشار إلى أنه بعدها قام الاحتلال الإنجليزى بمجهود آخر منظم فى الكشوفات الجغرافية؛ حيث قاموا باستبدال الجمال بالعربات والعجلات الصالحة للسير فى الرمال، لتطوير وسائل اكتشاف الصحراء الغربية، وفى تلك الفترة قام عدد من أمراء الأسرة المالكة بالتعاون مع عديد من العلماء لإقامة جسر بين كل ما هو مصرى وعربى وأنه فى تلك الفترة ظهر 4 من الأمراء أصحاب الأدوار المؤثرة، وهم أحمد حسنين باشا الذى يتم اعتباره فى الجغرافيا المصرية «المستكشف الأول»، والأمير كمال الدين حسين، والأمير عمر طوسون، والأمير يوسف كمال، والأخير صاحب أكبر موسوعة مكونة من 14 مجلدا باسم «المجموعة الكمالية فى جغرافية مصر والقارة الأفريقية». ويشير عاطف معتمد، إلى أن الحدود التى رسمها المستعمرون أشعلت حروبا فى البلاد الأفريقية بشكل كبير، وأنه يجب تفهم ذلك بشكل صحيح لكى نفطن أن ذلك كله بفعل الممارسات الاستعمارية. واستكمل: شهدت المراحل التاريخية اللاحقة، نشأة علم باسم «الفن الصخرى»، أى محاولة فهم البيئة القديمة من النقوش الموجودة على الصخور، وتطور ذلك على مدار قرن كامل، بفضل الاكتشافات التى خاضت غمار الصحارى، وأيضا ظهر مع ذلك علم باسم «إعادة تصور المناخ القديم»، فالصحارى فى وقت ما كانت بيئة سافانا وحشائش قبل أن تصل لشكلها الحالى، وأن الصحارى نظام بيئى واحد، فالموجود فى صحراء العوينات هو الموجود فى صحراء مصر الشرقية، فالصحراء معروفة بأنها «نطاق واحد»، علما بأن الرصيد الجوفى فى الصحراء غير قابل للتجدد، لذا فإن أية مشروعات استصلاح زراعى يجب أن تقوم على الرى الحديث وليس استنزاف الرصيد الجوفى. وتابع: هناك تخصص يتعلق بالأسماء فى علم الجغرافيا الثقافية «علم دلالات أسماء الأماكن» وبمعرفة أصل الاسم نعرف معلومات عن المكان وتاريخه، وهو ما يفسر العديد من الأمور والأشياء، ليشير إلى أنه فى العصور التاريخية كان هناك اتصال بين الصحارى المصرية، وأن الرسم المطبوع فوق الرسوم القديمة كان يتم أعلى رسوم الحيوانات السابقة، والجمال هى آخر ما دخل الصحراء المصرية. الحضارة المصرية قامت على استخدام الحمير، والجمال وفدت بعد الغزو الفارسى وتأثيره، وأنه من ضمن المعارف عن الصحراء الشرقية، ما يتعلق ب«مواقد النار» تلك التى كان يتجمع حولها الناس فى الصحارى، وتركت آثارا للمتفحم من النبات والأشجار، وبتحليلها وجد أنها تعود إلى 5 آلاف سنة. أشار معتمد إلى وجود ربط ما بين الفترات التاريخية المتعلقة بالصحارى والحضارة المصرية القديمة، كنا ننسب الأخيرة إلى المصريين حول وادى النيل، ولكن هناك العديد من النظريات الكاشفة للأمر بشكل أكبر، وأن مصر فى الأصل هى «هبة الصحراء»، وهو أمر واقع، لأن هؤلاء الذين سكنوا الصحراء حينما تعرضوا للجفاف، نزلوا إلى وادى النيل، وبالتالى كان هناك حدثان متزامنان، ففى الوقت التى كانت الصحراء عامرة بالأمطار والأنهار، كان نهر النيل فى مرحلة «الشراسة»، ولم يكن مؤهلا للزراعة، وكان مليئا بالحيوانات المتوحشة والشلالات، فكان الإنسان فى حالة عدم احتياج للمياه، وكان ذلك قبل 10 آلاف عام، وإجمالا فإن الصحراء ليست بعيدة أبدا عن النيل بالشكل الذى نتخيله. واستطرد: بدأت ظروف نهر النيل تميل للاستقرار أكثر، من 7 آلاف سنة، تزامن ذلك مع تعرض الصحراء لمرحلة «ما بعد الرطوبة» والكثبان الرميلة والصحراء التى نراها، اضطر سكانها أن ينزلوا للاستفادة من نهر النيل، الذى ساعد بعدها على نشأة أول مراكز الاستقرار الحضارى وظهور الحضارة المصرية المعروفة، وأنه يقال إن قدماء المصريين قاموا باكتشاف الصحراء المصرية سعيا إلى اكتشاف العقل الجمعى للأجداد السابقين عليهم، وتم العثور على 30 محطة كان يسير فيها المصرى القديم لمناطق صحراوية سعى لاكتشافها منذ 4000 عام، وظهرت العديد من الكتب باسم مصر «الأرض الغامضة» نظرا لكثرة تلك المساعى للكشوفات. وأشار إلى أن الواحات الموجودة فى مصر تحتوى على 7 آلاف عين، يعمل بها 3 عيون فقط تُخرج مياها طبيعية، واحدة فى الفرافرة، وأخرى فى الخارجة، وأخرى فى الواحات البحرية، الباقى كله لم يعد يوجد به مياه، وهو أبلغ رد على من يقولون إن الخزان الجوفى متجدد وأنه لا يضره السحب غير المحسوب. وتطرق معتمد إلى ما يسمى ب«درب أبو بلاص» كأحد المواقع الأثرية الشهيرة والمؤثرة فى الصحراء، أو تل الفخار الذى يبعد بنحو مائتى كيلو متر من «الداخلة» وشاهدنا فيه المئات من بقايا الجرار أو «البلاليص» التى أكدت الدراسات الأثرية أنها ترجع للعصر الفرعونى، والتى كانت أشبه ما تكون بخزانات مياه فى الصحراء، فى 30 موقعا للجرار التى كانت تستخدم فى تخزين المياه خلال عصور الجفاف. وأردف بالقول: كل ما نتعامل معه الآن من معلومات هو نتاج عمل البعثات الأجنبية، ويمكننا اعتبار أن هناك تقصيرا فى دائرة البحث العلمى عن جغرافيا مصر وأسرارها، وهناك بعثة فرنسية قامت بأحد أعظم الاكتشافات فى التاريخ، حيث عثرت على «أقدم ميناء فى العالم» من 4200 عام، فى منطقة تقع بين جنوب الزعفرانة، عند دير الأنبا بولا، وقمت بزيارة هذا المكان، والموقع الأثرى مدهش للغاية. وأشار إلى أن قناة السويس فى الوعى الجغرافى قامت بدور الوصل لكل دول العالم، حيث وصلت الشرق بالغرب والجنوب بالشمال. واختتم معتمد حديثه بالقول: الفن الصخرى والجماجم التى عثر عليها فى مصر قد تعود ل 30 ألف سنة وليس 7 آلاف عام فقط كما هو مشاع عن الحضارة المصرية، وبعض الأبحاث أرجعت أن الإنسان فى الصحراء الشرقية يعود إلى 120 ألف سنة، عقب أبحاث تمت على المواد الحجرية فى الصحراء الشرقية. • عاطف معتمد فى سطور حاز على جائزة الدولة التشجيعية عام 2009، وهو حاصل على ماجستير فى الجغرافيا من كلية الآداب، جامعة القاهرة بتقدير ممتاز، عام 1996، وحائز على دكتوراه فى الجغرافيا، من كلية الجغرافيا، جامعة سان بطرسبرج، الروسية، عام 2001، وقد شارك فى التدريس والعمل الأكاديمى والبحثى فى عدة دول عربية، والمستشار الثقافى السابق لمصر فى روسيا 2014/2016. وللدكتور معتمد، مجموعة من المؤلفات، منها الصراع الروسى الشيشانى فى ضوء الرؤية الجغرافية لنزاعات القوقاز، والصراع العربى الإسرائيلى وآفاق إقامة الدولة الفلسطينية، وما بعد الشيوعية.. الدين والثورة والقومية فى زمن التحولات.