في رحاب نقابة الصحفيين نقابة التنوير وحرية الرأي، عُقدت مائدة مستديرة للجنة الثقافية بالنقابة وبالتعاون والتنسيق مع المبادرة العربية "تمكين" لجمعية المرأة والمجتمع تحت عنوان "دور الإعلام في تعزيز التعليم والتعلم لتواصل الأجيال" وبمشاركة متميزة لكوكبة من المفكرين والخبراء، وقد تألق المشاركون في عرض وتحليل الواقع وأبعاده الاجتماعية المتكاملة، التنويرية، الثقافية، الإعلامية، التربوية، التنموية، وتأثيرها على الأبعاد السياسية والاقتصادية، كذلك تم طرح الرؤى والأفكار والمخاطر المستقبلية على جميع المستويات الوطنية والإقليمية والدولية في ظل عوالم متعددة الأبعاد والأهداف والمصالح.. فكان حوارا ثريا وتفاعليا يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتعمق وكثير من الاجتهاد حول صياغة وتشكيل الصورة الجماعية والكلية التي تمثل الخروج من الوضع الراهن، حيث أكدت المناقشات أن الانغماس في قضية بحد ذاتها دون إيجاد ابعادها المترابطة والمتشابكة والمتعددة الاتجاهات والمشارب هو محض اهدار للوقت والجهد والعمل باتجاه هدف التطوير والتغيير. ولا يأتي التغير إلا من خلال تحريك القوى الحيوية والفاعلة والناشطة في المجتمع من مؤسسات وأفراد للمشاركة في تطوير التعليم والتعلم التمكين وصولا للتعلم مدى الحياة وبناء الوعى سبيلا لبناء مجتمعات التعلم و المعرفة وتطوير القدرات والمهارات، مجتمعات منتجة ومستقرة وآمنة من خلال دعم آليات التمكين الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق استدامة لتنمية. إن تحريك القوى الحيوية والمتنوعة تشكل مسارات حيوية لبناء الحركة الشعبية والمجتمعية للتعليم والتعلم لاستدامة التنمية عبر فتح مسارات وقنوات تنموية شاملة ومتنوعة لشراكة حقوقية مجتمعية تنموية فاعلة ليصبح التعليم والتعلم مدى الحياة خيارا هاما وفاعلا لتطوير الإنسان ومجتمعه المحلي ناهضا بوطننا. وللأهمية الكبيرة لهذا الموضوع لابد من التخطيط العلمي الشامل مع جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية؛ من المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والشبابية وجميع المؤسسات الاجتماعية والتقنية لتكريس المواطنة وتواصل الأجيال وأهمية التعرف على آفاق التعليم والتعلم؛ لسد فجوة الاغتراب بين الأجيال والسعي لبناء الوعي ورصد اتجاهات التغيير الاجتماعي لتشكيل حركة تنموية للتعلم والتعليم، وهي جميعا موضوعات هامة وحيوية ولا نستطيع فصلها فصلا تعسفيا، فكثيرا من تلك القضايا الحيوية متشابكة ومترابطة ومتداخلة وتساهم في الرؤية والصورة الكلية للأمور. • تمتلك مرجعيات وأسس لابد من الإمساك بها والسعي لتطبيقها بجدية وإرادة متبلورة في الدستور المصري والذي ينص على أن التعليم هو حق لكل مواطن هدفه بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية وتأصيل المنهج العلمي في التعليم، وتنمية المواهب، وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وفقا لمعايير الجودة العالمية والتعليم إلزامي حتى نهاية مرحلة الثانوية أو ما يعادلها. • وأن تكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدول التعليمية ووفقا للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية لا تقل عن 6%، وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية. وتؤكد الدراسات والتقارير الدولية أن التعليم هو حق إنساني أساسي مستدام يشكل الحاجة الملحة والضرورية ويصنع المستحيل فهو يشكل قوة للمنفعة وللصالح العام لبناء المجتمعات والدول على السواء وهو ليس قطاع سلعي يخضع للعرض والطلب. كما أن التعليم مدخل رئيسي للعدالة الاجتماعية والإنسانية يتم تحققه من خلال سياسات فاعلة ونشطة تؤسس على أن يكون التعليم جيد وشامل ونافذ للجميع من جودة وإتاحة، وأن يركز على الانصاف والشمول والإدماج والحماية، وللأسف يمثل التعليم محور رئيسي للتمييز والتفرقة والتهميش بين أبناء الشعب المصري من حيث الجودة، ونوعية التعليم، وإتاحة فرص العمل والترقي لحياة أفضل، والقدرة على الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي (يوجد 6 أنظمة تعليمية قبل التعلم الجامعي يتاح فيها التعليم الجيد لمن يدفع أكثر). • ومن خلال التحليل للخريطة السكانية للتعليم في مصر نرى 55% من القوى البشرية في مصر تدمج في إطار النظم التعليمية الرسمية وغير الرسمية حيث يمثل أكثر من 30% من تلك القوى داخل نظم التعليم قبل الجامعي والجامعي (ما يقرب ثلث السكان). بينما وتقدر الأمية بنسبة 25% من السكان (وهي نتيجة ضعف النظم التعليمية للتعليم الأساسي من تسرب وعدم الالتحاق) وهي قوى اجتماعية ضخمة ومتنوعة وتكاد تقارب وتوازن نسبة المندرجين بالنظم التعليمية الرسمية؛ ما يحتاج منا إلى مزيد من التحليل وأبعاده التنموية حول قدرتنا على تحقيق تنمية أولية تحقق استدامة للمستقبل. السؤال الهام...؟؟ كيف تتشكل عقول وأفكار واتجاهات أكثر من نصف سكان مصر داخل منظومة التعليم الرسمي وغير الرسمي من معارف ومهارات.. وهل هي مهيأة للقيادة في المستقبل؟ من المؤكد أن التعليم والتعلم مدى الحياة من أولويات خريطة التنمية البشرية وتحقيق الاستدامة ليس فقط لأنها تشكل العقول بالمعارف والمهارات وتطوير الذات وخلق أدوات جيدة للمعايشة مع الآخرين والنفاذ إلى سوق العمل ولكنها أيضا تستهدف تشكيل مستقبل الأمم وتحديد اتجاهاته. تحتاج إلى جهود ضخمة تشكل مشروع قومي ناهض باتجاه عقد اجتماعي تربوي جديد يعتمد على مخرجات جيدة وتنموية للتعليم والتعلم من خلال بناء حركة شعبية مجتمعية تقود التنمية وتحقق استدامة للإنسان ومجتمعه من المعرفة والمهارات لتشكل مجتمعات آمنة منتجة مستقرة. ويتحقق ذلك من خلال عدة محاور منها: 1. إنشاء أكاديمية علمية تربوية وتنموية مستقلة تعني بالرؤية والاستراتيجيات بكل مدخلات العملية التعليمية من وضع المقاييس والمؤشرات والتقييمات وتركز على قياس الأثر للمخرجات التعليمية الرسمية وغير الرسمية من تطوير وتنمية الشخصية المصرية وقدرتها على إحداث حراك اجتماعي وثقافي ومهاري وتقني لبناء الذات ومجتمعات التعلم والمهارات. 2. إنشاء الخرائط الديموجرافية للتعليم والتعلم حيث يمثل الاستدامة التنموية والتخطيط الاجتماعي التشاركي وسياسات الخصائص السكانية مثلث متكامل يساهم في تطوير للتخطيط التربوي وبناء مجتمعات تتمتع بالاستدامة. 3. الالتزام بتحقيق موازنة التعليم وفقا للدستور لا تقل عن 4 % من الناتج القومي الإجمالي ونتيجة لحجم التحديات الضخمة التي تواجه العملية التعليمية وأن ترتفع موازنة التعليم قبل الجامعي إلى 6% من الناتج القومي الإجمالي مع إيجاد مصادر تمويل إضافية يحدد أولويات صرفها شركاء من كافة أصحاب المصلحة. 4. العمل باتجاه بناء حركة شعبية مجتمعية للتعليم والتعلم لتحقيق استدامة التنمية من خلال مسارات وقنوات متنوعة ومتعددة لتمكن المتعلمين والذين يسعوا الى التعلم. 5. تهيئة بيئة تشريعية وسياسية جيدة لبناء جسور ثقة بين جميع أصحاب المصلحة لشراكة تربوية وتنموية واسعة ومتنوعة في القلب منها المجتمع المدني. 6. تعظيم المساءلة والمحاسبة والشفافية والحكم الجيد والرشيد بالعملية التربوية وبمشاركة كافة أصحاب المصلحة. 7. أهمية وضع سياسات فاعلة ونافذة تعالج ثلاثة فجوات أساسية بالنظام التعليمي وهم الفجوة الزمنية للسرعة الهائلة في التطور التقني والفجوة المنهجية التي تعمق التهميش من خلال جودة التعليم وفجوة اهدار التنمية لعدم خلق آليات للتمكين والاستدامة. 8. تجسير الفجوة والاغتراب بين الأجيال ودعم التواصل معهم بالعملية التعليمية الرسمية وغير الرسمية في ظل تداعيات التغير التكنولوجي والتقني الهائل والسريع. 9. صياغة تشريع ومن ثم سياسات تضم الطفولة المبكرة بالتعليم الأساسي لتلافي الفجوة الحالية مع بناء شراكات فاعلة مع مؤسسات المجتمع المدني.