رئيس منطقة الإسماعيلية الأزهرية يفتتح معرض أنا الراقي بأخلاقي بأبوصوير    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    أهمية المشروعات الزراعية    مستشار بالأكاديمية العسكرية: هدف إسرائيل حاليا تصفية وإبادة الشعب الفلسطيني    الأهلي يخطف انتصارًا قاتلًا من ملعب بلدية المحلة في الدوري المصري    ضبط تشكيل عصابي لبيع المواد البترولية للمنقبين عن الذهب بالأقصر    خبيرة الأبراج إيمان خير تتوقع انتقال عادل إمام لمرحلة جديدة    وكيل صحة الشرقية يتفقد مستشفى العزازي للصحة النفسية    اعتدى على طفلة بشبرا الخيمة.. إحالة أوراق طالب إلى فضيلة المفتي    الهلال يضرب الحزم برباعية في الشوط الأول    عاجل.. مظاهرات في مناطق متفرقة من إسرائيل ومطالب بإقالته نتانياهو    اختتام أعمال الاجتماع 37 للجنة وزراء الشباب والرياضة بدول مجلس التعاون الخليجي    تساوت المباريات مع أرسنال.. سيتي ينقض على الصدارة باكتساح فولام    عزة مصطفى تُحذر: "فيه مناطق بمصر كلها لاجئين" (فيديو)    هدى الأتربى تكشف تفاصيل مسلسلها القادم مع حنان مطاوع    بكلمات مؤثرة.. إيمي سمير غانم تواسي يسرا اللوزي في وفاة والدتها    كنيسة يسوع الملك الأسقفية بالرأس السوداء تحتفل بتخرج متدربين حرفيين جدد    لخلافات مالية.. عامل يطلق النار على صديقه في الدقهلية    «جوالة جامعة الزقازيق» تُنظم دورة تدريبية عن الإسعافات الأولية    حصاد 4 آلاف فدان من محصول الكمون في الوادى الجديد    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    إصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة محملة بطيخ بقنا    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    تفاصيل إنشاء 1632 شقة سكن لكل المصريين بالعاشر من رمضان    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    الخميس المقبل.. «اقتصادية النواب» تناقش خطة التنمية الاقتصادية ومنع الممارسات الاحتكارية    طلعت عبد القوى يوضح إجراءات استكمال تشكيل أمناء التحالف الوطنى    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    سانت كاترين تستقبل 1300 سائح من مختلف جنسيات العالم    محافظ كفر الشيخ يعلن بدء التشغيل التجريبي لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد    مواصفات وأسعار سيات إبيزا 2024 بعد انخفاضها 100 ألف جنيه    وزير التموين: مصر قدمت 80 ٪ من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    جيش الاحتلال الإسرائيلى: نحو 300 ألف شخص نزحوا من شرق رفح الفلسطينية    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    العثور على جثة سيدة مجهولة مفصولة الرأس بمحطة الفشن ببني سويف    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    ثنائي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية: التاريخ يذكر البطل.. وجاهزون لإسعاد الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمرٌ تحت الرماد في فرنسا
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 07 - 2023

لفتت انتفاضة الضواحى الفرنسية الأخيرة الأنظار من حيث اتساعها الكبير وتداعياتها الاجتماعية والسياسية على البلاد. انتفاضة لم تزل منذرة رغم توقف أحداث العنف، فكتابات الجدران دلالة على أن جمرا ما زال تحت الرماد. خاصة وأنها تأتى فى سياق سلسلة من انتفاضات على مدى العقدين الماضيين هذه أكبرها وأكثرها عنفا حيال مؤسسات الدولة.
المنتفضون ليسوا من أبناء موجات الهجرة الحديثة إلى أوروبا الغربية من البلدان العربية أو أفريقيا أو آسيا. لا سيما وأن فرنسا كانت من أقل الدول الأوروبية استقبالا لهم، نسبة لعدد سكانها، وبالتحديد مقارنة مع ألمانيا. أغلبية هؤلاء المنتفضين هم من أصول مهاجرة ولكنهم فرنسيون يحملون جنسيتها منذ جيلين أو ثلاثة بعد أن جاء أجدادهم للعمل فى المصانع والمساهمة فى مسيرة البناء التى واكبت سنوات «الثلاثين المجيدة». واللافت أن كثيرا من المهاجرين الجدد إلى فرنسا يحاولون متابعة مسيرة الهجرة مجددا إلى بلدان أخرى، ولا تزال ظاهرة مدينة «كاليه» ماثلة فى الأذهان مع مئات المهاجرين الذين ينتظرون فرصة لعبور بحر المانش نحو بريطانيا.
أجداد المنتفضين اليوم انتظموا فى نقابات وأحزاب يسارية، ورغم البؤس الذى كان يعيشون فيه منعوا متظاهرى مايو 1968 الشباب من احتلال وتخريب المصانع لأنها وسيلة رزقهم. أما منتفضو اليوم فهم فى أغلبهم شباب، بل قُصّر بنسبة ملحوظة، لكن من الواضح فقدان الأمل لديهم خاصة من حيث تقبل المجتمع الفرنسى لهم مع أنهم باتوا يشكلون نسبة ملحوظة من الفرنسيين.
إن توصيفهم بأبناء الضواحى يحتوى كثيرا من الاختزال. إنهم فقط أبناء ضواح فى باريس والمدن الكبرى اليوم حيث غدا العيش فى وسطها صعبا حتى على أبناء الطبقة المتوسطة. أما فى المدن الأخرى التى لم تشهد القفزات و«الخلخلة» العقارية فهم يعيشون فى قلب المدينة وهم جزء من صلبها. وأغلب هذه المدن الصغيرة شهدت أيضا أحداث الشغب.
هكذا تكمن جذور الانتفاضة ضمن إطار المجتمع الفرنسى وبالتفاعل بين جزء من هذا المجتمع والأجزاء الأخرى والأهم من ذلك مع الدولة الفرنسية والطبقة السياسية التى تهيمن على مقدراتها منذ زمن.
• • •
بالتأكيد لدى المجتمع الفرنسى مزايا كبيرة من حيث الدفاع عن الحريات العامة والحقوق. لكنه لأسباب تاريخية لديه صعوبة أكثر من المجتمعات الأوروبية الأخرى فى تقبل تنوع الهويات الجزئية داخله ولاحتواء الهجرات الذى شهدها. مجتمع كورسيكا وحده حافظ على هوية مميزة لأنها جزيرة. وكذلك الجزر الأخرى وراء المحيطات. كما تقبل المجتمع الفرنسى حفاظ مقاطعتى الألزاس واللورين على نوع من الهوية المميزة لواقع نزاع فرنسا التاريخى عليهما مع ألمانيا. ففرنسا لائكية رسميا منذ عام 1905، تفصِل الدين عن الدولة، فى كل مكان... سوى هناك. واندمجت مجتمعات مهاجرى أوائل القرن العشرين، من إيطاليا وبولونيا وإسبانيا وغيرها، ضمن الهوية الفرنسية الجامعة وفقدوا هوياتهم الأصلية. لكن ضمن مجتمعات الهجرة الأحدث فى منتصف القرن العشرين، فقلة الذين اندمجوا لأسباب تتعلق بالدين، وخاصة الإسلام، أو بلون البشرة. واللافت أن ذوى الأصول المغاربية أصبحوا أكثر تمسكا بالهوية الإسلامية من آبائهم وأجدادهم لما يثير تشييد مسجد من إشكاليات ولما أثارته من إشكاليات عامة سياسية واجتماعية قصّة ثلاث فتيات ارتدين غطاء رأس، وليس حجابا حينها، للذهاب إلى المدرسة. قامت القيامة وقتها كما قامت حينما حاول وزير للتعليم إلغاء دعم الدولة المالى للمدارس الخاصة المسيحية.
وفى الواقع، لا تقع المسئولية على المجتمع بل على الدولة والطرق التى تعالج فيها أزمة تكبر وتتراكم مع الزمن. بداية من المناهج المدرسية وطريقة طرح هوية جامعة تتقبل التنوع. فلا معنى اليوم أن يتعلم الأطفال الفرنسيون أنهم جميعهم ينحدرون من قبائل «الغال Gaule». ولم يعد ممكنا للمناهج أن تتغاضى عن قضايا حساسة كما الجزائر، التى لم تكن مستعمرة بل ضمت كجزء من الأراضى الفرنسية، وجرى التمييز فيها بين الوافدين الفرنسيين وبين أبناء الأرض اليهود والمسلمين. وكيف مُنحت المواطنة لهؤلاء دون أولئك؟ بالتالى ما زال هناك إشكالية فى فرنسا كى تكون «السردية» المؤسسة مدرسيا للهوية الجامعة... فعلا وواقعيا سردية مواطنة للجميع.
• • •
من نافلة القول أن العصر الحالى يشهد أفول الأيديولوجيات الاجتماعية وبروز أيديولوجيات الهويات مما يتطلب عملا اجتماعيا أكبر ضمن المجتمعات الأكثر حرمانا وفقرا عبر المراكز الاجتماعية والنشاطات الثقافية وعبر مراكز التدريب على خلق فرص العمل، وحتى فيما يخص المؤسسات الدينية وكيف يتم تأهيل كوادرها. ولطالما تذرع القائمون على الدولة الفرنسية بقلة الإمكانيات المادية وقلة الكفاءات للتعامل مع هذه القضايا رغم تواتر الانفجارات الاجتماعية. وحيث انتهى الأمر بسن قوانين تجرم الأهل فى حال قام المراهقون بأعمال شغب لأنه لا يُمكن محاكمة القاصرين ومعاقبتهم باعتبارهم قاصرين.
ومع تضاؤل الفعل الاجتماعى للدولة لا يجد من تطلق عليهم تسمية أبناء الضواحى أمامهم من الدولة.. سوى الشرطة وقوى الأمن لحفظ النظام. لكن هنا أيضا تم تقليص إمكانيات الشرطة المحلية وتأهيلها، تلك التى يمكن أن تتواجد ضمن المجتمع وتحفظ انتظامه وتعرف أبناءه وخصوصياته. بحيث أضحت العلاقة بين الطرفين استعلائية من طرف يقابلها استفزازية من الطرف الآخر. شرطة توقف الشباب للسؤال عن وثائقهم بناء على لون وجههم وشباب يتفاخرون كيف يغيظونها. هذا إلى درجة أن الأمم المتحدة نوهت إلى التصرفات العنصرية للشرطة الفرنسية مما أثار استنكار السلطات فى هذه البلاد. إلا أن الانتفاضات المتواترة فى فرنسا باتت تشابه أكثر ما تشهده الولايات المتحدة من انتفاضات الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقية.
بالطبع ليست هذه الأمور سهلة ولكن المناخات السياسية العامة تتوجه نحو التطرف «اليمينى» فى مجمل أوروبا وكذلك فى فرنسا. فبعد أن وصل مرشح حزب اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة.. عام 2002، وأحدث ذلك رد فعل واسع بحيث هزم بعد نيله 18% من الأصوات، جاءت انتخابات 2022 مجددا بمرشحة اليمين المتطرّف كى تُهزم هذه المرة لكن 41%. فماذا عن الانتخابات القادمة؟ خاصة بعد نجاح اليمين المتطرف فى إيطاليا وغيرها ومع بداية تقبّل المجتمع الفرنسى لحزب اليمين المتطرف التاريخى؟!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.