"التعليم العالي" تعلن حصاد أداء الأنشطة الرياضية خلال العام المالي 2024 -2025    آخر أيام إجازة عيد الأضحى.. غدا الوزارات والمصالح الحكومية تستأنف العمل    إنجاز دولي لفريق "هندسة القاهرة" في مسابقة "ماراثون شل البيئي" لعام 2025    محافظ الدقهلية: توريد 271 ألف طن قمح بمراكز التوريد والتخزين    مكافأة وترقية استثنائية لمسؤول حماية الأراضي الذي أصيب خلال «حملة إزالة» بسوهاج في العيد    قبل وصولها إلى غزة…قوات الاحتلال تعترض السفينة "مادلين" وتعتقل طاقمها    الجيش الأوكراني: استهدفنا منشأة صناعية عسكرية في مقاطعة قازان الروسية    ياسر إبراهيم يتحدث عن مواجهة ميسي وطموحات الأهلي في مونديال الأندية    مراكز الشباب بالدقهلية تقدم الألعاب الترفيهية وعروض غنائية وسحرية فى رابع أيام العيد    بسبب غش الوقود وعيوب الطرق..مصرع 13 شحصا فى انقلاب ميكروباصين بالدقهلية وجنوب سيناء    خطوة بخطوة.. طريقة الاستعلام عن المخالفات المرورية    مقتل شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقرية البلتاجي بالفيوم    140 حديقة ومتنزه بأسوان يواصلوا استقبال المواطنين خلال عيد الأضحى    «أهل مصر» يكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة «سائق الشجاعة» (تعرف عليها)    10 ملايين جنيه في ثالث أيام العيد.. "المشروع X" يواصل تصدره للإيرادات    بالصور.. العسيلي يتألق بحفل استثنائي لعيد الأضحى    «تاريخ ساحر مليء بالأسرار».. إطلاق الفيديو الترويجي الأول للمتحف الكبير قبل الافتتاح الرسمي    «الصحة»: فحص 3.6 ملايين شاب وفتاة ضمن «فحص المقبلين على الزواج»    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    القاهرة الإخبارية: 27 شهيدا جراء غارات الاحتلال على غزة منذ فجر اليوم    بسبب أزمة الحريديم.. حزب "شاس" يلوح بحل الكنيست    الخارجية الإيرانية بشأن العقوبات الأمريكية الجديدة: الادعاءات المطروحة غير صحيحة    ثالث أيام التشريق.. الحجاج غير المتعجلين يكملون رمي الجمرات في «مني»    أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم 9 يونيو 2025    حزب المؤتمر: استعدادات مكثفة للانتخابات وسنقدم مرشحين يمتلكون الشعبية والكفاءة    تقارير: ميلان يتوصل لاتفاق مع مودريتش    حظك اليوم الأثنين 9 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    مهرجان موازين يوضح موقفه من استخدام صورة وصوت عبد الحليم حافظ بتقنية الهولوغرام    9 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    شاهد لحظة تعثر ترامب أثناء صعوده سلم طائرته الرئاسية.. صور    فرق التأمين الطبي بالإسكندرية تنتشر في أماكن التجمعات خلال عيد الأضحى    بعد عودته من الحج.. أحمد سعد يشعل حفله في الساحل الشمالي (صور)    عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء الحرب: أعيدوهم جميعا واخرجوا من غزة    رئيس وزراء ماليزيا يأمر بفتح تحقيق في حادث سير تسبب فى مصرع وإصابة 43 شخصا    شيرين عبدالوهاب تحل محل ماجدة الرومي في حفل ختام مهرجان موازين    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    تراجع أسعار الذهب مع آمال التوصل لاتفاق تجاري بين أمريكا والصين    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفظ الله الشعب
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 07 - 2023

المشهد الأول: بينما يختتم فلّاح قرية «هرية رزنة» بمحافظة الشرقية صلاة العصر، كانت مجموعة من أطفال القرية وشبابها تجرى فى اتجاه المسجد صارخة: الحق يا عَمّ عرابى ابنك أحمد خطفوه العساكر اللى بيمشوا وراء الراجل أبو عباءة سوداء. وهرع عرابى مع غيره من أهالى الأطفال والشباب المخطوفين ليجدوا الجنود ينطلقون بالأطفال إلى (الدهبية) الراسية على الشاطئ وفى مقدمتها وقف الشيخ المهيب يرقُب تنفيذ الجند لمهمتهم التى أمرهم بها بجمع الأطفال الذين (تبدو على وجوههم النجابة)، على حد قوله، ليقوم أبو عباءة سوداء بعمل كشف الهيئة الدقيق لهؤلاء الأطفال فيتفرس فى الوجوه الباكية ويوجِّه لهم بعض الأسئلة بعد أن يقوم بتهدئتهم ومنحهم الحلوى والماء، أى كشف الهيئة بالمعنى الحديث. وبينما انخرط الأطفال فى البكاء وهم يحاولون الإفلات من قبضة الجند، بدا الصغير أحمد عرابى هادئا ثابت القلب، مما لفت نظر ذى العباءة السوداء. فقرب الطفل الصبوح الوجه مديد القامة إليه وسأله عن اسمه. فرد قائلا: «أحمد عرابى..!» فربت على كتفه وهو يهمس فى سِرّه:
سيكون لك شأن بإذن الله. وفى تلك اللحظة، ظهرت جموع الأهالى وهم يصرخون: «اترك أولادنا يا باشا» فنظر إليهم بوقار: «اتركوهم لى ولن تندموا.. فسوف آخذهم إلى «المدرسة التجهيزية» التى أنشأها الوالى (محمد على) حاكم المحروسة. وسوف نعلِّمهم ونغذيهم ليصبحوا جنودا. وسيعودون إليكم رجالا نفخر بهم جميعا».
وإذ يتراجع الأهل فى يأس، تنطلق السفينة حاملة على متنها الشيخ (رفاعة الطهطاوى) الذى كان يلعب باقتدار دور مكتب التنسيق القديم فى اختيار الموهوبين ليدشِّن بهم نهضة مصر الحديثة.
• • •
المشهد الثانى: اعتاد ملوك وأمراء أوروبا والشرق أن يمنحوا لَقَب (فارس) للمخلصين من جنودهم، عندما يثبتون الولاء ويقْدِمون على التضحية بالنفس من أجل الحاكم. وما أن تتم مراسيم الاحتفال، حتى يضع الملك سيفه على كتف الفارس قائلا بصوت جهورى: «نصبتك ضابطا على رأس الجنود وهنا يهتف الضابط الجديد قائلا: «حفظ الله مليكى الذى سأضرب بسيفه الغوغاء..!» وينطلق مدافعا عن مليكه ظالما أو مظلوما ضد من يسمونهم الغوغاء والدهماء... أو بمعنى أصح، ضد الشعب.
• • •
المشهد الثالث: وبقدر حصافة وذكاء (محمد على) وقوة شخصيته ومهارته فى إدارة مشروع النهضة لمصر الحديثة بقدر ضعف وهشاشة حفيده الخديوى توفيق. فالأول اعتلى الحكم بمساندة الشعب المصرى بزعامة (عمر مكرم) وقد أدرك منذ اللحظة الأولى أن مفتاح القوة الحقيقى هو الشعب المصرى، وليس سواه. فلجأ إلى الشعب المصرى لكى يكون جيشه العظيم الذى فتح أفريقيا وسيطر على الحجاز ومعظم شبه الجزيرة العربية، وهدد الأستانة عاصمة تركيا بعد استيلائه على الشام. وذلك كلّه فى زمن قصير لم يتجاوز السنوات العشر، رغم أنه تسلّم مصر فى أعقاب الحملة الفرنسية عام 1805 التى خلّفت خرابا أُضيف إلى ما فعله المماليك. فلم تكتفِ مصر بالخروج من عصور المماليك والاحتلال الفرنسى وإنما تحوَلت إلى قوة عسكرية ضاربة تخشاها أقوى قوتين فى عصرها، هما إنجلترا وفرنسا، وتحوَلت من ولاية تابعة للخلافة العثمانية إلى دولة مستقلة ناهضة فى ذلك الوقت الوجيز، الذى يجهله الكثيرون ممن يجلسون فى وسائل الإعلام ليرسموا سيناريوهاتهم الخائبة للخروج من الأزمات الحالية.
فإذا عدنا إلى الخديوى (توفيق) الذى جاء إلى الحكم عَقِب تحالف قُوى الغرب لضرب مشروع النهضة المصرية الحديثة، وبمساندة الدول الاستعمارية. وسوف نلاحظ أنه توجّه شأن العملاء من الحكام إلى طلب الرضا من إنجلترا وفرنسا. ولم يكن الرضا ليتحقق إلا بتحقيق مصالح المستعمِر على حساب الوطن والشعب.
وظَنّ (توفيق) أنه وفقا لما قرأه فى كتاب «القراءة الرشيدة» للسياسات الغربية، أن الجيش المصرى سيكون صنيعة الحاكم ورهن إشارته كما يحدث فى غالبية الحالات فى دول أوروبا، وأن الضباط يهتفون عادة فى جميع السيناريوهات السياسية: حفظ الله الملك! المشهد الرابع: صدمة الخديوى. وقد اكتشف (توفيق) متأخرا جدا أن المصريين يفاجئون الدنيا بسيناريو خاص جدا. وذلك عندما هَرْوَل الخديوى توفيق هابطا سلالم القصر يصحبه ولىّ نعمته مندوب أوروبا، ليستطلع الجَلَبة التى أحدثتها قعقعة سلاح الجند الذين قادَهم القائد (أحمد عرابى) إلى قصر عابدين فى مشهد سجَّله التاريخ فى أنصع صفحاته وهو ينطلق على رأس ألف وخمسمائة جندى وخمسين ضابطا يعتلون ظهور الخيل. وعندما فتح الحرس الأبواب مستسلمين للقوة العسكرية القادمة، كانت المفاجأة الدرامية للمشهد العسكرى الرائع، وإذ يستنكر الخديوى مدهوشا ما أقدم عليه الضابط الفلاح، والذى كان أول من ارتدى بزة عسكرية تحمل رتبة «القائم مقام» من المصريين، بعد أن كانت رتبة الضابط قاصرة على الجراكسة والأتراك من العسكريين، لتحقيق حالة من التعالى والطبقية فى الجيش المصرى.
وعندما أعرب الخديوى توفيق عن غضبه العارِم وهو يذكُر الزعيم أحمد عرابى بالقاعدة التقليدية بأن الضباط هُم «عبيد إحسان الملوك» كما اعتاد فى المشهد الأوروبى التقليدى، كما ذكرنا من قبل، إذا به يتلقّى الرد التاريخى الصادم عندما فاجأه الزعيم (أحمد عرابى) بالموقف الاستثنائى للضابط المصرى وهو يهتف قائلا: «لقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا. ولم تلدنا تراثا ولا عقارا.. فوالله الذى لا إله إلا هو لن نورث بعد اليوم»!!
وهكذا، تحققت نبوءة رفاعة الطهطاوى ابن الشعب ومؤسس حركة التنوير المدنية والعسكرية فى مصر الحديثة بصدد (أحمد عرابى) الطفل المخطوف من عمق الريف المصرى إلى أعلى السُلّم العسكرى، والذى هتف فى لحظة سطوع نجمه: «حفظ الله الشعب».
وقد بقى هذا الهتاف منذ لحظة المواجهة بين الخديوى الخائن والزعيم الوطنى باعتباره (البوصلة) التى يتّخذها الجيش المصرى، لتهديه السبيل لنُصرة المحروسة بإذن الله، ولتجعل رجال جيشها خير أجناد الأرض كما أكد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.