في الوقت الذي تعلن فيه الولاياتالمتحدة تحويل بوصلة اهتمامها إلى إدارة المنافسة مع الصين، يرى خبراء أن منطقة المحيط الهادئ تحتاج اهتماما بشكل خاص من جانب واشنطن. ويقول أندرو هاردينج، الباحث في مركز الدراسات الآسيوية التابع لمؤسسة هريتدج، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية إن جزر المحيط الهادئ مهمة استراتيجيا لطموحات الولاياتالمتحدة للحفاظ على التوازن مع الصين. وعلى الرغم من أن قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإلغاء رحلته إلى بابوا غينيا الجديدة كان مؤسفا، تمكنت وزارة الخارجية من توقيع اتفاقيتين مهمتين في دول أخرى في المنطقة. وفي 22 و23 مايو، أعلنت الوزارة عن توقيع "اتفاقات الارتباط الحر" مع جمهورية بالاو ودولة ولايات ميكرونيزيا المتحدة. وسيحكم ذلك علاقات الولاياتالمتحدة مع كلا البلدين لمدة عشرين عاما. ويأمل السفير جوزيف يون، كبير المفاوضين الأمريكيين، في وضع اللمسات الأخيرة على المفاوضات مع جمهورية جزر مارشال. وكانت ميكرونيزيا وبالاو وجزر مارشال عناصر حيوية في استراتيجية الولاياتالمتحدة لهزيمة الإمبراطورية اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية. ولا تزال تلك الدول التي تعرف مجتمعة باسم "الدول المرتبطة بحرية"، حاسمة للدفاع الأمريكي اليوم. وفي حين أن "اتفاقات الارتباط الحر" تقيم علاقات وثيقة بشكل فريد بين الأطراف في عدة جوانب، فإن البنود الرئيسية هي الحقوق العسكرية الحصرية الممنوحة مقابل المساعدة الاقتصادية. ويرى هاردينج أن الاتفاقات تمنح واشنطن "السلطة الكاملة والمسئولية عن مسائل الأمن والدفاع في أو فيما يتعلق ب "الدول المرتبطة بحرية". ويمنح الحق الحصري في تشغيل القوات والقواعد المسلحة في جميع أنحاء "الدول المرتبطة بحرية" الولاياتالمتحدة حق "المنع الاستراتيجي" الذي لا يمكن الاستغناء عنه، ما يمنحها القدرة على منع الجيوش الأجنبية من دخول منطقة تلك الدول أو استخدامها كقاعدة للعمليات. وقد ازدادت أهمية حقوق المنع هذه بسبب الحشد العسكري الصيني وتوسيع البصمة في غرب المحيط الهادئ. واقترحت إدارة بايدن تمويل "اتفاق الارتباط الحر" بمبلغ 7.1 مليار دولار للسنوات العشرين المقبلة، أي حوالي 300 مليون دولار سنويا لجميع الدول الثلاثة. وهكذا، مقابل أقل من عشر المساعدات الحالية لأوكرانيا، يمكن للولايات المتحدة أن تضمن احتفاظها بوصول عسكري حصري إلى هذه الجزر الحيوية في المحيط الهادئ لمدة عقدين آخرين على الأقل. ويقول هاردينج إنه بمجرد انتهاء المفاوضات مع جزر مارشال، سيكون الأمر متروكا للكونجرس لتعديل جميع "اتفاقات الارتباط الحر" الثلاثة وتخصيص التمويل. ويمكن القيام بذلك بأسرع ما يمكن من خلال اتباع نموذج القرار المشترك، الذي استخدمه الكونجرس في المرة الأخيرة التي جدد فيها الاتفاقات. وتم تمرير قانون تعديلات اتفاق الارتباط الحر لعام 2003 كقرار مشترك، يأذن ب3.5 مليار دولار لميكرونيزيا وجزر مارشال في أداة تشريعية واحدة. ونظرا للحتمية الاستراتيجية والإجماع الواسع بين المحافظين والليبراليين لدعم "اتفاقات الارتباط الحر"، فإن اتباع نهج مماثل قائم على القرار المشترك من شأنه أن يوفر أفضل فرصة لتجديد الاتفاقات قبل انتهاء سريانها في سبتمبر المقبل. وهناك خيار آخر هو أن يمر مشروع قانون قائم بذاته، أو مشاريع قوانين، من خلال النظام العادي في مجلسي النواب والشيوخ. ويمكن لقيادة الكونجرس أن تكلف مجلسيها بتسريع مشاريع القوانين هذه، على الرغم من عدم وجود ضمان بأنها ستكمل هذه العملية قبل انتهاء صلاحية اتفاقات الارتباط الحر الحالية. والخيار الثالث للتجديد هو إدراج نص تنفيذي في وسيلة أكبر، مثل قانون تفويض الدفاع الوطني السنوي أو تشريع الاعتمادات. وأصبح من المعتاد أن تتضمن هذه الوسائل "التي يجب أن تمر" أولويات مهمة أخرى لا تمر عبر النظام العادي بسبب الخلل الوظيفي في الكونجرس. واعتمادا على الأداة التشريعية، يمكن تمرير أحكام السياسة دون إرفاق أي تمويل، مما يتطلب اعتمادات منفصلة ويؤدي إلى تعقيد العملية. وإذا امتدت العملية إلى ما بعد الموعد النهائي في 30 سبتمبر، فإن بعض"اتفاقات الارتباط الحر" ستحتاج إلى تمويل مؤقت. وعندما انتهى تمويل المساعدة في عام 2009، توصلت الولاياتالمتحدة وبالاو إلى اتفاق ثنائي يحدد مستويات جديدة من المساعدة. وصحيح أن الكونجرس فشل في تفويض وتمويل الصفقة حتى عام 2018. وفي غضون ذلك، قدم الكونجرس تمويلا جزئيا في مشاريع قوانين الاعتمادات المتتالية. وتقوض مثل هذه التدابير المؤقتة مصداقية الولاياتالمتحدة في نظر الشركاء الإقليميين المحتملين. ويقول هاردينج إنه على مدى عقود، أهملت السياسة الخارجية الأمريكية إلى حد كبير جزر المحيط الهادئ. واليوم، أصبحت المخاطر أكبر بكثير. وحذر رئيس ميكرونيزيا السابق ديفيد بانويلو مؤخرا من "المنطقة الرمادية" المتزايدة للصين وتكتيكات الحرب السياسية لإجبار بلاده على قبول الرشاوى الصينية والانحياز بشكل أوثق إلى بكين. وفي العام الماضي، وقعت الصين اتفاقا أمنيا مع جزر سليمان، وهو الأول لها في المنطقة، والذي يسمح بنشر أفراد عسكريين صينيين على الجزر في حالة حدوث اضطرابات مدنية. ويضيف أن الولاياتالمتحدة هي دولة في المحيط الهادئ لها مصالح حيوية وحلفاء رئيسيين في جميع أنحاء المنطقة، يتطلب الدفاع عنهم من أمريكا أن تكون حاضرة عبر المسافات الشاسعة من المحيط الهادئ. ولدى الكونجرس فرصة مرة كل عقدين لتأمين امتياز الوصول إلى ثلاث دول جزرية في المحيط الهادئ بتكلفة معقولة، ما يؤكد من جديد التزام أمريكا بالمنطقة بينما يحرم الصين من فرص توسيع نطاق وصولها إلى "الدول المرتبطة بحرية". ويختم هاردينج بالقول إنه يجب على الكونجرس ألا يدع فرصة إعادة التوازن إلى النظام الإقليمي لمنطقة المحيط الهادئ تفلت من أيدي الولاياتالمتحدة.