بعد أن كان من كبار المنتجين فى مصر الذين قدموا أعمالا كبيرة، لا يجد حسين القلا مكانا الآن فى سوق الإنتاج بين تلك التكتلات التى وضعت المنتج الفرد فى مازق شديد، مما اضطره إلى الانتقال إلى سوريا التى بدأت بالفعل فى استقطاب الكثير من صناع الفن السابع. فى هذا الحوار تحدث القلا عن الأسباب التى أفسدت صناعة السينما فى مصر وأخضعتها لرغبات أشخاص ليس لهم أى علاقة بالسينما. الشروق: قرار الاعتزال والانتقال إلى سوريا، لماذا؟ القلا: لا أريد أن أظهر كشهيد، ولكنى صرت لا أشعر بالانسجام، وكأنى أغرد خارج السرب، فلابد من الخروج والتنحى، فلا هى رغبة ولا هى سن ولا هى إمكانات مادية رغم وجود هذه الأسباب، ولكنى شعرت أن السوق اختلفت تماما عما كانت عليه من عشر سنوات أو يزيد، وأنا أعمل فى السينما منذ 30 عاما وأرى أننا نتعرض لنفس المشكلات ونتعامل معها بنفس الحلول. ولو كنت أصغر سنا وإمكاناتى المادية أفضل كنت «قاوحت» ولكن المشكلات تتضاعف وتصل إلى طريق مسدود. ودائما نفس الاخطاء. ولذلك أرى حلمى فى منطقة أخرى هى سوريا، وأقوم الآن بالبحث عن تمويل لبناء دور عرض فى سوريا، وهذا سيفيد الفيلم المصرى فى المقام الأول. لأنى أحاول أن يحصل المنتجون على أرباحهم من مكانها الطبيعى وهو دور العرض، ولذلك لا أسميه اعتزالا ولكن استكمالا لدورى بشكل آخر أكثر طبيعية، لأنى أحتاج إلى مصدر رزق أعيش منه. الشروق: ولماذا سوريا بالتحديد؟ القلا: لأن بها تسهيلات بالجملة، إعفاءات جمركية على كل المعدات السينمائية، إعفاءات ضريبية 8 سنوات، استيراد الأفلام دون المرور على مؤسسة السينما وتسهيلات أخرى كثيرة. الشروق: كيف يمكن إجمال الأخطاء التى تحدثت عنها فى البداية؟ القلا: الصناعة صارت تضخ فيها أموال من أشخاص بعيدين عن السينما، ولا يوجد تعريف حقيقى للمنتج، وطوال ثلاثين عاما، هذه هى المرة الرابعة التى تحدث فيها مشكلة الموزع الخارجى. واليوم دخلت الفضائيات، وصارت تستثمر أموالا فى السينما، ولكن فى أى لحظة ولأسباب لا أملك الحديث فيها، تتوقف القنوات عن الشراء، فتحدث الأزمة وفجأة تعود وتهبط بالسعر إلى الأرض، وبدلا من جنيه تدفع عشرة قروش، فلماذا يترك صناع السينما السكين مصلطا دائما على رقابهم. الشروق: وكيف تم التعامل فى المرات الأربع؟ القلا: بالتنازلات.. نقدم التنازلات حتى وصلت إلى أن بعنا نيجاتيف 4 آلاف فيلم، وهذه قمة التنازلات وخطأ تاريخى لن يغتفر، التليفزيون المصرى لا يملك الآن إلا حق 300 فيلم فقط وستنتهى خلال فترة قريبة. واندهشت جدا من تصريح لأسامة الشيخ عندما أعلن بكل فخر أنه استطاع شراء الحق فى ألف فيلم مصرى.! اشتروا الأفلام «ببلاش» وباعوها للشيخ بمبالغ ضخمة. تسرب أربعة آلاف فيلم فى غفلة من الجميع من قناة إلى أخرى. الشروق: القنوات تحتاج أفلاما لعرضها حتى تملأ بثها، وانتم تحتاجون قنوات لتشترى أفلامكم، فلماذا يأتى الضغط من ناحيتهم فقط، رغم امتلاككم أدوات الضغط؟ القلا: لأننا لا نعمل معا ولا نعمل بشكل صحيح، وقد حوربت كثيرا أنا وآخرين ممن قلنا هذا الكلام مرارا وتكرارا. وحاولت أن أدخل وسيطا ذات مرة فقال لى أحدهم على جثتى أن تتم المصالحة بين التكتلات الكبيرة. وهم يتحاربون لإسقاط بعضهم بعضا، ودور العرض ليست ثلاجة فى منزل أحدهم، فهى خدمة عامة، فلا يجوز أن أفتح مستشفى وأغلقه فى وجه أحد. الشروق: كيف ترى الحروب بين تلك التكتلات؟ القلا: حروب وصلت إلى ألا يأخذوا أفلاما من بعضهم، ويخطفون الممثلين من بعضهم، ويزايدون على بعض وهذا يذهب بالصناعة فى «داهية». فنحن لا نرى أبعد من انفنا، والتكتلات لا تنظر إلى الأمام بل ينظرون كيف يضربون بعضهم البعض. فهذا يفتتح سينما فى مبنى فيفتح التكتل الآخر سينما بجانبه، وبنوايا سيئة فى كثير من الأحيان. وأنا أقول من يرد أن يكون وحده على الساحة فليكن ولكن دون أن يسحق الآخرين. الشروق: ولماذا لا تتحد مع المنتجين الآخرين؟ القلا: ليس لدى أساليب التكتلات. ثم من المنتجون الآن على الساحة؟!، معظمهم تكتلات كبرى وتحالفات. والآن هم فى أزمة فإنتاجهم توقف، ولكنه فى ذات الوقت يفكر كيف يملأ دور العرض الخاصة به، واتعجب من الحل الذى توصلو إليه، فقد ذهبوا ليطلبوا من رئيس الرقابة رفع عدد النسخ الأجنبية، ليملأوا دور العرض الخاصة بهم!!. ولهذا تجد مصالح المنتج متضاربه، والحل الوحيد لهذه المعضلة هو فصل التكتلات وأن تتكامل ككيانات مستقلة بعيدة عن بعضها، وتنتهى هذه الفوضى تماما من السوق. ورغم أن أصحاب التكتلات هم سبب كل المصائب إلا أنى مشفق عليهم وأتمنى لهم الخروج من ذلك المأزق الذى وضعوا أنفسهم فيه. الشروق: ولكن الدولة تخلت فيما مضى عن دور العرض التى تملكها لتحصل عليها التكتلات؟ القلا: أنا لا أريد للدولة أن تمتلك دورا للعرض، فقد انتهينا من ذلك منذ زمن، انتهينا من عصر التأميم وسيطرة الدولة والقطاع العام على دور العرض، لا يجب على الدولة امتلاك دور عرض، بدل ما تملك تعطينا تسهيلات وأراضى وتخفيضات، حتى نمتلك نحن السينمات. الشروق: وما دور الغرفة فى تلك المشكلة؟ القلا: غرفة صناعة السينما الآن تحل جميع المشكلات وديا، فهى تجمع خاطئ فى تكوينها، لأنها تجمع كيانات متضاربة ومتكاملة فى نفس الوقت، وحتى إذا صدر قرار عن الغرفة يكون غير ملزم فى المحكمة. فهى «سمك لبن تمر هندى»، وأنا لا استوعب الحلول التى توصلوا لها «تخفيض الأجور وزيادة عدد النسخ الأجنبية»! وأتعجب ما هذه الخلطة!؟ مين بيتكلم عن مين، وأتعجب أيضا من قرار تخفيض أجر النجوم، من قال إن تلك هى الأزمة.، أنا أستطيع إنتاج فيلم بمليون جنية ولكن الموزع الخارجى لن يأخذه، وتلك هى الأزمة، ثم أصلا من قام برفع أجر النجم، أليس هم، وهل اجتمعوا قبل رفعها؟ وأنا أقول لك لن يخفض منتج واحد أجر نجمه. ثانيا ليس من حق المنتج تخفيض أجر النجم. السينما لها قوانين، ويجب علينا الالتزام بها كباقى الصناعات، السبب فى أزمة السينما هو أن من يشترى الافلام توقف عن الشراء، وليس الأجور المرتفعة. ولا الأزمة المالية كما يقال. الشروق: ولكن الأزمة موجودة ويشكو الكثيرون منها ؟ القلا: بحسبة بسيطة، كل انتاجنا فى العام بحد اقصى 60 فيلما، تشتريها القنوات بمبلغ لا يتعدى 60 مليون دولار، تقسم على القنوات فتصير كل قناة تدفع حوالى 30 مليون. وقد تكون تلك الارقام مبالغا فيها ولكنى اتكلم عن اقصى رقم. الشروق: لماذا لا يتفهم باقى المنتجين الأمر على هذا النحو؟ القلا: السبب هو الاستسهال، دون توقع العواقب، فاحد المنتجين قال لى بالنص انه يعتمد فى استرداد 70% من امواله على القنوات والموزع الخارجى. وانا اقول إن جمهور السينما فى دور العرض لابد من الاعتماد عليه فى الايرادات، فالحل هو دور العرض، وتكتشف كارثة السينما فى مقارنة بسيطة، فى الخمسينيات كنا عشرين مليونا ولدينا أربعمائة دار عرض درجة اولى، اليوم ثمانين مليونا و400 دار عرض ايضا ! وأضاف: لماذا يتعامل الامريكان فى التوزيع الخارجى «بقلة أدب» وانا اعنى ما اقول، لانهم ليسوا فى حاجة إلى الايرادات الخارجية. الشروق: أحد المسئولين فى التكتلات قال لى لماذا تغضبك التكتلات فأمريكا تسير بهذا النظام؟ القلا: خطا، هذا ليس النظام فى أمريكا، فأمريكا صاحب دور العرض ليس من حقه الانتاج ابدا، وعقود التوزيع الخارجى الأمريكية تشرف عليها الحكومة الأمريكية بقوانين، ولن يحدث هذا لدينا إلا باتحاد منتجين واتحاد للموزعين واتحاد لاصحاب دور العرض.