برلماني: كلمة الرئيس بأسبوع المياه رسالة حاسمة تؤكد تمسك مصر بحقوقها المائية    "الوطنية للانتخابات" تواصل تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب 2025 لليوم الخامس    احتفالا بذكرى نصر أكتوبر.. عروض عسكرية وفنية لطلاب القناة بنين في بورسعيد    الأحد 12 أكتوبر 2025..الدولار يقفز 57 قرشا في أولى تعاملات الأسبوع.. ويعود لمستويات ال48 مرة أخرى    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم 12-10-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    السيسي يحث إكسون موبيل على تكثيف أنشطة الاستكشاف في البحر المتوسط لتعزيز أمن الطاقة الوطني    رسميًا.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 للموظفين في قطاعات الدولة    محافظ أسيوط ورئيس هيئة تنمية الصعيد يتفقدان مجمع الصناعات الصغيرة ببني غالب    الحكومة البريطانية تطلب من الجامعات اتخاذ إجراءات أقوى لحماية الطلاب اليهود    الهلال الأحمر المصري يطلق 400 شاحنة مساعدات لغزة ضمن قافلة "زاد العزة" ال49    مع تصاعد التوترات.. باكستان تغلق نقاط عبور حدودية مع أفغانستان    موعد تواجد ييس توروب في تدريبات الأهلي    موعد مباراة البرتغال القادمة عقب الفوز على أيرلندا والقنوات الناقلة    مواعيد مباريات اليوم الأحد 12-10-2025 في تصفيات أوروبا لكأس العالم والقنوات الناقلة    موعد مباراة كرواتيا ضد جبل طارق والقناة الناقلة    فيديو.. الأرصاد: أجواء مائلة للبرودة ليلا على أغلب الأنحاء.. والصغرى تسجل 17 درجة    السيطرة على حريق شقة سكنية في أوسيم    ضبط 106074 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    رابط مباشر للمكتبة الإلكترونية لوزارة التربية والتعليم لتحميل التقييمات الأسبوعية 2025-2026    تأجيل محاكمة 5 متهمين بقتل «طفل مغاغة» في المنيا لشهر نوفمبر    ضبط دجال بالإسكندرية بتهمة النصب على المواطنين بادعاء العلاج الروحاني    حسين فهمي: بوستر الدورة 46 لمهرجان القاهرة السينمائي يستحضر روح تمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار    سحب رصيد سيد رجب البنكي في أولى حلقات «لينك» (ملخص الحلقة الأولى)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم 12-10-2025 في محافظة قنا    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة فيركو للصحة العامة في ألمانيا    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتابع جاهزية مستشفى شرم الشيخ لقمة السلام    «الصحة» تدعو للمشاركة فى المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية "PHDC'25"    «التضامن» تقر قيد 4 جمعيات في 3 محافظات    نجوم مونديال 90: «منتخب صلاح» قادر على تحقيق إنجاز فى المونديال    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    أسبوع الانتصارات    من يراقب أموال الأحزاب؟    مشروع الفستان الأحمر    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    60 ساعة من الأمطار تغرق المكسيك..مصرع أكثر من 41 شخصا و5 ولايات منكوبة    السيسي: نهر النيل يربط ماضينا بحاضرنا ومستقبل أجيالنا    كلية الإعلام جامعة القاهرة تحصل على تجديد الأيزو في جودة الجهاز الإداري    مستشفى قنا الجامعي ينقذ شاب بعد إصابته بطلق ناري نافذ بالصدر.. اعرف التفاصيل    أبرز لقطات العرض الخاص فيلم "أوسكار - عودة الماموث "    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    الاعتراض وحده لا يكفي.. نبيل فهمي: على الدول العربية أن تبادر وتقدّم البدائل العملية لحماية أمنها القومي    تفاصيل ظهور «رونالدينيو» في كليب عالمي لمحمد رمضان    «زي النهارده».. اغتيال الدكتور رفعت المحجوب 12 أكتوبر 1990    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 12 أكتوبر    سفارة قطر بالقاهرة تعرب عن بالغ حزنها لوفاة ثلاثة من منتسبي الديوان الأميري في حادث    موعد عرض مسلسل المؤسس أورهان الحلقة الأولى على قناة atv التركية.. والقنوات العربية الناقلة وترددها    المؤبد لأب ونجليه.. قتلوا جارهم وروعوا المواطنين بالخصوص    عاجل- «لا تفاصيل حول الجثامين».. حماس ترد على مصير جثتي يحيى السنوار وأخيه وملف الأسرى بين الأمل والتعنت    صحة دمياط: متابعة دورية للحوامل وخدمات متكاملة داخل الوحدات الصحية    مثقل بمشاكل العائلة.. حظ برج الدلو اليوم 12 أكتوبر    18 معلومة عن مي فاروق: الرئيس السيسي كرمها و«تأخير» حرمها من المشاركة بمسلسل شهير وخضعت ل«عملية تكميم»    موعد مباراة منتخب مصر الثاني اليوم ضد البحرين استعدادًا ل كأس العرب    خالد جلال: جون إدوارد ناجح مع الزمالك.. وتقييم فيريرا بعد الدور الأول    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد فوزها بالبوكر| رواية تغريبة القافر.. حكاية وطن يسارع لسنوات ضد الجهل والاحتلال
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 05 - 2023

أعلنت جائزة البوكر العالمية للرواية العربية، عن فوز رواية "تغريبة القافر" للكاتب العماني زهران القاسمى، فى دورتها لعام 2023.
مشاهد وحبكات مميزة تحفل بها رواية تغريبة القافر، الفائزة بجائزة البوكر للكاتب زهران القاسمى، حيث أبدعها كمحاولات فى باطنها تعبر عن عمان، عن الوطن الذى ظل يسارع لسنوات كى ينتصر على الجهل والتجاهل والاحتلال ويعلن عن تواجده وتحققه.
"صرخة رجل يهرول بين الطرقات بفزع أيقظت القرية من سباتها منذرة بأن هناك حدثا جللا ينتظرهم، غرقت مريم بنت غانم فى البئر العميق هربا من الدقات التى أهلكت رأسها، ولكن هل كان هذا الموت المشهود للجميع هو موتها الحقيقى؟ ألم تمت مريم آلاف المرات وهى تواجه ألمها وحيدة؟ ألم تمت وهى تبحث عن حلول وتجرب وصفات غير مجدية؟ ألم تمت وهى تواجه نظرات الاستنكار والاتهام بالجنون تارة ومس الجن تارة أخرى؟ ألم تمت وهى تواجه العجز فى عيون وأفعال أهل القرية أمام مرضها؟ عجز لا يملكون حياله سوى اختلاق الحكايات وتداولها فيما بينهم بالصدق مرة والكذب مرات! ألم تمت والمرض يقضى على شغفها بتطريز الملابس وفرحتها بانتظار طفل طالما كان أمنيتها الوحيدة؟".
بهذه الصرخة يبدأ أول مشاهد رواية تغريبة القافر أحدث أعمال الكاتب زهران القاسمى، الصادرة عن دار مسكيليانى، والتى جاءت ضمن القائمة القصيرة للبوكر العربية لهذا العام.
رحلت مريم وتركت أهل القرية مشدوهين أمام جثمانها، ممزقين ما بين البكاء والعويل الذى يبدو للوهلة الأولى حزن عليها، وفى باطنه ينطوى على مواجهة حقيقية وربما للمرة الأولى لمصير يتربص بهم جميعا مهما اختلفت طرقهم إليه، وما زاد من حزنهم ودهشتهم هو الحياة التى خلفتها وراءها حين صرخت واحدة من النساء اللاتى شاركن فى تجهيزها لمثواها الأخير، بأن الطفل فى أحشاء مريم ما زال حى ينتظر من يخرجه، وللعجب لم يكترث أحد بذلك الأمر، فلم تنتظر المرأة رد وانتزعت سكين شقت به الطريق أمام الطفل للخروج.
هذه المرأة كانت كاذية بنت غانم، السيدة التى شهدت مريم صبية وشابة وزوجة تعانى الألم والمرض، كما كانت كاذية شاهدا على تاريخ القرية وحكاياتها الحقيقية والمختلقة، وبشجاعتها لم تحيى الطفل فقط بل تسببت فى عودة الأمل لواحدة من نساء القرية المكلومين ولزوج مريم الذى ظن أن حياته انتهت برحيلها.
فقدت آسيا أطفالها فلم يعد لها أمل فى الحياة، وما زاد من معاناتها هو رحيل زوجها للعمل فى واحدة من البلدات المجاورة يزرع ويخلق حياة جديدة وللعجب خلف وراءه حياة تموت بالبطىء، حين علمت آسيا بميلاد الطفل هرولت إلى منزل كاذية لتتولى مهمة إرضاعه، فتستعيد بذلك رغبتها فى الحياة مرة أخرى، وبالفعل استمرت حياتها لسنوات تساعد فى تربية الطفل وتحافظ على جذوة الحياة مشتعلة بداخلها حتى أرسل زوجها فى طلبها لتنتشله من الموت المحقق إلى الحياة مرة أخرى! وبين طيات حكايتها إسقاط على الهجرة ورغبة البعض فى الرحيل.
غرق عبدالله بن جميل فى حمى الحزن لأيام طويلة خرج منها إلى منزل الكاذية بنت غانم يشاركها ذكرى مريم فإذا بالطفل الأمل الذى ينتظره فى منزلها، فلم تكن له حياة سوى المشاركة فى شق قنوات المياه والعودة إلى مريم، إلى المنزل كعادة الكثيرين من رجال القرية لا يعرفون من الحياة سوى العمل والمنزل ويجهلون الكثير عن ما تخبئه الحياة لهم بالرغم من وضوحه فى الكثير من الأحيان كمرض مريم الذى انتهى بالرحيل.
فى رعاية كاذية وعبدالله وآسيا نشأ سالم، الطفل الذى خرج من رحم الموت عنوة كما تتفجر المياه من باطن الأرض معلنة عن صخب الحياة الذى يغلى فى باطنها بالرغم من ظاهرها الأصم، ورث سالم من ظروف ميلاده معجزة أكبر تتمثل فى قدرته على تتبع مواقع المياه فى باطن الأرض، ينصت إلى هديرها ويصرخ ماى ماى، فيعلم أن فى هذا المكان حياة، ليس الأمر بأعجوبة أو ملمح من خيال روائى، فأغلب القرى العمانية كانت تعيش على المياه الجوفية لزمن طويل، لكن فى رحلة اكتشاف منابعها الكثير من المعاناة، التى تمثلت فى قرى طمست هويتها ومات أهلها تحت قسوة القحط الناتج عن شح المطر، فحفر القنوات كان يعتمد على مجهودات فردية تتمثل فى ذاكرة الأجداد عن عيون المياه هنا وهناك والتى قد تردم بفعل التعرية وتنسى.
هذه العيون تسمى بالأفلاج التى تشق لاستخراج المياه وتستخدم للزراعة وترتبط ارتباطا وثيقا بحياة المزارعين، وهذه الأفلاج كانت رابطا مشتركا بين كافة القرى العمانية، فقد كانت المتحكم فى موت القرية وإعادة إحيائها.
فى البداية واجه سالم اتهامات بالمس والجنون وإرجاع الأمر إلى حادثة موت الأم، الأمر الذى أجبره منذ نعومة أظافره على البعد عن الناس، حتى كانت حادثة أخرى وهى بحث القرية عن منابع جديدة للمياه، عن أفلاج جديدة، صرخ فيهم سالم بمكان المياه، فلم يصدقوه، لم يسانده سوى والده حتى صرخت المياه من جوف الأرض معلنة عن صدق حدث سالم وميلاد مهنة جديدة واسم سيظل لصيقا به طيلة حياته وهو القافر.
يعرف سالم بقدرته على الإنصات لمنابع المياه فى باطن الأرض، يبحث عنه أهل القرى المجاورة للتنقيب عن المياه، وفى رحلات البحث عن المياه يتجلى تفرد السرد الروائى للأحداث، فمع كل فلج جديد يحفر يكشف الكاتب الحجاب عن حكاية من حكايات أهل القرية الذين التقيناهم فى المشهد الأول من الرواية فتتجمع خيوط الحكاية وتفك شفرة النفس البشرية ونقف على الذاكرة الجمعية التى شكلت القرية التى تعبر فى مجملها عن معاناة وطن بأكمله لفترة زمنية طويلة.
ولكن العامل البشرى لم يكن البطل الوحيد فى هذا العمل وهذه نقطة تميز أخرى للرواية، فالطبيعة بجميع تقلباتها المناخية وملامحها الجغرافية كانت واحدة من الأبطال، كذلك كانت اللغة البكر بأمثالها الشعبية ولكنة أهلها التى ضفرها الكاتب باللغة العربية الفصحى لتعبر عن هوية مجتمعه وتساعد القارئ على الاندماج مع مجتمعها، بالإضافة إلى التفكير الفطرى الذى تجلى فى الموروثات الشعبية من حكايات وعادات وتقاليد شكلت هوية المجتمع بعيدا عن سلطات حاكمة كانت بمعزل عن الناس وهذا ما تجلى واضحا فى تجاهل الكاتب لأى ذكر لسلطة أو حدث تاريخى محدد بالأرقام.
التاريخ هنا هو الناس وحكاياتهم التى تستنتج منها كيف تتكون الخرافات والحقائق جنبا إلى جنب ويتناقها الناس وكأنها اليقين، وبالفعل هى تنطوى على حقيقة؛ حقيقة الخلود على ألسنة الناس وفى طبائعهم لسنوات طويلة، وكان الشاهد على هذه الحقيقة هو سلام الوعرى الرجل الوحيد الذى استطاع أن يخرج مريم من البئر والذى اعتزل القرية واتهاماتها فاتصر عليهم فى النهاية كدلالة واضحة على صمود الحقيقة الإنسانية والفطرة السليمة مهما بلغت قوة الخرافات.
يتنقل القافر من بلدة إلى أخرى وفى واحدة من هذه الرحلات يتزوج من نصرا السيدة التى تؤمن به تمام الإيمان وتتحول إلى ملاذه الوحيد حتى فى رحلة غيابه الأخيرة.
بالوصول إلى هذا الجزء يتجلى الدور النسائى فى الرواية، بل البطولة النسائية التى سيطرت على الكثير من الأحداث منذ اللحظة الأولى، كانت مريم عين تفجرت منها الحكايات، وكأن المرأة هنا رمز للحياة كالمياه تماما بالرغم من أن البطولة الأولى لرجل، للقافر، وفى ذلك إسقاط على الدور التاريخى والإنسانى للمرأة العمانية التى صمدت بالرغم من صعوبات الحياة، بل كانت هى الملاذ الوحيد من قسوتها، وهى وحدها القادرة على التحايل على صعوباتها وتجميلها والحفاظ على الهوية المتمثلة فى العادات والتقاليد، والتاريخ المتمثل فى الحكايات وقدرتها على الانتظار والانتصار على غياب الرجال بالرحيل عن عائلاتهم باحثين عن الرزق فى قرى وبلدان أخرى واغترابهم فى قراهم تحت وطأة العمل عن جهل.
كما أن هناك بطولة أخرى لعنصر الضعف والاتهامات المتبادلة والهرب من الحقيقة والخوف من المواجهة والاحتماء بالخرافة، وهذا الأمر يبدو مع تسارع وتيرة الأحداث نتيجة حتمية وأمر بديهى لشعوب لا تحصل على أى حقوق مادية أو معنوية وتعيش فريسة للجهل وتجاهل الحكومات.
تستمر سفرات القافر فيشهد على الخراب ثم الإعمار وتتفجر الحكايات التى يقف من خلالها الكاتب على تاريخ العديد من القرى والمدن العمانية، كيف استطاع الناس إحياءها من العدم وعن ضريبة الموت التى لابد أن تدفع فى رحلة استخراج المياه، هذا الثمن لم يرحم أحد حتى القافر دفعه برحيل والده الذى أجبره على الانقطاع عن عمله لسنوات حتى كان النداء الأخير، حين استنجدت به قرية مجاورة، وفى رحلة البحث عن المياه يفقد القافر فى عين من عيون المياه يقضى أعواما أم شهورا يحاول الخروج، بمحاولات رصدها الكاتب فى فصل كامل.
محاولات فى باطنها تعبر عن عمان، عن الوطن الذى ظل يسارع لسنوات كى ينتصر على الجهل والتجاهل والاحتلال ويعلن عن تواجده وتحققه، وهنا تكمن إجابة سؤال يراوغ القراء بنهاية الأحداث، هل عاد القافر؟ كيف عاد؟ متى؟ لتكمن الإجابة فى الواقع العمانى الآن، وفى الحكاية التى بين أيدينا، فى تغريبة القافر التى عاشت حتى كتبت وقرأت وستظل تقرأ إلى الأبد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.