فيلم عن الحرب في أفغانستان، هذا ما يوحي به بوستر فيلم the covenant "العهد"، ما يجعله يقع في تحدي كبير عن "من اليوم من الجمهور لديه رغبة لمشاهدة فيلم عن أفغانستان وعلاقة الجنود التابعين للجيش الأمريكي بالمواطنين الأفغان"، وعلى الرغم من ذلك فإن الفيلم حقق حتى الآن تقييمات مرتفعة من المشاهدين، حيث حاز على 8/10 على موقع imdb وتقييم 83% على موقع روتين توميتوز، وهذا التحدي الذي يخوض به المخرج جاي ريتشي أحدث أفلامه لعام 2023. الفيلم من بطولة الممثل الأمريكي جيك جلينهايل، والعراقي الدنماركي دار سالم، وتدور أحداثه حول الرقيب جون الذي يقوم بجولته الأخيرة في أفغانستان لخدمة الجيش، وأثناء ذلك يتعرف على المترجم الفوري أحمد، الذي يعمل لتوفير المال والحصول على تأشيرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي إحدى المهمات لمهاجمة مقر لصناعة المتفجرات لحركة طالبان، يصاب جون بإصابة خطيرة ويتلقى المساعدة من أحمد الذي يواجه كل الصعاب لكي يصل إلى القاعدة الأمريكية وينقذ حياة جون. - لماذا تشاهد فيلم عن الحرب في أفغانستان؟ يمكن ربط بعض الصفات المشتركة في الأفلام التي تنقل صورة عن أفغانستان على رئسها دعم تضحيات الجنود الأمريكيين في سبيل القضاء على طالبان، وكأنها تقوم بدور المخلص للمجتمع الأفغاني، ولكن هل فيلم العهد يركز على هذا الجانب فقط؟ ذلك ما حاول ريتشي الابتعاد عنه في سيناريو فيلمه، بل منح أحمد -دار سالم- كل أدوات الفيلم السينمائي ليعبر عن حلم مواطن أفغاني يحاول تأمين حياة ابنه القادم إلى الحياة بعد مقتل طفله الأول على يد طالبان. وما يجعل الفيلم ليس مجرد مشاهد من القتال العشوائي بين الجنود الأمريكيين وأفراد حركة طالبان، هي القصة الانسانية المؤثرة والمبنية على حبكة درامية جيدة "بداية ثم تصاعد ثم عقدة ثم نهاية" والتي جعلت الفيلم وكأنه 4 أجزاء متصلة منفصلة. ويقول أوين جليبرمان، ناقد سينمائي أمريكي، في مقال له بمجلة "فرايتي": " العهد دراما متقنة الصنع، يصور ريتشي مشاهد المعركة من قعقعة المدافع الرشاشة ونوع من الصياغة الحدثية البارعة التي تضع الجمهور في خضم الأحداث، دون صناعة تقليدية لبطل خارق يستطيع فعل كل شيء، والعهد مثل أي فيلم حرب جيد يظل وفيا للعشوائية المخيفة للقتال، ومع ذلك فإن الجانب الأكثر إثارة للدهشة في الفيلم، في ضوء مسيرة ريتشي المهنية، هو الإنسانية العميقة التي تحيي القصة، إنه فيلم حرب مليء بالبطولة ولكنه غارق في اليأس". بالإضافة إلى القصة إن التمثيل في الفيلم كان أحد أركان الاستحسان التي تحدث عنها الجمهور على منصات تقييمات الأفلام أو النقاد، فقد استطاع كل من جلينهال وسالم أن يقدما أداءً متميزاً خاصة في وجود كثير من المشاهد التي تحتوي على حوار، فقط لغة الجسد والوجه هي من تنقل لنا كمشاهدين ما يجري داخل البطل من صراع أو حزن أو خوف أو يأس وغيرها من المشاعر المتتالية في الفيلم. وبلغ أداء جلينهال ذروته في الجزء الذي يطارده فيه طيف سالم بعد عودته إلى الولاياتالمتحدة، وفشل توفير تأشيرة له، وخطر الموت الذي يواجه المواطن الأفغاني بعد أن ذاع صيت قصة انقاذه لضابط أمريكي، ويعبر جلينهال في هذه المرحلة عن اليأس والشعور بالذنب تجاه سالم في كادرات متتالية بالتدريج "عصبية ثم انفعال ثم انهيار عصبي ثم استسلام للخمر مستلقياً على الأرض". أما سالم فهو يجسد شخصية لا تتحدث كثيراً ولكنها تعبر بالعين أكثر من ذلك، في مشهد التعارف بينه وبين الضابط -جون- يرد بإجابات مقتضبة وينظر باحتقار لجون ليعبر عن كرهه لعمله، ولكن مضطر لكي يجمع أموال التأشيرة، وهذه النظرة تتحول تماماً مع الوقت من خلال التصاعد الدرامي الذي يبني جسراً من التفاهم بين جون وأحمد حتى يصلا إلى نقطة التقاء تتشابك فيها مصائرهم، وفي مشهد النهاية عندما يحاصرا من طالبان لا يتحدث ولكن تمتلئ عيونه بالدموع المتحجرة وترتعش يده فقط. ويقول جليبرمان عن أداء دار سالم: "هذا الممثل الدنماركي العراقي المولد الذي يلعب دور أحمد يقدم أداءً رائعًا، إنه أحد هؤلاء الممثلين الذين يمكنهم توصيل عالم من الملاحظة بنظرة أو نصف ابتسامة، وهذا هو مصدر قوة أحمد الكاريزمية، ذكي لدرجة أنه تبين أنه جندي بالغريزة إن مشاهدته وهو يتفوق على طالبان أمر متوتر وممتع للغاية، وقد حصل هو وجيلينهال على علاقة رائعة بطيئة التشابك". يعطي السيناريو الذي كتبه ريتشي وإيفان أتكينسون ومارن ديفيز إيحاء أن البطل الأساسي للفيلم هو جون، من خلال نظرة كاميرا المصور السينمائي إد وايلد المتصلة بكينلي أحياناً كثيرة، إلا أنها في الحقيقة مفتونة بشخص أحمد، من خلال الكشف عن سماته الفريدة، من معرفة تجارة المخدرات المحلية إلى القدرة على معرفة الأشخاص المخادعين. وترسم شخصية أحمد لتعبر عن رجل ذكي على دراية وثيقة بالأحداث من حوله في بلده أفغانستان، هو لا يخشى التحدث أو الخروج عن النص أثناء عمله مثل التفاوض مع مخبر أو تصحيح أخطاء جون، شخصية أحمد مرتبطة تمامًا بحركات الكاميرا التي تظهر قوته العقلية والبدنية، بل وتنعكس شخصيته من خلال نظرة الآخرين وآراءهم فيه "كيف ينظر إليه هؤلاء الجنود على أنه تهديد، وفي كثير من الأحيان لا يعترفون بوجوده على الرغم من وجوده لمساعدتهم". - العهد.. التعبير عن الشعور بالولاء يرى جليبرمان أن الفيلم قد يظنه البعض شبيهاً بأعمال أخرى تعرضت لهذه القضية، لكن الفيلم غارق في شراسة الولاء الذي هو إنساني، ويقدم نفسه كفيلم إنقاذ مثير "إنه مثير للضمير وحقيقي"، وما يعطي الفيلم قوته في رأي جليبرمان هو الطريقة التي يصل بها الفيلم إلى نهايته، من خلال استعارة عضوية للرؤية الخاطئة للوجود الأمريكي في أفغانستان، "لقد جئنا بأفضل النوايا لكننا وقعنا في المستنقع بحيث لم نتمكن من الوفاء بوعدنا للشعب الأفغاني، ولذلك تقطعت بهم السبل، وفي العهد يروي جاي ريتشي قصة رجلين لكنه يثير في الحقيقة مضمون القضية" هذه الحرب التي لم تنجح أبدًا في الوصول إلى الخاتمة الملائمة". ويعد تحليل جليبرمان في صميم ما يريد ريتشي توصيله إلى المشاهدين، خاصة عندما يحرص على سرد ما حدث بعد مغادرة الجنود الأمريكيين لأفغانستان في أغسطس 2021، وما حدث من بشاعات وقتل وتشريد للمترجمين الفوريين الذين عملوا مع الجيش الأمريكي الذي يجسد أحمد جزء من حياتهم. ذلك ما تحدث عنه أيضاً بيلج إيبيري، ناقد سينمائي، في مقال لمجلة فيوتشر: "الجزء الأكثر تأثيراً في دراما جاي ريتشي العهد، هو المعلومات التي يُشار لها في نهاية الفيلم، والتي تعرض لقطات من الجنود الأمريكيين الواقعيين والمترجميهم الفوريين، كما يذكرنا الفيلم أنه قُتل أكثر من 300 مترجم أفغاني وعائلاتهم على يد طالبان، واختبأ آلاف آخرون على الرغم من التأكيدات الأولية بأنهم سيحصلون على تأشيرات هجرة خاصة إلى الولاياتالمتحدة، ما يضفي على العهد مظهراً للحقيقة، على الرغم من أن الفيلم لا يقوم على قصة حقيقية، لكنه نجح في أن يكون موضوعيًا ومثيرًا للتساؤلات واليقين عما حدث". لكن رغم ذلك انتقد إيبيري نهاية الفيلم ورأى أنها تقليدية وتشبه مسرحية هزلية، حيث قال: "المشاهد الأخيرة مخيبة للآمال لدرجة أنك قد تبدأ في التساؤل عن نوع الفيلم الذي أراد ريتشي حقًا صنعه، هل كانت دراما البقاء الحساسة والمؤرقة وذات التمثيل الجيد التي تمكنت أن تحافظ على هذا الخط أغلب الأحداث، أم أنها لعبة إطلاق النار؟". وتشيير تقارير فنية إلى أن العهد ليس الفيلم الوحيد الذي سوف يتطرق إلى علاقة الجنود الأمريكيين بمعاونيهم الأفغان، هناك فيلم آخر سيفتتح في 26 مايو بعنوان "قندهار"، وهو من بطولة جيرارد بتلر، وإخراج ريك رومان، وتدور أحداثه حول عميل وكالة المخابرات المركزية وهو محاصر في جزء خطير من أفغانستان مع مترجمه، ويظهر في المقطع الدعائي بتلر وهو يقول "لا أحد يأتي لينقذنا"، وهي إشارة لكليهما لمحاربة الأعداء وإنقاذ بعضهما البعض، بحسب "بي بي سي".