ضم التاريخ الإسلامي العديد من الأئمة والفقهاء الذين أثروا العالم بعلمهم ومؤلفاتهم، وتتلمذ على يديهم الكثير، واستفاد الناس من فتواهم في شئونهم الحياتية. وتعرض "الشروق" في شهر رمضان الكريم، حلقاتها اليومية من سلسلة "أشهر الأئمة في التاريخ الإسلامي"؛ لتأخذكم معها في رحلة نتعرف فيها على بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية التي سطرت اسمها بحروف من نور. وفي هذه الحلقة نرصد محطات من حياة شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزي، من كتاب "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام" للإمام الذهبي. مولده ونشأته ولد الإمام ابن الجوزي، في بغداد سنة 510ه، وحظي بشهرة واسعة، ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف، وبرز في كثير من العلوم والفنون، ويعود نسبه إلى محمد بن أبي بكر الصديق. وعرف ب"ابن الجوزي" لشجرة جوز كانت في داره ببلدة واسط في العراق، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى "فرضة الجوز" وهي مرفأ نهر البصرة. وكان أهله تجارا في النحاس، وتوفي والده وهو ابن ال3 سنوات، وعلى الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعدته ثروة أبيه الموسر في توجهه لطلب العلم وتفرغه له. طلب العلم وعاش "ابن الجوزي" منذ طفولته ورعا زاهدا، لا يحب مخالطة الناس خوفا من ضياع الوقت، ووقوع الهفوات، فصان بذلك نفسه وروحه ووقته، وقال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له: "وكان -وهو صبي- دينا منجمعا على نفسه لا يخالط أحدا، ولا يأكل ما فيه شبهة، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان". وكان له دورا كبيرا ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية، إذ بنى مدرسة بدرب دينار، وأسس فيها مكتبة كبيرة، ووقف عليها كتبه، وكان يدرس بمدارس ببغداد، وقال عنه ابن خلكان، إنه كان علامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ. محن في حياة الإمام وفي عهد الخليفة الناصر، عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة، بعد أن سحب المنصب من عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه؛ بسبب اتهامه بالزندقة وعبادة النجوم، وخلف ابن القصاب منصب ابن يونس الحنبلي، فلاحق كل من له صلة به، فكان مصير ابن الجوزي النفي، ثم أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وبقي في المطمورة 5 سنين. علمه ومؤلفاته تميز "ابن الجوزي" بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته التي بلغت نحو ثلاثمائة مصنف، شملت الكثير من العلوم والفنون، فهو أحد العلماء المكثرين في التصنيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة والطب والفقه والمواعظ وغيرها من العلوم، ومن أشهر تلك المصنفات: - زاد المسير في علم التفسير.. "أربعة أجزاء" - نواسخ القرآن. - دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه. وله في الحديث تصانيف كثيرة، منها: - تلبيس إبليس. - التذكرة في الوعظ. - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. - تاريخ بيت المقدس. ضريح ابن الجوزي توفي ابن الجوزي، ببغداد سنة 597ه، ودفن في منطقة باب حرب، إلا أن موسى باشا خشي عليه من الضياع، فنقله إلى موقعه في سوق السنك خلال عهد السلطان إبراهيم باشا، والقبر ما زال موجودا الآن في أرض فارغة تابعة للوقف، وبني وشُيّد عليهِ صف من الطابوق، ووضع حوله سياج من حديد؛ لمنع العبث بهِ. اقرأ أيضا: أئمة الإسلام (12).. الإمام الليث بن سعد.. محطات من حياة فقيه وإمام أهل مصر في زمانه