لا يعد اليتيم عالة علي المجتمع إلا إذا تم إهماله وتناسي حقوقه التي أوجبها الشرع علي بقية أفراد المجتمع ولهذا يذكر التاريخ أن هناك نوابغ من الأيتام غيروا وجه الإنسانية وتفوقوا علي غيرهم ويأتي في مقدمتهم الرسول صلي الله عليه وسلم. ذاق الرسول صلي الله عليه وسلم اليتم بنوعيه مرتين فقد مات أبوه قبل أن يراه فهو اليتيم قبل أن يولد وهذه أشد حالات اليتم قسوة وألماً .. وقد فجر ربه في قلب جده عبد المطلب ينابيع من الرحمة فوق الينابيع الإنسانية التي يحسها كل جد تجاه حفيده الذي مات أبوه دون أن يراه .. ثم ماتت أمه وهو ابن ست سنوات .. فصار يتيم الأبوين .. ثم مات جده .. فكفله عمه أبوطالب وهكذا انتقل النبي من يتم إلي يتم إلي يتم ..ربما كان من أشد الناس تجرعاً لمذاق اليتم ومع هذا اصطفاه الله وجعله رسولا نبيا يخرج البشرية من الظلمات الي النور. الإمام سفيان الثوري : هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري .. توفي والده وهو دون التاسعة من عمره واعتنت به والدته خير اعتناء فوجهته لدراسة الحديث في المسجد ويروي أن والدته وكانت تغزل بمغزلها ذات يوم وباعت ما غزلته بعشرة دراهم ثم دعت إليها ابنها سفيان وقالت : ¢ يا سفيان هذه عشرة دراهم اذهب أطلب بها الحديث في المسجد ثم انظر يا بني إن وجدت أثرا لما تعلمته علي عقلك وقلبك وعملك فتعال أعطك عشرة دراهم أخري حتي تطلب بها العلم وان لم تجد أثرا لذلك فاترك العلم يا بني فإنه يأبي أن يكون إلا لمخلص¢. كان الثوري - رحمه الله تعالي- شديد الزهد لا يقبل شيئا من أحد معتمدا علي كسب يده فكان إذا احتاج إلي المال ينقض جذوع بيته ويبيعه فإذا حصل عل المال أعاد بناء السقف كل ذلك مخافة أن يسأل أحدا. الإمام الشافعي: نشأ يتيمًا في حجر أمّه في قلّة من العيش. وضيق حال. وكان في صباه يجالس العلماء. ويكتب ما يفيده في علوم الفقه والأحاديث النبوية ونحوها.حتي ملأ منها خبايا. وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب. ثم اتّجه نحو تعلّم الفقه فقصد مجالسة الزنجي مسلم بن خالد الذي كان مفتي مكة ثم رحل الشافعي من مكّة إلي المدينة قاصدًا الأخذ عن أبي عبد الله مالك بن أنس رحمه الله. ولمّا قدم عليه قرأ عليه الموطّأ حفظًا. فأعجبته قراءته ولازمه. وكان للشافعيّ رحمه الله حين أتي مالكًا ثلاث عشرة سنة ثم نزل باليمن واشتهر من حسن سيرته. وحمله الناس علي السنة. والطرائق الجميلة أشياء كثيرة معروفة ثم ترك ذلك وأخذ في الاشتغال بالعلوم.ورحل إلي العراق وناظر محمد بن الحسن وغيرَه»ونشر علم الحديث ومذهب أهله. ونصر السنة وشاع ذكره وفضله وطلب منه عبد الرحمن بن مهدي إمام أهل الحديث في عصره أن يصنّف كتابًا في أصول الفقه فصنّف كتاب الرسالة. وهو أول كتاب صنف في أصول الفقه. أحمد بن حنبل : وُلد أحمد بن حنبل سنة 164ه في بغداد ونشأ فيها يتيماً. وقد كانت بغداد في ذلك العصر حاضرة العالم الإسلامي. تزخر بأنواع المعارف والفنون المختلفة. وكانت أسرة أحمد بن حنبل توجهه إلي طلب العلم. وفي سنة 179ه بدأ ابن حنبل يتَّجه إلي الحديث النبوي. فبدأ يطلبه في بغداد عند شيخه هُشَيم بن بشير الواسطي حتي توفي سنة 183ه. فظل في بغداد يطلب الحديث حتي سنة 186ه. ثم بدأ برحلاته في طلب الحديث. فرحل إلي العراق والحجاز وتهامة واليمن. وأخذ عن كثير من العلماء والمحدثين. وعندما بلغ أربعين عاماً في سنة 204ه جلس للتحديث والإفتاء في بغداد. وكان الناس يجتمعون علي درسه حتي يبلغ عددهم قرابة خمسة آلاف. الإمام البخاري: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري "13 شوال 194 ه - 1 شوال 256 ه" / "20 يوليو 810 م - 1 سبتمبر 870 م". أحد كبار الحفّاظ الفقهاء من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل عند أهل السنة والجماعة. له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح. المشهور باسم صحيح البخاري. الذي يعتبر أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وقد أمضي في جمعه وتصنيفه ستة عشر عاماً. نشأ البخاري يتيماً وطلب العلم منذ صغره ورحل في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء العلماء وطلب الحديث وسمع من قرابة ألف شيخ. وجمع حوالي ستمائة ألف حديث. اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه. حتّي لقّب بأمير المؤمنين في الحديث. وتتلمذ عليه كثير من كبار أئمة الحديث. أبو الفرج بن الجوزي: هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري. فقيه حنبلي محدث ومؤرخ ومتكلم "510ه/1116م - 12 رمضان 597 ه" ولد وتوفي في بغداد. حظي بشهرة واسعة. ومكانة كبيرة في الخطابة والوعظ والتصنيف. كما برز في كثير من العلوم والفنون. يعود نسبه إلي محمد بن أبي بكر الصديق. توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين. علي الرغم من فراق والده في طفولته فقد ساعده في توجهه إلي طلب العلم وتفرغه لذلك ثروة أبيه الموسر. فقد ترك له من الأموال الشيء الكثير. بين أنه نشأ في النعيم. عاش ابن الجوزي منذ طفولته ورعاً زاهداً. لا يحب مخالطة الناس خوفاً من ضياع الوقت. ووقوع الهفوات. فصان بذلك نفسه وروحه ووقته. فقال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له ¢وكان -وهو صبي- ديناً منجمعاً علي نفسه لا يخالط أحداً ولا يأكل ما فيه شبهة. ولا يخرج من بيته إلا للجمعة. وكان لا يلعب مع الصبيان¢. كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية. وقد بني مدرسة بدرب دينار وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه وكان يدرس أيضا بعدة مدارس. ببغداد في عهد الخليفة الناصر عينه ابن يونس الحنبلي في ولايته منصب الوزارة بعد أن سحب المنصب من عبد السلام بن عبد الوهّاب بن عبد القادر الجيلي الذي أحرقت كتبه بسبب إتهامه بالزندقة وعبادة النجوم. تميز ابن الجوزي بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته التي بلغت نحو ثلاثمائة مصنف شملت الكثير من العلوم والفنون. فهو أحد العلماء المكثرين في التصنيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة والطب والفقه والمواعظ وغيرها من العلوم. ومن أشهر تلك المصنفات:زاد المسير في علم التفسير أربعة أجزاء ونواسخ القرآن وكتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه. حجة الاسلام أبي حامد الغزالي : هو أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي الأشعري. أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري. "450 ه - 505 ه / 1058م - 1111م". كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً. وكان صوفيّ الطريقةِ. شافعيّ الفقهِ إذ لم يكن للشافعية في آخر عصره مثلَه . وكان سنّيّ المذهب علي طريقة الأشاعرة في العقيدة. وقد عُرف كأحد مؤسسي المدرسة الأشعرية السنّيّة في علم الكلام. وأحد أصولها الثلاثة بعد أبي الحسن الأشعري. "وكانوا الباقلاني والجويني والغزّالي". لُقّب الغزالي بألقاب كثيرة في حياته. أشهرها لقب ¢حجّة الإسلام¢. وله أيضاً ألقاب مثل: زين الدين. ومحجّة الدين. والعالم الأوحد. ومفتي الأمّة. وبركة الأنام. وإمام أئمة الدين. وشرف الأئمة. كان له أثرى كبيرى وبصمةى واضحةى في عدّة علوم مثل الفلسفة. والفقه الشافعي. وعلم الكلام. والتصوف. والمنطق. وترك عدداً من الكتب في تلك المجالات. كان ابوه كثيراً يدعو الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيهاً. فكان ابنه أبو حامد. وكان ابنه أحمد واعظاً مؤثراً في الناس. ولما قربت وفاة أبيهما وهما صغار. وصّي بهما إلي صديق له متصوّف. وقال له: "إِن لي لتأسفاً عظيماً علي تعلم الخط وأشتهي استدارك ما فاتني في وَلَديّ هذَيْن فعلّمهما ولا عليك أن تنفذ في ذلك جميع ما أخلّفه لهما". فلما مات أقبل الصوفيّ علي تعليمهما حتي نفد ما خلّفهما لهما أبوهما من الأموال. ولم يستطع الصوفيّ الإنفاق عليهما عند ذلك قال لهما: "اعلما أنّي قد أنفقت عليكما ما كان لكما وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به وأصلح ما أري لَكمَا أن تلجئا إِلَي مدرسة كأنكما من طلبة الْعلم فَيحصل لَكمَا قوت يعينكما علي وقتكما". ففعلا ذلك وكان هو السبب في علو درجتهما وكان الغزاليّ يَحكي هذا ويقُول: "طلبنا الْعلم لغير الله فأبي أن يكون إِلّا لله". الإمام أبو الحسن الندوي : هو الداعية الهندي الكبير صاحب كتاب ¢ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟؟ ¢ توفي والده وهو في التاسعة من عمره تعلم في دار العلوم بالهند¢ ندوة العلماء ¢ والتحق بمدرسة الشيخ أحمد علي في لاهور حيث تخصص في علم التفسير ومنذ تخرجه أصبح شعلة للنشاط الإسلامي سواء في الهند أو خارجها حيث يعد من أشهر علماء المسلمين في الهند وقد قال الشيخ القرضاوي في نعيه : ¢إن الشيخ الندوي كان يتمتع بخمس صفات تميزه عن غيره من العلماء فهو إمام رباني إسلامي قرآني محمدي عالمي فأما أنه رباني فلأن سلف الأمة قد أجمعوا علي أن الربانيهو من يعلم ويعمل ويعلِم وهي الصفات الثلاث التي كان يتحلي بها الشيخ وأما أنه إسلامي فلأن الإسلام كان محور حياته ومرجعه في كل القضايا والدافع الذي يدفعه إلي الحركة والعمل والسفر والكتابة ساعيا لأن يقوي الجبهة الداخلية الإسلامية في مواجهة الغزو الفكري الخارجي عن طريق تربية الفرد باعتباره اللبنة الأساسية في بناء الجماعة المسلمة وأما أنه قرآني فلأن القرآن هو مصدره الأول الذي يستمد منه ويعتمد عليه ويرجع إليه ويستمتع به ويعيش في رحابه ويستخرج منه اللآلئ والجواهر وأما أنه محمدي فليس لمجرد أنه من نسل الإمام الحسن حفيد الرسول صلي الله عليه وسلم بل لأنه جعل من الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أسوته في هديه وسلوكه وحياته كلها واتخذ سيرته نبراسا له في تعبده وزهده وإعراضه عن زخارف الدنيا وزينتها فهو في الخلف يعيش عيشة السلف ¢ أبو الطيب المتنبي: لم يقتصر النوابغ علي علماء الدين بل منهم الشعراء وهو اشهرهم وهو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي .ولد بالكوفة سنة 303 ه 915م . في محلة تسمي كِندة وتقع حالياً علي مسافة عشرة كيلومترات من النجف يقال إن والده الحسين سماه أحمد ولقبه بأبي الطيب. ويقال ان والده توفي وكذلك لم يعرف أمه لموتها وهو طفل فربته جدته لأمه . وقضي طفولته في كندة "304-308 ه1⁄2 916-920م".أعظم شعراء العرب. وأكثرهم تمكناً باللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها. وله مكانة سامية لم تتح مثلها لغيره من شعراء العربية .فيوصف بأنه نادرة زمانه. وأعجوبة عصره. وظل شعره إلي اليوم مصدر إلهام ووحي للشعراء والأدباء. وهو شاعر حكيم. وأحد مفاخر الأدب العربي.. فقال الشعر صبياً. فنظم أول اشعاره و عمره 9 سنوات .. ظهرت موهبته الشعرية باكراً.. صاحب كبرياء وشجاع طموح محب للمغامرات.