يتبين من الاستشهادات القرآنية ومن السنة النبوية، أن الإسلام كرم الرجل والمرأة وحثهما على العمل على حد سواء، وأعطى المرأة الحرية الكاملة في التصرف في مالها، وأعطاها حق اختيار العمل أو المهنة التي تميل إليها، وليس فيها مخالفة لنص شرعي. ويقول الله تعالى في قرآنه: "وقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، فيما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أنْ يَسْأَلَ أحَدًا، فيُعْطِيَهُ أوْ يَمْنَعَهُ". وتستعرض "الشروق" في حلقات خلال ال10 أيام الأولى من شهر رمضان، مهن الصحابيات في عهد النبي مع ذكر أمثلة لهؤلاء الصحابيات اللاتي امتهنَ هذه المهنة. الحلقة السابعة.. يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجع على تعليم المرأة، وأنه يفضل أنها تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل. وهذا محض افتراء ظاهر على الإسلام، فما من دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام، إنه دفع الإنسان بشطريه الذكر والأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل قوة، إعلانًا منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم فقال الله اقرأ باسم ربك الذي خلق. وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم، منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام، أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى، في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة، والتأمل فيما خلق الله، والدعوة إلى استخدام الوسيلتين المترابطتين ببعضهما، وهما القراءة والكتابة فكانت النساء المسلمات في الصدر الإسلامي الأول متلهفات لمعرفة أمور دينهنَّ، وتبين مشكلاتهنَّ الخاصة، فقد تبادرن إلى مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة، فيعلمهنَّ مما علمه الله، وبيَّن لهنَّ ما بيَّن، وسألنه عن مسائل وأجابهنَّ صلوات الله عليه، ولهذا وجب علينا أن نشير إلى النساء التي امتهن مهنة التعليم في عهد النبي ومن هؤلاء النساء هي: أسماء بنت يزيد بن السكن هى أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرؤ القيس بن عبد الأشهل الأنصارية الأوسية، وهى أيضاً أم عامر وأم سلمة الأنصارية الأشهلية، وابنة عمة معاذ بن جبل رضى الله عنهما. أسلمت فى العام الأول للهجرة على يد مصعب الخير أو مصعب بن عمير، كما ذكر ابن سعد صاحب كتاب "الطبقات الكبرى"، عن عمرو بن قتادة رضي الله عنه قال: أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ كبشة بنت رافع، وأسماء بنت يزيد ابن السكن. وكانت أسماء رضوان الله عليها تعتز بهذا السبق إلى المبايعة فتقول: "أنا أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم". أسماء خطيبة النساء اشتهرت أسماء بفصاحتها وجرأتها كذلك، حيث يروي المؤرخ ابن الأثير في كتابه "أسد الغابة": أن أسماء جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت: "بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك. وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم. أفما نشارككم في هذا الأجر والخير؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلّه ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟"، فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها فقال:"افهمي، أيتها المرأة، وأَعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعّلِ المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله". فانصرفت المرأة وهي تهلل، وكانت تهتم متابعة أمور دينها والتعرف على دقائقه، وكثيراً ما كان أخواتها النساء يستعن بها فى سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن دقائق أمورهن الخاصة فتستجيب لهن ، لذا عرفت بخطيبة النساء. قوة إيمانها وصبرها نشأت أسماء في أسرة عرف أفرادها بالتضحية والجهاد فكان أبوها هو يزيد بن السكن بن رافع الأنصاري الذي استشهد يوم أحد، وفي تلك المعركة أثخنت الجراح زياد بن السكن عم أسماء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أَدنوه مني فوسده قدمه فمات شهيداً وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استشهد في المعركة ذاتها أخوها عامر بن يزيد بن السكن الذي جعل جسده تساً يدافع به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنال الشهادة في سبيل الله، فابتلائها كان شديد لفقدانها 3 من أفراد أسرتها، ومن عجيب إيمانها وصبرها أنه لما بلغها استشهادهم خرجت تنظر إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قادم من أُحد.. وعندما رأته سالما قالت: "كل مصيبة بعدك جلل" أي (هينة). جهاد أسماء ومحاربتها حسبما ذكر في كتاب صحابة حول الرسول للكاتب " خالد محمد خالد" أن أسماء شهدت غزوة الخندق وغزوة خيبر، وخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، وبايعت بيعة الرضوان. وفي السنة الثالثة عشرة للهجرة خرجت رضي الله عنها إلى بلاد الشام حيث شاركت في معركة اليرموك في الشام، وكانت تشارك مع النساء بسقاية الجرحى وتضميدهم، وفي ضرب من يفر من المعركة من جنود الإسلام، ومن قصص شجاعتها أنها اقتلعت عمود الخيمة وراحت تضرب به رؤوس الروم حتى قتلت يومها تسعة من جنودهم. روايتها للحديث بلغ عدد الأحاديث التى روتها أسماء بنت يزيد رضى الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم واحد وثمانين حديثاً وقد كانت الثالثة بين النساء فى هذا ولم يسبقها إلا السيدة عائشة، والسيدة أم سلمة، وروى عن أسماء ثلة من أَجلاء التابعين، كما روى أصحاب السنن الأربعة: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، والبخاري في الأدب المفرد. وفي أسماء نزلت آية حكم عدة المطلقات، فقد أخرج أبو داود والبيهقي في سننه عن أسماء بنت يزيد قالت: طُلقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمطلقة عدة، فنزل قول الله تعالى "والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء" (البقرة 228) فكانت أسماء أول معتدة في الإسلام، طبقا لما ورد في كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" للإمام بن حجر العسقلاني. وفاتها ذكرها بعض المؤرخين في وفيات سنة 69ه في خلافة عبد الملك بن مروان. اقرأ أيضا: مهن الصحابيات (6).. سكينة بنت الحسين: أنشأت أول صالون أدبي في الإسلام