قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن «القرآن الكريم كما أعد للمرأة حق الحياة، أعاد لها حقها في الإنسانية؛ ليصحح الصورة السلبية التي لازمتها قديمًا ومازالت تلازمها حديثًا». وأضاف خلال تقديمه لبرنامج «الإمام الطيب»، اليوم الأحد، أن «القرآن في أوائل سورة البقرة وسور أخرى غيرها، يسرد قصة بدء الخلق وخروج آدم وحواء ومعهما الشيطان من الجنة، وهبوط ثلاثتهم على الأرض، على نحو مغاير في مضمونه وغاياته لما ألفه الناس واعتادوا سماعه في شأن تلك القصة». وذكر أن «ما يقصه القرآن في هذا الشأن ويسوقه مساق الحقائق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها وما خلفها، أن الله أمر آدم وحواء أن يسكنا معا في الجنة»، مستشهدًا بقوله تعالى: «وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين». وأوضح الإمام الأكبر أن «الله أمر آدم وحواء أن يأكلا معًا من شجر الجنة وثمرها حيث شاءا، من غير حجر ولا تضييق، اللهم إلا شجرة واحدة نهاهما معا من الاقتراب منها والأكل من ثمرها، وحذرهما من الوقوع في الإثم والمعصية إن أكلا منها». ولفت إلى أن «الشيطان تسلل لآدم وحواء ووسوس لهما معا، ولم يختص بوسوسته حواء فقط كما يعتقد كثيرون»، مضيفًا: «وهذا ما تتلوه علينا سورة الأعراف في قوله تعالى: (فوسوس لهما الشيطان)، وكذلك سورة طه التي تؤكد أن الشيطان وسوس لآدم: ( فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)». وأكمل: «يستمر المشهد بين عدوين لدودين آدم وزوجته من جانب، والشيطان بوسوسته من جانب آخر، وينتهي الموقف بمخالفة الزوجين للأمر الإلهي والاستجابة لهذا العدو الماكر، والإقدام على الأكل من الشجرة، ثم صدور الأمر الإلهي بإخراج الجميع من الجنة». وأشار إلى أن «القصة ترد في كثير من آيات القرآن الكريم وأكثر من موضع؛ لتصحح الصورة السلبية التي لازمت المرأة قديمًا وحديثًا، وتعلن أن لكل من آدم وحواء مسئولية مستقلة استقلالًا تامًا، وأن كلًا منهما سمع النهي الإلهي عن الأكل من الشجرة، وتلقى التحذير الإلهي من وسوسة الشيطان وإغرائه بمخالفة الأمر الإلهي، وأن كلا منهما أكل من الشجرة بمحض اختياره، وأن أحدا منهما لم يكن مسئولًا عن الآخر في أي موقف من مواقف تلك القصة». وأوضح أن «الشيطان قد زين لحواء أن تأكل من الشجرة وأزلها عنها، وكذلك وبالقدر ذاته زين لآدم أن يأكل من الشجرة وأزله عنها»، مضيفًا: «وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالأكل من الشجرة وظهور سوءاتهما والاعتراف أنهما ظلما أنفسهما وأنهما يطلبان من الله المغفرة والرحمة». ونوه أن المحور الذي تدور عليه القصة في القرآن مرتبط بتبرئة المرأة مما يسمى ب«الخطيئة الأولى»؛ التي حُملت فيها حواء مسئولية وقوع زوجها في حبائل الشيطان وأكله من الشجرة المحرمة، وبيان أن حواء - وإن خالفت الأمر الإلهي - إلا أنها بريئة من أي دور في إغواء زوجها وإغرائه بمخالفة الأمر الإلهي. وشرح أن «المحور الثاني في القصة، مرتبط بتقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، والذي تبدى جليا في استخدام ألف الاثنين في الخطاب الإلهي سواء في إباحة الأكل من شجر الجنة أو النهي عن الأكل من شجرة معينة أو وسوسة الشيطان أو الأكل من الشجرة المحرمة». وتابع: «هذه نصوص القرآن لا يفهم منها لا من قريب أو بعيد أن حواء أول من أخطأت، وأن لولاها لما وقع أبو البشر آدم عليه السلام فيما وقع فيه، ولما خرج من الجنة التي كانت ستتسع له ولذريته من بعده، ومحور ولب النصوص الإلهية في تلك القصة ما صرح به القرآن في وضوح لا لبس فيه أو غموض بأن الشيطان هو الذي أخرج كلا من آدم وحواء من الجنة، طبقا لقوله تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما)».