قبل مجيء الامر الإلهي بنزول آدم إلي الارض، كان يسكن الجنة مع زوجته حواء، يقول القرآن الكريم: »ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ماووري عنهما من سوءاتهما وقال مانهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين« (الأعراف: 91 -12)، لقد آدي الشيطان مهمته الاغوائية، وخدعهما بأن الأكل من الشجرة يكون فيه مصلحتهما، فيدخلان في زمرة الملائكة، أويدخلان منطقة الألوهية فيكونا خالدين، فآدم وحواء أصبحا بين الأمر الإلهي، والغواية الشيطانية، وهنا نستعيد مقولة الملائكة عندما أخبرهم الله بأنه سوف يستخلف آدم وذريته في الارض، وكان رأيهم أن آدم وذريته مجبولون علي الافساد، ويبدو أن مقولتهم قد جاءها بعض الصدق عندما استجاب آدم وحواء لغواية الشيطان: »فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنها كما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين« (الأعراف 22) ومع انكشاف الخديعة بعد ارتكاب معصية الله، توجها إليه قائلين: »ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين« (الأعراف 32)، ومع المغفرة جاء الأمر الإلهي بالنزول إلي الارض: »قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلي حين قال فها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون« (الأعراف 24، 25) وجاء الامر بصيغة الجمع، لأنه موجه لآدم وحواء وإبليس. إن أهمية هذا الحوار أنه أوضح لنا خروج آدم وحواء علي الأمر الإلهي، واستجابتهما لغواية الشيطان، أي أنهما كانا بين الأمر العلوي، والغواية السفلية لكنهما اتجها إلي الاسفل، ولعل مبرر ذلك أن الشيطان (قاسمهما إنه لهما لمن الناصحين) ولم يتصورا أن الشيطان يمكن أن يحنث في القسم الإلهي، فكانت استجابتهما الخاطئة، لكنهما لم يتماديا في خطيئتهما، فما أن أدركا جرمهما حتي توجها إلي الله: »ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين« إن هذا يؤكد لنا أن الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، وأن التوبة تصلح ماكان من خطأ.