رد القرآن الكريم الاعتبار للمرأة وبرأها من خطيئة غواية آدم.. وهذا هو الأساس الذي سيبني عليه موقف القرآن والإسلام من المرأة.. لا إدانة ولا لعن.. بل توقير واحترام ودفاع حار عن الأنثي ونهي عن قتلها بلا ذنب (وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (النحل: 58، 59). وفي القرآن اصطفاء للنساء (.. وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين..) آل عمران .42 وامرأة فرعون تلك المرأة المؤمنة الحكيمة التي أنقذت الطفل موسي من الذبح مثل أقرانه من أبناء اليهود توسلت إلي زوجها فرعون أن يتركه لها وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسي أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون) سورة القصص الآية .9 وتوصية بالمرأة بأن تعامل بالمعروف: وعاشرا وهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) ( النساء: 19). وتبرئة للمرأة من الخطيئة الأولي، ولا عقاب أبديًّا عليها، فليست هي التي أقنعت آدم بقطف الثمرة المحرمة أو هي وحدها السبب في طرده وطردها من الجنة. ففي القرآن الكريم نجد الشيطان يوسوس لآدم فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي.. فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة سورة طه الآيات 120-,122 ويوسوس لهما معا مرة أخري (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) (الأعراف 20). وآدم هو الذي عصي ربه فغوي وغوت معه، والعقاب ينزل عليهما معا فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مماكانا فيه، ولما ندما وتابا أنزلهما الأرض ليعمراها معا. والملفت للمتمعن في كتابه الكريم تلك المساواة التامة بين الجنسين في الأصل والمنشأ وتتكرر أكثر من مرة (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها (الأعراف: 189) و(النساء:1)، و(الأنعام: 98) ولا تفضيل لجنس أو نوع أو عرق علي آخر، فالمعيار الذي وضعه الخالق عز وجل لتقييم البشر هو التقوي والصلاح والإصلاح، (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات: 13). إن الثنائية في الخلق رحمة وحكمة إلهية فقد خلق الله لنا عينين لنري بهما معاً وأذنين لنسمع بهما معاً وكذلك رئتين لنتنفس بهما معا وأي خلل في ذلك يعتبر علة ومرضاً يستوجب العلاج ونقصاً في كفاءة الإنسان. كذلك خلق الله الإنسان والحيوان من نوعين لأنه أراد لهما أن يعمرا الكون معاً لا أن ينفرد أحدهما بذلك دون الآخر، وبالتالي لا الذكر أفضل من الأنثي ولا الأنثي أفضل من الذكر.. إنهما متساويان في كل شيء خلقا لكي يكملا بعضهما البعض كالليل والنهار (والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي، وما خلق الذكر والأنثي..) سورة الليل (1 -6). والرجل والمرأة متساويان في التكاليف الشرعية، والثواب والعقاب علي فعلها وتركها، قال تعالي: (من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (غافر: 40). ومتساويان في الحقوق والواجبات ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف (البقرة - 228). ومتساويان في المسئولية العامة فالمرأة مسئولة عن الرجل كما هو مسئول عنها (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة 71). ويفيض الكتاب الكريم بآيات تحض علي الرحمة بالنساء (فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) (النساء: 34)، وقوله سبحانه: (يأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) (النساء: 19) وقوله سبحانه وتعالي: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) (البقرة: 229). والتوصية بإعطائهن حقوقهن كاملة بلا نقصان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً) (البقرة: 229) وفي القرآن الكريم تحذير من اتهام المحصنات في شرفهن بالإفك والبهتان ومن ترديد الإشاعات فيقول تعالي (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)، ويحذر سبحانه وتعالي من ذلك (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) (سورة النور 11 -17). وفي القرآن إنصاف للمرأة الحائرة وهداية لها، ففي سورة المجادلة سمع الله التي تجادل الرسول ولم يقل إن صوتها عورة ولا منعها من الكلام في المسجد ورفع الصوت ليس فقط بالشكوي بل الحوار والمجادلة مع رسول الله (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلي الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (المجادلة1). وفي آيات سورة المجادلة دليل دامغ علي حق المرأة في رفع صوتها بالحق والمطالبة به حتي لا يضيع مهما كان من تخاطبه، فمن هو أفضل وأعلي شأنا وأحكم من رسول الله صلي الله عليه وسلم؟!. (تلك حدود الله وللكافرين عذاب عظيم) ولكن الفقهاء القدامي تجاهلوا تلك الحدود وأنكروا حقوق المرأة السياسية وتركوا للمغرضين فتاوي يتذرعون بها لحرمان المرأة من حقها في الحكم يرددونها كالببغاوات حتي يومنا هذا..! وفي القرآن الكريم مثال لما يمكن أن تكون عليه المرأة لو حكمت، هي بلقيس ملكة سبأ التي يصفها بأنها كانت تملك قومها تحكمهم و(أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) سورة النمل، ورغم ذلك لم تكن مستبدة ولا ظالمة بل كانت تستشير قومها، وتفضل السلم علي الحرب وتسعي بنفسها إلي استجلاء الأمور والاطلاع علي الحقائق.. ولعلها كانت أول من أسس الدبلوماسية في التاريخ. فمن أين أتي الفقهاء القدامي بتلك الفتاوي التي تزفر ضيقاً بالمرأة ولعنا لها وازدراء لها وانتقاصا لمكانتها وإهداراً لحقوقها؟.! من أين جاءوا بكل تلك القسوة علي النساء المسلمات، وكيف عجزوا عن استيعاب مقاصد الدين الحنيف في رد الاعتبار للمرأة ووضعها في مكانها الصحيح؟! من أين أتوا بمقولة إن المرأة عورة كما جاء في فتاوي ابن عباس وأحمد بن حنبل وأصحابه ومن بعدهم قطيع المرددين بلا عقل؟. لقد عري المفسرون القدامي المرأة ووضعوها فوق طاولة في غرفة العمليات وراحوا يشرحون جسدها ويمزقونه قطعة قطعة كأنها جثة بلا حياة.. لم يتركوا مكاناً إلا وحشروا أنوفهم فيه وراحوا يتفلسفون ويسفسطون بأفكار من عندهم ولا دليل عليها في قرآن أو سنة صحيحة. وكما يقول العقاد في كتابه المرأة في القرآن الكريم شرحوا الآيات معتمدين علي أقوال حفاظ القرآن من بني إسرائيل الذين دخلوا في الإسلام؛ فعلي سبيل المثال عندما فسر الطبري الآيات الخاصة بخلق آدم نقل عن وهب بن منبه الذي رجع إلي الإصحاح الثالث من سفر التكوين، الذي اعتمدت عليه كتب العهد الجديد التي تنسب الغواية إلي حواء وأن الحية خدعتها بمكرها وقد كرر تلك الروايات الألوسي صاحب روح المعاني. ورغم وعي العقاد بذلك فقد وقع في الفخ بدوره وألف كتاباً يفيض بالمغالطات والاتهامات للمرأة لابد أن نعود إليه في مقال قادم. ليس غريباً إذن أن يصاب المسلمون بعدوي كراهية المرأة ونسب كل نقيصة إليها والدعوة إلي الحذر منها والابتعاد عنها إن النساء كأشجار خلقن لنا منها المرار، وبعض المر مأكول إن النساء متي ينهين عن خلق فإنه واجب لابد مفعول أبيات قيلت قبل ظهور الإسلام ولكنها ظلت عالقة في أذهان الناس هي وغيرها من مئات المأثورات التي تعادي المرأة وتشنع عليها ولا يتورع بعض كتاب اليوم عن ترديدها.. أما عن افتراءات الفقهاء القدامي علي المرأة فهذا هو موضوعنا القادم بإذن الله.