هل سمعت من قبل أن أسماك القرش تهاجم البشر بسبب "فرضية الهوية الخاطئة"، بمعنى أن هجمات القروش البحرية على السباحين والغواصين تعود إلى وجه الشبه بين البشر والفرائس المعتادة لهذه الأسماك. ورغم أن هذه الفكرة تحظى بمصداقية واسعة لدى عامة الناس وكثير من العلماء والمتخصصين، فإنها في حقيقة الأمر غير مثبتة من الناحية العلمية. وفي دراسة نشرتها الدورية العلمية "Behavior" المتخصصة في سلوكيات الكائنات الحية، أخضع الباحثان المتخصصان في الأحياء البحرية إيريك كلوا وكارل ماير "فرضية الهوية الخاطئة" لدى القروش للبحث والدراسة، واقترحا، من جانبهما، تفسيرا أكثر مصداقية لهجمات القروش على البشر. ويقول إيريك كلوا في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني "سيكولوجي توداي" المتخصص في علم النفس: "إذا كنت تصدق أن القروش ترتكب أخطاء، فإن كل قرش يسبح في المياه يشكل خطرا محتملا على الانسان، في حين أننا في الحقيقة ليست لدينا أي مشكلة مع 99.99% من هذه الأسماك". وكان باحث الأحياء البحرية هنري ديفيد بالدريدج، هو أول من طرح فكرة "فرضية الهوية الخاطئة" عام 1974 لتفسير هجمات القروش على البشر، وأشار إلى أن الشخص الذي يرتدي سترة غوص داكنة اللون قد يبدو في أعين سمكة القرش مثل الفقمة، ويقول كلوا إن "هذه الفرضية كانت تبدو مقبولة تماما". غير أنه بعد عشر سنوات، تواترت هذه الفرضية على ألسنة كثير من الباحثين كما لو كانت حقيقة مثبتة. ومن هنا دخلت إلى تيار الأفكار السائدة لدى عامة البشر. ويوضح كلوا أنه عندما كان طالبا، قالوا له إن القروش تهاجم البشر من قبيل الخطأ، ولكنه عندما اكتسب المزيد من المعلومات بشأن القروش، وتخصص في نهاية المطاف في علم سلوكيات القروش البحرية، تنامت لديه الشكوك بشأن هذا التفسير. واستطرد أنه من بين الحيثيات الرئيسية لفرضية الهوية الخاطئة أن التشابه الشكلي يكفي لإرباك سمكة القرش، غير أن هذا الرأي يتجاهل الدور المهم الذي تلعبه الحواس الأخرى في عملية الافتراس، ويوضح أن البصر هو أحد الحواس لدى القروش، ولكنها لديها حواس أخرى تلعب دورا أهم في تحديد الفريسة. ويقول كلوا: "بالنسبة للقروش، هناك حاستان رئيسيتان تلعبان دورا مهما في عملية الافتراس، وهما السمع لأن الصوت ينتقل بسرعة تحت الماء، ثم ما يعرف باسم حاسة الاستقبال الميكانيكي، ويقصد بها القدرة على استخلاص المعلومات من حركة الأمواج عبر المياه". وقد أظهرت دراسة حديثة أن الذبذبات التي تصدر عن حركة السباحين في المياه تختلف عن ذبذبات الفقمات وسلاحف البحر، ويرى كلوا وماير أنه بالنظر إلى سلسلة المؤشرات الحسية التي تعتمد عليها أسماك القرش في عملية الافتراس، من المستبعد أن تخطئ السمكة الإنسان وتظنه فريسة لها. ويعتقد الباحثان أن هناك كثيرا من الأدلة التي تتعارض بشكل مباشر مع فرضية الهوية الخاطئة. فهجمات القروش كثيرا ما تحدث في المياه الصافية، ما يتيح سهولة الرؤية وتحديد الهوية بالنسبة للسمكة، كما أن بعض فصائل القروش التي لا تتغذى على الفرائس الكبيرة مثل الفقمات سبق لها مهاجمة البشر. علاوة على ذلك، فإن القروش في العادة تهاجم الأجسام غير المتحركة على اختلاف أشكالها وأحجامها وألوانها دون أن تتشابه هذه الأجسام مع الفقمات أو غيرها من الفرائس. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: إذا كانت القروش لا تهاجم الإنسان من قبيل الخطأ.. فلماذا إذن يتعرض البعض لهجمات القروش؟ ويطرح الباحثان كلوا وماير تفسيرا بديلا عن جميع الفرضيات التي تبرر هجمات القروش على الإنسان بما في ذلك فرضية الهوية الخاطئة. ويطلق الباحثان على هذا التفسير اسم "فرضية الاستكشاف الطبيعي" وهو أن القروش لا ترتكب أخطاء "عند مهاجمة البشر" بل أنها في حقيقة الأمر تستكشف باستمرار البيئة التي تعيش فيها، وتبحث بشكل منتظم عن أهداف جديدة تصلح كفرائس مناسبة عن طريقة مهاجمتها وعضها. ومن المعروف أن القروش لا تعلم صغارها فنون الصيد والقنص، بل إن القروش تستخدم حواسها لاكتساب مهارات الصيد بنفسها، وهي في العادة ليس أمامها خيار سوى استخدام أنيابها للتعرف على الأشياء المجهولة بالنسبة لها. وبالرغم من ذلك، ما زالت هجمات القروش على الإنسان تعتبر من الحوادث نادرة الحدوث، حيث إن عدد هجمات القروش غير المبررة التي وقعت عام 2022 لم يتجاوز 57 هجوما، بالإضافة إلى خمس هجمات تسببت في وقوع وفيات. ويستكشف كلوا حاليا تفسيرا جديدا تماما لهجمات القروش على الإنسان، ألا وهو اختلاف شخصية أسماك القرش. ويقول إنه مثل الأسماك الفقارية، فإن القروش لها شخصيات مختلفة وسمات متباينة مثل الجرأة مقابل الخجل، أو الإقدام على المغامرة مقابل تجنب المخاطر. ورغم أن حب الاستكشاف تعتبر من الغرائز الرئيسية لدى القرش، فإن معظم هذه الأسماك تتوخى الحذر في المواقف الجديدة، وبالتالي فإن قلة فقط من الأسماك الشجاعة ستبادر إلى مهاجمة جسم غير معروف بالنسبة لها. ويعمل كلوا حاليا على رسم خريطة للسمات الشخصية الوراثية لأسماك القرش، على غرار علوم طب النفس الشرعي التي تستخدم لتحديد ملامح شخصيات القتلة من البشر وتساعد في القبض عليهم. ويرى أن هذا المنهج العلمي سيسمح بتحديد هوية القروش التي تمثل خطورة على البشر أو التي سبق لها مهاجمة الانسان، مع ترك باقي القروش البريئة دون التعرض لها. ويعتقد أن هذه الدراسة لها هدف نبيل حيث إنها قد تمنع القتل العشوائي لأعداد كبيرة من القروش التي لا تسبب تهديدا للإنسان.