نحن فى شوق إلى الشهامة والجدعنة المصرية. نحن فى شوق إلى الأمل والجدية. نحن فى شوق إلى الشعور بأننا كما كنا دائما أسرة واحدة، وعائلة واحدة. نحن فى شوق إلى ضوء يلقى على السلوك الجيد والشجاعة والمبادرة بعمل الخير.. فقد أنهكتنا وأغضبتنا تلك الأضواء التى تسطع وتكشف السلبيات والأخطاء والإهانات.. وتدب فى نفوسنا اليأس والإحباط وتزرع الأناملية «وتنمى الأنا» ؟! كنت أتابع الحوار الذى أجراه الزميل خيرى رمضان مع الملازم أول خالد الحسينى، فى البرنامج التليفزيونى الجديد « مصر النهاردة ».. بمناسبة قيام الضابط الشاب بمساعدة أب كان يسرع لعلاج ابنه. وزاد الضابط بالتبرع بدمه، عندما علم أن الطفل فى حاجة إلى هذا الدم كى ينقذ حياته.. وهو موقف إنسانى يمكن أن يقوم به أى مصرى..إلا أن القيمة هنا هى مساعدة الضابط للأب وتبرعه بدمه للابن. القيمة أننا نرى فى هذا الزى الرسمى ويجب أن نرى دائما السند والدعم والنجدة والحماية. جلس الضابط خالد أمام خيرى رمضان مرفوع الرأس، فخورا بشهامته وبجدعنة المصرى الأصيل، وسعيدا بتقدير وزير الداخلية اللواء حبيب العادلى ومساعد أول الوزير اللواء إسماعيل الشاعر.. وتمنيت أن أكون مكان زميلنا خيرى رمضان لأحاور هذا الضابط الشاب. ومن حسن حظى أن ماتمنيته تحقق فى اليوم التالى ولكن بحوار عبر الهاتف. قال فيه الملازم أول خالد الحسينى: ** لا أرى أننى فعلت مايستحق كل هذا الاهتمام، ولم أتوقع أن يستضيفنى التليفزيون أو تجرى معى صحف حوارات. ** هناك آلاف الضباط مثلى ويؤدون واجبهم فى حماية المواطن والوطن ومساندة ومساعدة كل محتاج. ** أدهشنى أن يتحرك الأب ويبلغ الوزارة ويوجه الشكر لما فعلته.. وهو أمر لم أتوقعه. انتهت كلمات الضابط الشاب الذى رأيته أنيقا فى زيه العسكرى.. وأثق أن تجربته التى تناولها الإعلام بتقدير وإعجاب على بساطتها، سترد بعض الجميل لآلاف الضباط والجنود الذين يسهرون على راحة الناس. نعم تقع تجاوزات، ونعم «ينسى بعض الناس أسماءهم حين يتوجهون لتحرير محضر بقسم شرطة».. والتجاوزات لاتسكت عنها وزارة الداخلية، ففى كل مهنة تحدث مثل تلك التجاوزات.. لكننى شخصيا أؤمن بنظرية واضحة تقول إن الخير أكبر من الشر، وإن الخير أقوى من الشر. ولو لم يكن الانتصار للخير لما استقامت الحياة ولما استمرت. ولذلك هناك آلاف الضباط الذين يؤدون عملهم وهم يؤمنون برسالتهم ويدركون أنهم صورة القانون وحماته فى الشارع المصرى. يقابل هذا الإيمان عندى بانتصار الخير على الشر.. إن صورة عسكرى الشرطة يجب أن تتغير وتتحسن. وعندما أشاهد مواطنا من «قبيلة إنت مش عارف أنا مين » يعترض أو يعتدى على عسكرى مرور أو شرطى أفقد الأمل فى البلد كله. وأتمنى فى تلك اللحظة، أن أجد من أستنجد به كى يمسك بتلابيب « ابن الإيه إنت مش عارف أنا مين» ويعلمه الأدب واحترام النظام والقانون ممثلا فى هذا العسكرى البسيط.. صورة الملازم أول خالد الحسينى مثل صور آلاف الضباط والجنود الذين يشرفون الشرطة ويرسخون هيبتها فى شارعنا، لكن للأسف هناك أيضا تلك الصورة التى انتشرت واستشرت فى أفلام السينما والمسلسلات لضابط أو عسكرى الشرطة، فهى يجب أن تراقب وأن تتغير، لأن الدراما تعكس صورة مسيئة للضابط والعسكرى، وتجعله يبدو غير حاد الذكاء، أو يفتقده. خاصة وهويطارد عصابة أو قاتلا، أو وهو يطرح أسئلة ساذجة حول جريمة أو على مجرم.. حتى أصبح دور الضابط أو الشرطى مثل دور الطبيب «صاحب الشنطة الصغيرة».. مدعاة للضحك؟! إن ضابط الشرطة الذى يحمى المواطن ويساعده ويسانده وينجده يجب أن نحتفى به، ويجب أيضا أن تعمل وسائل الإعلام وكذلك وزارة الداخلية على ترسيخ هيبة هذا الرجل الذى يطبق القانون ويطارد الخارج عن القانون.. نحن فى شوق إلى الضابط والجندى الذى نحبه ونخافه فى الوقت نفسه.. نحن فى شوق إلى رجل الشرطة الذى يتعامل مع المواطن بمنتهى الحكمة وبمنتهى القوة وليس القسوة.. نحن فى شوق إلى رجل الشرطة الذى نهابه.. نحن فى شوق إلى تلك الصورة الإيجابية لرجل الشرطة التى جسدها ضابط شاب يدعى خالد الحسينى، جسدها بعمل إنسانى بسيط للغاية، فكنا فخورين به بقدر ما افتخرت به وزارة الداخلية. هذا الشوق يعود إلى أن هذا الشعور غاب قليلا فى السنوات الأخيرة، لأن كثيرا من الإعلام يحجب كل ماهو إيجابى، باعتبار أن السلبيات هى السلعة الرائجة فى هذا الزمن.. فالخطأ كلما كبر، والجريمة كلما كانت أعنف، والتجاوز كلما فاق التصور، فإن نسب المشاهدة سوف تزيد، كأنه لايوجد فى مصر شىء جيد أو إنسان طيب.. كأن مصر باتت غابة موحشة وهى فى الواقع ليست كذلك، وإنما كثير من الإعلام لايرى النور، ويلهث خلف النار.. تلك هى المسألة؟!