وصفه محمود العالم بأنه قصاص شاعر متصوف تفيض شاعريته برؤية إنسانية 4 قصص فريدة تخترق عوالم تاريخية وأسطورية ساحرة يصيغ بالكلمات حياة كاملة، يطوف بالقارئ لمساحات مغايرة، ضمن قصص ساحرة بعنوان «أنا الملك جئت» أبدعها الكاتب الكبير بهاء طاهر، الذى حلت علينا أمس ذكرى ميلاده ال 88، حيث نجح فى أن يجعل من القارئ شريكا له فى رحلة التحليق بين سماوات الحكى والسرد الشيق والسلس. «أنا الملك جئت، محاكمة الكاهن كاى نن، محاورة الجبل، فى حديقة غير عادية»، هى مجموع تلك القصص التى تصنف ضمن نوعية الكتابات الشيقة التى تنساب إلى القارئ فى هدوء وسلاسة ودون أية تعقيدات، تخترق المشاعر فى نعومة حتى وإن تراوحت فى عديد بين الأحيان بين الهدوء، أو بلوغ ذروة الحدة الدرامية والعمق فى الدلالة. تمتاز أنا الملك جئت ببراعة فى إيصال إحساس تماهى الواقع بالخيال، حيث العديد من الأساطير التى تلقى بظلالها على النص بشكل إبداعى ساحر، وفى القلب منها سيدة تحرك الأحداث بشكل رئيسى فى القصة، الأمر الذى يتواصل فى قصة «محاكمة الكاهن» حيث نصوصا مغلفة برداء الأسطورة وحكايات القدماء. نمر بعدها إلى محطة «محاورة الجبل»، حيث يحرص طاهر عبر أسلوبه الساحر على أن يضع كل منا أمام مرآة نفسه، تشعر كما لو أنه يطلق حكما بالإدانة على الجميع، أما فى «حديقة غير عادية»، فإننا نجد بزوغا واضحا لفكرة اغتراب الأرواح، والكيفية التى يمكن فيها أن يسعى بها الجميع للهروب من منفاه الداخلى. تبرهن مجموعة «أنا الملك جئت» على قدر ومكانة بهاء طاهر الأدبية، حيث حاز على مساحة ضخمة ومشرفة فى ذاكرة الأدب المصرى والعربى المعاصر، تفرد بأعماله الإبداعية التى امتازت بسلاسة الأسلوب وعمق الرؤية، وما زالت الأوساط الأدبية تضج بذكرى ميلاد الأديب الكبير الراحل بهاء طاهر. برع بهاء طاهر بمجموعته «أنا الملك جئت» فى أن يرسخ الأبعاد الرمزية الخصبة التى بدأها الكاتب فى مجموعته التى سبقتها «بالأمس حلمت بك»، حيث عوالم فريدة، وأجواء شعرية للأساطير والتواريخ المصرية القادرة على سبر أغوار الحاضر والكشف عن أسراره الدفينة فى «أنا الملك جئت». تشبث طاهر بنقاط وأدوات القوة الإبداعية فى مجموعته القصصية، حيث تجليات واضحة على مستوى الوصف واللغة، وهو ما يتضح من الآتى، فى قصة: محاورة الجبل: فى المساء تراها تعود إلى بيوتها الخضراء المورقة، أما على كورنيش النيل فكانت أشجار الكافور العالية تنشر رائحة معطرة، وكان هناك أيضا الفل والياسمين، معظم البيوت تحيط بها أسوار قصيرة من الحديد يعرش عليها الزرع الأخضر الذى ينوره الياسمين الأبيض، فى كل مكان تمشى وسط نسيم معطر. وتتحلى براعة الوصف أيضا فى المقتطف بالقصة ذاتها: على النيل كانت كازينوهات كثيرة، أذكر واحدا من تلك الكازينوهات، كان فى مدخله رمل أصفر نظيف تحف به أصص الزهور وأشجار التمر حنة والكافور، وبالليل يضاء ذلك المدخل بعقود من مصابيح ملونة وتعزف الموسيقى فى الداخل ويرقص الناس. ساد الطابع الرمزى والانسياب السردى على نصوص تلك المجموعة، وقد ضاعف من ميزة تلك البراعة السردية، قيمة مضافة أخرى تمثلت فى رسومات وليد طاهر، التى أضفت مسحة جمالية على السياق السردى لمجموعة «أنا الملك جئت»، وقد أضفت التوصيفات والإسقاطات الرمزية العديد من نقاط القوة لهذا العمل الأدبى الفريد. تجلت حالة من البراعة الشديدة فى نسج الحوار بين الشخصيات على مدار محطات الحكى المختلفة فى تلك المجموعة، وقد بدا ذلك لافتا فى قصة «حديقة غير عادية»، من خلال المقتطف التالى: يخيل لى أنى سأقول لها أشياء كثيرة، أكون قد أعددت لها الشاى والفطائر وأعددت لها أشياء كثيرة، وأعددت نفسى لكلام كثير، ولكن بعد أن نشرب الشاى معا وأسألها، عن زوجها، لا يأتى الحديث. تستغرق هى أيضا فى التفكير وتقول كلاما قليلا، لا أريد أن أكون شريرة، هى بنت طيبة، ربما تكون لديها مشاكل لا تريد أن تحدثنى عنها ولا أن ترهقنى بها. ينطبق على تلك المجموعة القصصية البديعة، ما ساقه الناقد والكاتب محمود عبدالشكور عن كتابات بهاء طاهر، أنها عابرة للثقافات والأجناس والأديان واللغات؛ لأنها تلغى ببساطة كل هذه الفواصل بين شخوصها القلقة، لا يهتم مؤلفها سوى بالنفاذ إلى أعماقهم، حيث عين مبدع قرأت وشاهدت وتعذبت، وروح تعبر أيضا عن عقل اختزن تجارب الإنسان وتاريخه وأساطيره وانكساراته وانتصاراته، هناك استمتاع بالحكى مثل الحكائين القدامى، ولكن هناك أيضا محاولة أعمق لاكتشاف الإنسان، حيث يتحول القص لدى بهاء طاهر إلى موقف وشهادة ووجهة نظر. كما أنه فى معرض تقييمه لمجموعة «أنا الملك جئت»، قال المفكر الكبير محمود أمين العالم، إن طاهر قصاص شاعر متصوف تفيض شاعريته وصوفيته برؤية إنسانية حارة تُغريك برومانسيتها الظاهرة عما وراءها من حكمة وعقلانية وإحساس عميق بالمسئولية والالتزام، ويتفق هذا التقييم مع ما برز من الوصف المميز بتلك المجموعة، فى كل ما يتعلق بالأشخاص والأشياء والأحداث على أفضل نحو، كما أن الحوارات والأسئلة التى دارت على ألسنة الأبطال، وكأنها تم صياغتها مخصوصا للقارئ أو عنه خصيصا. تجدر الإشارة إلى أن بهاء طاهر ولد فى الجيزة، بالعام 1935، وهو مؤلف روائى وقاص ومترجم مصرى ينتمى إلى جيل الستينيات، حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008 عن روايته واحة الغروب حصل على ليسانس الآداب فى التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا فى الإعلام شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973. حاز على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة 1998، كما حصل على جائزة جوزيبى اكيربى الإيطالية سنة 2000 عن خالتى صفية والدير وحصل على الجائزة العالمية للرواية العربية عن روايته واحة الغروب.