مضى عام منذ وضع الرئيس أوباما حجر الأساس للعرض الذى قدمه لإيران فى عيد النيروز بشأن الاتصال معها على أساس من الاحترام المتبادل. غير أن إيران أصبحت الآن بلدا مختلفا، وأصبح نظامها المنقسم أضعف من ذى قبل، حيث بات يواجه حركة الخضر التى تمثل التعبير الأقوى عن قوة الشعب فى الشرق الأوسط، كما تعتبر منارة بالنسبة المنطقة. وقد أسفرت مساعى أوباما للاتصال مع إيران عن زعزعة البناء الثورى الإيرانى، وهو ما يُعد فى حد ذاته أمرا يستحق الدخول فى هذه اللعبة. لكن الجمود فى العلاقات الإيرانيةالأمريكية الذى دام 31 عاما ما زال على حاله، حتى أن سارة بالين نفسها تحث الرئيس أوباما على «إعلان الحرب على إيران» كى يحمى رئاسته. وليست بالين وحدها التى تطالب بذلك، ذلك أ، دانيال بايبس، المعلق المحافظ، وضع عنوانا للعمود الذى كتبه مؤخرا فى «ناشونال ريفيو» يقول: «كيف تحمى رئاسة أوباما: اقصف إيران». ليس هناك جديد فيما يخص اختزال الصقور الأمريكيين لإيران فى كونها تجريدا نوويا، وتصنيفهم للسبعين مليون مواطن إيرانى باعتبارهم رأسا نووية مُفترضة، فى الوقت الذى يجرى فيه تجاهل حضارة إيران، والتمويه على شكاوى إيران ضد الولاياتالمتحدة. ويهدف ذلك إلى جعل بلاد فارس رهانا انتخابيا وتهديدا يتطلب القصف. لكن خيار الحرب ما زال غير وارد، لأنه يمثل كارثة محتملة بالنسبة لكل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ومن ثم، فإن الأمر يحتاج إلى الإشارة إلى بعض الحقائق بشأن إيران، قبل أن تدق طبول الحرب فى فترة الاستعداد لانتخابات التجديد النصفى فى الولاياتالمتحدة. 1 ينتعش المتشددون الإيرانيون فى ظل العزلة. إذن فالسعى إلى تغيير قواعد اللعبة عبر الحوار مع إيران لا يتناقض مع دعم حركة الخضر، بل إنه يكمل هذا الدعم. ويجب على أوباما أن يستنكر دعاوى ما بعد الانتخابات بشأن قمع إيران وانتهاكها، وأن يدافع عن حق الإيرانيين فى الاحتجاج السلمى، حتى إذا كان يرغب فى الوقت نفسه فى تجاوز الخلل الضار فى العلاقات الإيرانيةالأمريكية. ذلك أنه خلال عام واحد أدى الاتصال بإيران إلى تحقيق تقدم يفوق ما حققه تفاخر الولاياتالمتحدة لسبع سنوات باعتبار إيران ضمن محور الشر. 2 كان رد فعل الإيرانيين تجاه دعوة أوباما مشوشا، كما اتضح بشكل خاص من خلال صفقة جنيف فى أول أكتوبر 2009 المُجهضة التى تضمنت إرسال اليورانيوم الإيرانى منخفض التخصيب إلى بلد آخر لزيادة تخصيبه إلى نسبة 20%، وهو ما يقل كثيرا عن مستوى التخصيب اللازم لإنتاج السلاح النووى ثم إعادته إلى إيران كى تستخدمه فى مفاعل للأبحاث الطبية. وقد أدى انهيار هذا الاتفاق الذى كان ضحية الانقسامات السياسية فى إيران إلى شعور أوباما وكبار مساعديه للشئون الإيرانية بالإحباط الشديد. ومازالوا هكذا إلى يومنا هذا. فقد كان بإمكان هذا الاتفاق لو نُفذ أن يخلق مساحة لالتقاط الأنفاس من أجل الدخول فى محادثات أشمل. لكن إيران تقول إن الفكرة لا تزال على قيد الحياة، حيث قال الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد فى 16 فبراير: «نحن على استعداد لمبادلة الوقود فى ظل إطار عادل. فنحن ما زلنا على استعداد للمبادلة، حتى مع أمريكا». وبالنظر إلى سجل إيران، توجد حالة من التشكك إزاء ما تقول. لكن ما دام الهدف هو إبعاد اليورانيوم منخفض التخصيب عن الأيادى الإيرانية، فيجب إظهار القدر الأكبر من المرونة. إذ ما زالت هذه الصفقة قادرة على فتح الأبواب، فى حين أن العقوبات بمثابة طريق مسدود. 3 يمثل الردع عاملا فعالا. وكما اقترحت هيلارى كلينتون مؤخرا، يجب على الولاياتالمتحدة بناء «مظلة دفاع» لدول الخليج الصديقة التى تشعر بالقلق إزاء البرنامج النووى الإيرانى. وكانت الملاحظة الأذكى، التى قالها وزير الدفاع روبرت جيتس هى أن «الطريقة الوحيدة كى لا ينتهى بنا الأمر ولدينا إيران ذات قدرات نووية هى جعل الحكومة الإيرانية تقرر أن أمنها سوف يضعف حال امتلاكها أسلحة نووية». ولعل الطريقة الأمثل لتحقيق ذلك هى إغداق المساعدات العسكرية على جارات إيران. 4 لن تؤدى العقوبات إلى تغيير السياسة الإيرانية، بل ستؤدى إلى المزيد من إثراء الحرس الثورى الذى يدير قنوات التحايل على العقوبات من دبى، لكنها سوف تشترى بعض الوقت من أجل فحص إمكانات الاتصال. وقيل لى إن هذه طريقة أوباما الذى ما زال مقتنعا بفكرة تحقيق انفراجة مع إيران فى النظر إلى العقوبات. فبالرغم من أنه يراها ضرورية فى ضوء الضغوط من جانب الكونجرس وإسرائيل، فهو يرى أنه من غير المرجح أن تؤدى بإيران المعتادة على العقوبات إلى تغيير مسارها. ومن المثير للانتباه أن كلينتون تتحدث الآن عن فرض عقوبات فى «الأشهر العديدة المقبلة، لا فى الأيام الثلاثين أو الستين. ويُعد هذا أمرا مشجعا، لأن عقوبات جديدة لن تلتزم بها الصين سوى بالقول تساوى فشلا قديما. 5 كما لاحظت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد أثار تحدى إيران لقرارات الأممالمتحدة بشأن وقف تخصيب اليورانيوم، وطريقتها فى إخفاء ما تقوم به، القلق بشأن إمكانية وجود «أنشطة ماضية أو حاضرة تخص تطوير حمولة صاروخ نووى». ومع ذلك، فإن مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مازالوا فى إيران، وما زال يجرى القيام بعمليات تفتيش قوية لمفاعل ناتنز، وما زالت إيران إحدى الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووى، وما زالت الاستخبارات الأمريكية تعتبر أن إيران لم تتخذ بعد قرار صنع سلاح نووى. غير أنه يظل من غير الواضح ما إذا كانت إيران فى حالة الغموض النووى أم أنها تمارس اللعبة الأكثر خطورة المتعلقة بالسعى إلى امتلاك السلاح النووى. غير أنه من الواضح أنه ما زال لدينا وقت عامين على الأقل للتوصل إلى حل وسط يقنع إيران بما قامت به البرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا فى الماضى. 6 تتسم تحولات ما بعد انتخابات 12 يونيو بكونها مزلزلة. فقد أدت المطاردات الوحشية إلى إحداث جفوة بين ملايين الإيرانيين وبين النظام، مما خلق وضعا لا يختلف عن الوضع فى بولندا فى الثمانينيات. ولا يعنى ذلك أن التغير بات وشيكا. بل يعنى أن النظام الثيوقراطى يواجه شعبا أصبح يفطن لحقيقة هذا النظام. وكما قال لى الفيلسوف الكندى من أصل إيرانى رامين جاهان بيجلو من جامعة تورنتو، فإن «العنف يساوى الضعف الأخلاقى والسياسى». وإذا انتشر التذمر بين الحركة العمالية، مثلما حدث فى 1979 أو تصاعد غضب المؤسسة الدينية فى قم، فستصبح الاتفاقات فى حكم الملغاة. وقد أصبحت إيران أكثر هشاشة بكثير مما كانت عليه قبل عام. وأشك أنها سوف تستطيع إدارة عملية انتقال سلمى للسلطة حال وفاة خامنئى البالغ من العمر 70 عاما. تمثل إيران ما بعد الحماسة الخالية من الأوهام الإسلاموية واحدة من أكثر المجتمعات بعثا على الأمل فى الشرق الأوسط، وهو ما يرجع تحديدا إلى أن الصراع بين سلطة الله وسلطة الشعب يجرى التعبير عنه كل يوم. وقبل كل شىء، يريد معظم الإيرانيين علاقات طبيعية مع العالم. 7 ليست إسرائيل وإيران جارتين. بل إن كلتيهما غريبة عن المحيط العربى السنى فى الشرق الأوسط حيث إن إحداهما يهودية والأخرى شيعية. ولم تخض أى منهما حربا ضد الأخرى. ذلك أنه تحت حكم الشاه، تمتع البلدان بجميع أنواع الروابط باستثناء العلاقات الدبلوماسية. وخلال الأعوام العشرة الأولى بعد الثورة، كانت هناك علاقات بناءة بين البلدين، حيث وقفت إسرائيل مع إيران ضد العراق. وبالرغم من أن العداوة مستحكمة بينهما، فإنها ليست أمرا محتوما. وفيما يخص إسرائيل فإن فتح جبهة جديدة ضد بلاد فارس سوف يسفر عن نتائج مفجعة، إذ سوف يتفاقم غضب المسلمين، وسوف يقوم حزب الله وحماس بأسوأ ما يستطيعان فعله. ولن يكون بوسع أحد فى الشرق الأوسط التفرقة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة، وهو ما يضع قيودا على التحالف الأهم بالنسبة لإسرائيل، ويحول مساعى أوباما للتقارب مع المسلمين إلى أشلاء. ولن يجرى تعزيز الأمن الإسرائيلى، بل سيتم إضعافه. وسوف يتأثر الأمن الأمريكى والمساعى الأمريكية لتحقيق الاستقرار فى العراق وأفغانستان. ويمكن لإسرائيل أن تمنع إيران من الحصول على القنبلة عبر العمل مع الولاياتالمتحدة على اتخاذ إجراءات لا تصل إلى مستوى الحرب. وتقدم ترسانة إسرائيل النووية الكبيرة وقدرتها على توجيه الضربة الثانية لها الضمانات التى تحتاجها للسير فى هذا الطريق. 8 يتطلب تحقيق السلام فى العراق والهدوء فى أفغانستان والتقارب الإسرائيلى الفلسطينى مشاركة إيرانية. ذلك أنه عند إقصاء إيران، يصبح هذا البلد قوة تخلق الاضطرابات، بينما فى حالة إشراكها، يمكن أن تساعد أمريكا على أصعدة عدة، وأن تتخلى عن اندفاعها الثورى العنيف. غير أن ذلك يعبر عن مقترح لتغيير قواعد اللعبة، يتشابه فى راديكاليته مع الانفراجة، التى حدثت فى العلاقات الأمريكية الصينية عام 1972 وأدت إلى تغيير العالم. ويجب على أوباما أن يغلق الباب فى وجه الحشود التى تنبح، وأن يركز على الجائزة. 9 تمثل إيران الموطن الأصلى للألم، حيث إن مأساتها تسحق البشر. فمنذ الثلاثينيات على الأقل، ترواحت إيران بين التغريب القسرى وبين فرض الحكم الثيوقراطى، وبين حظر الحجاب ثم جعله إلزاميا، وبين السعى إلى التعددية ثم سحقها، وبين فتح المجتمع ثم إغلاقه بقوة. واليوم، فى عام 2010، أصبحت حركة إصلاحية، تسعى إلى رسم طريق فى المنتصف، يخْلِص لعقيدة إيران الشيعية كما يخْلِص لفطرتها الجمهورية، ملطخة بالدم أمام أعيننا. تتطلع النزعة الشيعية الكلاسيكية إلى الحكم العلمانى على الأرض، لا إلى الحكم المفلس الراهن لجماعة تزعم أنها تمثل النبى. لقد حان الوقت. لقد حان الوقت لأن تتوصل إيران إلى صيغة تحقق التوازن بين العقيدة والتعددية، وهى صيغة قد استعصت عليها على مدى قرن من الزمن. وحان الوقت لأن تساعد الولاياتالمتحدةإيران فى الخروج من عزلتها ليس عبر شوفينية بالين، ولا العقوبات الفارغة، ولا القنابل بل عبر الحزم المصحوب بالدبلوماسية الخلاقة والمشاركة المستمرة.