نشرت صحيفة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب سالم سالمين النعيمى بتاريخ 8 نوفمبر تناول فيه تأثير الجرائم الإلكترونية على الاقتصاد العالمى مشيرا إلى دور جائحة كورونا فى تنبيه العالم لخطورة التهديدات الإلكترونية؛ إضافة إلى ضرورة البحث عن العقول المبتكرة والذكية لمواجهة تلك التهديدات.. نعرض من المقال ما يلى. يشير كاتب المقال إلى أن الجرائم الإلكترونية العالمية كلفت الاقتصاد العالمى بأكمله ما يصل إلى 6 تريليونات دولار فى عام 2021، وهذه الجرائم الإلكترونية العالمية فى ازدياد سنوى بنسبة 15% وقد تتضاعف النسبة فى السنوات الخمس المقبلة. لفت الكاتب الانتباه إلى أن من يعتقد أن التكنولوجيا وحدها سوف تحل تحديات الأمن السيبرانى سيقع حتما فى فخ الثقة التخصصية المفرطة، ومحدودية الرؤية من منطلقات ضيقة، وذلك بما أن الأمن الوطنى للدول يتكون من مجالات وأبعاد متنوعة، لها تداعيات متشابكة ذات اعتمادية متبادلة وثيقة وكذلك أطواق عديدة مرئية وغير مرئية، مما يجعلنى أزعم أن الأمن السيبرانى ليس مجرد مجال معنى بتطبيق التقنيات والعمليات والضوابط بهدف حماية الأنظمة، وشبكات الحواسيب والبرامج والأجهزة والبيانات من التعرض للهجمات الإلكترونية، بل هو جزء لا يتجزأ من هوية الأمم وقيمها وأمنها السياسى والاقتصادى والاجتماعى والمعرفى. وفى أزمة كورونا تبين الدور الذى لعبته مواقع التواصل الاجتماعى فى تشجيع الشعوب على رفض التطعيمات والإجراءات الوقائية، والتشكيك فى نوعية معينة من الأدوات الوقائية الشخصية كالأقنعة الواقية وتزكية أخرى قد تكون ذات نوعية رديئة، بل موجه لمجتمع معين لرفع حالات الإصابة، وكانت كورونا ليست مجرد جائحة، بل حرب مكتملة الأركان، ومن تعامل معها على ذلك النحو تفوق على نفسه فى مواجهة حروب الجائحات. فجائحة كورونا كانت الانطلاقة التى دشنت عصر الأزمات المتزامنة والمتتالية لتغير العالم دون رجعة، وخاصةً فيما يتعلق بالجوانب المختلفة للمرونة التنظيمية، ومكافحة التهديدات الإلكترونية، وأهمية دمج تدابير الأمن السيبرانى فى ثقافة جميع المؤسسات العامة والخاصة وممارسات جميع أفراد المجتمعات، حيث كانت الهجمات التى نفذها المهاجمون عبر الإنترنت خلال أزمة كوفيد 19 هى الأعلى فى تاريخ البشرية، حيث استغل المجرمون نقاط الضعف النفسية التى جعلت الناس أكثر سذاجةً من حيث القرصنة والهندسة الاجتماعية والتصيّد الاحتيالى، وتحول الأمن السيبرانى إلى قضية الأمن الوطنى والقومى الأهم، والتى تدفعنا بشكل أسرع وأكثر نحو مستقبل رقمى. فالحقيقة أنه لا توجد دولة بمفردها قادرة على تأمّين أمنها السيبرانى دون تأمين أمن الشبكات العالمية لخطوط الربط العابرة لمحيطات العالم، ومحطات توفير شبكة الإنترنت، وصناعة المشبّهات الإلكترونية وغيرها من مكونات جذور الأمن السيبرانى، ناهيك عن تحول الجريمة المنظمة إلى جريمة منظمة ذكية قد يكون قوامها فردا واحدا أو شبكات قيادية غير هرمية وغير منظمة، ولها قواعد ومساحات عمل عصية على الحكومات، وتتفوق الجريمة المنظمة السيبرانية فيه على القطاع العام والخاص من حيث الإمكانيات والمواهب الاستثنائية والابتكار والاختراع، كما أن لها شراكات مع بعض الحكومات. هناك حاجة ماسة للمرونة التنظيمية فى مكافحة التهديدات الإلكترونية ومفاهيم مثل مقاومة الإرهاب، وما هو المقصود بالأسلحة الفتّاكة، والتى تقود لتفوق دول صغيرة على دول كبرى فى سردية حروب المستقبل والتى ظهرت ملامحها بقوة فى الصراع الروسى الأوكرانى، وهى مفاهيم وطرق بعيدة كل البعد عن هياكل وتجهيزات وقدرات غالبية دول العالم. والعالم العربى فى ذلك السياق التنافسى غير النمطى يحتاج لإعادة النظر فى رهاناته المستقبلية فى ظل تكدس العقول التى ترفض التغيير، والخروج من مناطق التمكن والراحة، والاعتماد على الولاءات الشخصية والتوصيات لخلق جيل قيادى يدين بالولاء للأشخاص والدوائر التى رشحتهم، ويعتبرون نسخا ليست بالضرورة مطورة لمن رشحهم، ويصاحب ذلك صد كل قوى رفض الاعتيادية والروتين. التركيز على رأس المال البشرى مهم، ولكن ماذا عن رأسمال العقول الاستراتيجية التى ترى ما وراء الآفاق وتصنع المستقبل بدلا من أن تتنبأ به أو تستشرفه! إذا العلة فى جعل الحل السحرى فى تحويل المنظومات إلى منظمات شابة، وفى البحث عن المواهب والعقول المبتكرة فقط، ومحاصرة وتهميش خبرات لا تتلاءم فى الفكر والنهج مع التوجهات الحالية أو وإحالتها إلى التقاعد، وهذا هو بيت القصيد! فالدول التى تقود العالم تقوده لأن لمفكريها واستراتيجييها الثقل الأكبر والحاسم فى دوائر صنع ودعم القرار.