قدمت سارة بالين اقتراحا لباراك أوباما حول كيفية إنقاذ رئاسته، قائلة على قناة فوكس نيوز الأسبوع الماضى: «لنقل إنه قرر إعلان الحرب على إيران.. أظن أن الناس قد يغيرون رأيهم قليلا ويقولون إنه ربما أكثر حزما مما نظنه اليوم». هذا هو نوع الكلام الذى نسمعه هذه الأيام. لقد استوحت بالين الفكرة من دانييل بايبس، وهو أحد المحافظين الجدد وخبير فى شئون الشرق الأوسط قال إن توجيه ضربة عسكرية لإيران من شأنه أن يحسن مصير أوباما السياسى. (بالين عَزت الفكرة إلى باتريك بوكانان، لكن من الواضح أنها أساءت بالكامل فهم مقال بوكانان، الذى عارض اقتراح بايبس. سئمت من الإشارة على الدوام إلى هذه الأخطاء المتكررة، لكن يبدو أن بالين ترشح نفسها للرئاسة). لقد عبرت وكالة الطاقة الذرية الدولية الأسبوع الماضى عن «قلقها» من أن النظام الإيرانى يستعد لتطوير أسلحة نووية، وليس فقط لتوليد الطاقة النووية. لكن هذا لا يغير الاعتبارات الكثيرة، التى لا تشجع على تسديد ضربة عسكرية من شأنها أن تؤخر البرنامج الإيرانى لبضع سنوات ليس إلا. ومن ثم هناك العواقب السياسية. سوف يحظى النظام بالدعم فيما يتضافر المواطنون الإيرانيون لدعم بلدهم. وسوف تجبر المعارضة على مؤازرة حكومة تتعرض للهجوم من الخارج. وسيدفع ذلك بالنظام إلى تعزيز دعمه وتمويله لأعمال العنف من أفغانستان إلى العراق فالخليج. وسيرتفع سعر النفط إلى حد كبير، والمفارقة أن ذلك سيساعد طهران على تمويل كل هذه العمليات. من المهم التنبه لخطورة ما تدعو إليه سارة بالين وأمثالها. إنهم يطلبون من الولاياتالمتحدة أن تقوم بغزو عسكرى لدولة لا تشكل خطرا محدقا على أمريكا، من دون موافقة أى هيئة دولية، فى حين أن قلة من الحكومات مستعدة لتأييد خطوة كهذه علنا. تنظيم القاعدة والمجموعات المماثلة له ستعتبره الغزو الأمريكى الثالث لدولة إسلامية خلال عقد، وهو دليل قاطع على أن الولاياتالمتحدة تخوض حرب حضارات. كل الدول العربية المعتدلة والحكومات الإسلامية ستكون فى موقف دفاعى. ومثلما باتت واشنطن تدرك حتما، فإن الحروب تطلق العنان لقوى لا يمكن توقعها أو السيطرة عليها. إن امتلاك إيران للأسلحة النووية أمر خطر ومزعزع للاستقرار، لكننى لست مقتنعا مثل بعض المحللين بأن ذلك سيحث المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا على السعى لامتلاك أسلحة نووية بدورها. إن لم تدفع ترسانة إسرائيل النووية الضخمة بمصر إلى السعى لتطوير أسلحة نووية، مع أن هذا البلد خاض ثلاث حروب ضد إسرائيل، فمن غير الواضح بالنسبة إلى لما سيؤدى امتلاك إيران لأسلحة نووية إلى ذلك. على الولاياتالمتحدة أن تستغل آخر تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل اعتماد إستراتيجية احتواء مشددة ضد إيران، جامعة بين الدول العربية المعتدلة وإسرائيل فى تحالف ضمنى، وطالبة من الدول الأوروبية أن تتخذ إجراءات أكثر حزما، ومشجعة روسيا والصين على تأييد العقوبات. لقد قال لى وزير الخارجية السابق جيمس بيكر على شبكة سى.إن.إن إنه يمكن للولايات المتحدة أن تضم إسرائيل ومصر ودول الخليج إلى مظلتها النووية، وهو أمر ألمحت إليه وزيرة الخارجية الحالية هيلارى كلينتون أيضا. فى الوقت نفسه، على واشنطن أن تدعم الحركة الخضراء، التى تعلق عليها أكبر الآمال لتغيير التوجه الأساسى للسياسة الخارجية الإيرانية. ليس واضحا مدى انتشار ومدى تنظيم هذه الحركة لكن إستراتيجيتنا طويلة الأمد يجب أن تتضمن دعم المجموعات، التى ترغب فى إقامة دولة إيرانية أكثر عصرية وانفتاحا. هل يمكننا أن نتعايش مع إيران نووية؟ فى الحقيقة، نحن نتعايش مع كوريا شمالية نووية (محاصرة ومضبوطة من قبل جاراتها). وقد تعايشنا مع اتحاد سوفييتى نووى وصين شيوعية نووية. يقال لنا إن إيران مختلفة. ولا يمكن ردع البلد بالترسانة الأمريكية الضخمة من الأسلحة النووية لأنه يدار من قبل مجموعة من الملالى المتصوفين غير العقلانيين والاستشهاديين الذين لديهم أوهام بأن التغيير العالمى الجذرى بات وشيكا. هذا لم يكن يوما وصفا دقيقا لنخبة إيران من رجال الدين والبراجماتيين القساة. ولكن ذلك أقل دقة الآن. التطور الأهم فى إيران كان انتقال النفوذ من النخبة المتمثلة برجال الدين إلى الحرس الثورى، وهى منظمة عسكرية أصبحت الآن مركز القوة الحقيقى. لقد أكدت كلينتون ما كان الكثيرون منا يشيرون إليه خلال العام الماضى وحذرت من نشوء «ديكتاتورية عسكرية» هناك. لا أعرف أى من الخيارين أسوأ للشعب الإيرانى: أن يحكمهم ملالى بغيضون أم جنود سفاحون. لكن هناك أمرا واحدا نحن متأكدون منه فيما يتعلق بالأنظمة العسكرية، وهو أنها تخطط دائما للمستقبل. وتتصرف بطرق تبقيها حية وفى السلطة. غريزة الحفاظ على النفس هذه هى التى ستجعل إستراتيجية الاحتواء ناجحة.