بعد 30 سنة لا يزال د. بطرس بطرس غالى وزير الدولة للشئون الخارجية الأسبق وأحد أبرز أعضاء فريق مفاوضات كامب ديفيد، يرى أن اتفاقية السلام التى وقعتها مصر مع إسرائيل فى 26 مارس 1979 كانت «أعظم انتصار دبلوماسى لمصر». وأعرب عن أسفه أن السادات لم ينجح فى ربط الانسحاب من سيناء بالانسحاب من الأراضى الفلسطينية، مؤكدا أن مفاوضات ميناهاوس «لم تكن مسرحية هزلية» وكان أمل مصر أن «يعقل الفلسطينيون ويحضروا هذا المؤتمر، كما أكد أنه «لا يوجد أى بنود سرية فى المعاهدة». الشروق: بعد 30 سنة من توقيع المعاهدة هل لا زلت مقتنعا بأنها أهم إنجاز حققته مصر؟ غالي: هى أفضل شىء بالنسبة لمصر لأننا استطعنا استرداد جميع الأراضى وقناة السويس والبترول، ولكن أهم من ذلك كان الفكر المصرى مركزا على القضية: كيف نتخلص من هذا الاحتلال وهذا كان على حساب أفكار وسياسات أخرى تكاد تكون أهم مثل؛ سياسات فى أفريقيا، ومياه نهر النيل، والعلاقات مع أوروبا، ومع مختلف أنحاء العالم، ومع الصين. ولكن حدث نوع من التشويش أن كل تفكيرنا انصب على قضية احتلال الأراضى المصرية، لو حبينا نفسرها تفسيرا آخر هنقول: إن من تولوا السلطة (بعد ثورة يوليو 1952) كان كل تفكيرهم كيف ننتصر مرة أخرى بعد أن انهزمنا فى 48؟. كون أننا عرفنا نتخلص من هذه العقدة، يكاد يكون فى رأيى أهم من المكاسب: الأرض، وقناة السويس، والبترول، وطابا، والعريش. على الأقل استطعنا أن ننتقل لحل مشكلات أخرى. طبعا لم ننجح فى أن نربط الانسحاب من سيناء بالانسحاب من غزة والضفة الغربية. الشروق: ما رأيك فيما قيل إن ميناهاوس ومحاولات السادات للحصول على حقوق الفلسطينيين لم يكن سوى مسرحية هزلية؟ غالي: بالعكس، أنا أرسلت خطابا شخصيا لياسر عرفات ونشرته فى كتاب بعد ذلك. قابلت مندوب فلسطين وقتئذ وقلت له: من مصلحتكم أن تحضروا، وكان هذا أملنا، ولم تكن مسرحية إطلاقا أن يحضروا. ماذا كانوا سيخسرون فهو مؤتمر غير علنى وغير رسمى. الشروق: ما هو فى رأيك الذى منع الفلسطينيين من الذهاب، هل فعلا منعهم السوفييت والسوريون من الحضور كما صرح بعض المسئولين الفلسطينيين فيما بعد؟ غالي: كان عدم ثقة فى مبادرة السادات. الشروق: عدم ثقة.. أم خوف من غضب بقية العالم العربى؟ غالي: لا، هى عدم ثقة، عملية السادات للسلام كانت مفاجأة وأتت بنتيجة على المستوى الإسرائيلى المصرى ولكنها أخافت البلاد العربية، وقالوا إنها خطوة لاتفاق ثنائى، وكان كل المجهود الذى بذلناه هو لأننا نريد أن نثبت للعالم العربى أنه ليس اتفاقا ثنائيا. فبعد مفاوضات كامب ديفيد كانت أول زيارة للسادات إلى المغرب وكان من المفروض أن يحضر العاهل الأردنى الملك حسين، فكان هناك اتفاق ثلاثى وكان الغرض منه إثبات أنها ليست اتفاقية ثنائية وأننا نريد أن نشرك جميع الأطراف.. آخر معلوماتى، وأنا واثق من ذلك أن الملك حسين لم يحضر بناء على نصيحة دبلوماسية بريطانية، إذ نصحته بألا يذهب لأنها عملية غير مضمونة. وكلنا كنا خائفين، من أن تكون عملية غير مضمونة، ويمكن ألا تنجح، وأنه بعد أن شاهدنا الهزيمة العسكرية نرى الهزيمة الدبلوماسية. الشروق: عندما تقارن اتفاقية السلام 79 والمبادرة العربية المطروحة حاليا، هل ترى أوجه شبه وهل ترى أن سنين طويلة وفرصا كثيرة قد ضاعت للسلام؟ غالي: لا يمكن أن أقول ضيعنا، لأن الاتفاقات أو الصلح يحتاج إلى النضوج، ولو ضربنا مثلا بألمانياوفرنسا، فهما دولتان لهما ثقافة وحضارة ومكانة فى العالم، حاربا فى 1870. ودخلت القوات البروسية فرنسا وحاربا 1914 و1939. واحتاجا إلى 80 سنة حتى يصلا إلى شخصية جبارة مثل الرئيس الألمانى كونراد أديناور والفرنسى شارل ديجول. اليوم لا يستطيع أحد أن يفكر إطلاقا فى احتمال اندلاع أى نزاع بين ألمانياوفرنسا. الشروق: هناك نقطة تثار دائما.. تصدير البترول إلى إسرائيل؟ غالي: لا توجد فى الاتفاقية أى كلمة متعلقة بتصدير البترول إلى إسرائيل. وقد نشرنا الاتفاقية بجميع تفاصيلها وجميع الملاحق فى كتاب أبيض. ولا يوجد أى اتفاق سرى. فهذا غير صحيح، وقد كنت مشاركا فى العملية منذ اليوم الأول عند زيارة القدس مع السادات وبداية المفاوضات يومها مساء مع مصطفى خليل، وحتى التحكيم بخصوص طابا لم توجد أى بنود سرية ولو كان هناك اتفاق سرى بعد 30 سنة الآن، كان لا يمكن إخفاؤه وكان قد نشر. الشروق: ماذا تعنى لك اتفاقية السلام على الصعيد الشخصى؟ غالي: كانت بالنسبة لى أول وأهم تجربة فى حياتى. عمرى الآن 87 سنة واقتربت من المرحلة الأخيرة لحياتى ولكن لا تزال أهم حدث فى حياتى، بعد ذلك توليت رئاسة الأممالمتحدة وشاركت فى نهاية الابارتهايد فى جنوب أفريقيا ونهاية حرب كامبوديا وسلفادور. لا مقارنة بين جميع هذه النجاحات بالنسبة لزيارة القدس. الشروق: هل كنت تشعر بالخوف وأنت فى الطائرة فى الطريق الى القدس؟ غالي: لا، الخوف بدأ بعد ذلك، وكان الخوف من أنه بعد كل هذا المجهود ينتهى الأمر بالفشل. وكان العالم العربى كله ينتظر أن نفشل، كى تعود مصر أو عودة الابن الضال. الشروق: تُنتقد الاتفاقية على أنها لم تحقق شيئا لمصر على الصعيد الاجتماعى، والسياسى، والاقتصادى؟ غالي: لقد اتفقنا أنه بعد الحرب يكون «السلام البارد» مثل الحرب الباردة، مادام أن القضية الفلسطينية لم تحل، وأنا لا أستطيع أن أتعامل مع إسرائيل وهم يضربون غزة أو يحتلون جنوب لبنان. لقد قلناها أكثر من مرة، مادام أنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية فلن نحقق السلام الحقيقى. الشروق: هل ترى أن الاتفاقية هى التى أطلقت العنان لإسرائيل لاجتياح لبنان بعد أن اطمأنت إسرائيل على هدوء الجبهة المصرية؟ غالي: هذه الاتفاقية هى التى دفعت الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى نفس الطريق، ولم يضرب أحد عرفات على يده ليتفاوض مع الإسرائيليين. كما لم تكن هناك وسيلة أخرى غير المعاهدة والدليل على ذلك المفاوضات التى استمرت على مدى عشر سنوات بين سوريا وإسرائيل حول الجولان.. هذا دليل أن نفس الأسلوب الذى اتخذته مصر يستعمل فيما بعد ولجأ إليه الفلسطينيون والسوريون ماذا تريدون أكثر من ذلك. هناك غيرة بين هذه البلاد، ولديها أمل أن تتولى زعامة العالم العربى، لا يجب أن ننسى أن بغداد كان لديها أمل فى أن تتولى زعامةالعالم العربى. كان هناك دائما، فى رأيى منافسة مستقرة بين بغداد والقاهرة والدليل حلف بغداد. الشروق: من أكثر الشخصيات تجاوبا مع السادات خلال المفاوضات؟ غالي: الذى انسجم مع السادات كان عزرا وايزمان ولكن السادات، لم ينسجم مع موشى دايان، السادات كان مؤمنا بوجوب التعاون مع المتطرفين؛ لأنهم لو أعطوا شيئا فالاتفاق يكون له قوة. لم يكن يريد إطلاقا التعامل مع حزب العمل. الشروق: هل كان يمكن للسادات أن يحصل على ما هو أكثر من ذلك خاصة فى موضوع تسليح سيناء لو كان أكثر تعنتا أو تمسكا بمواقفه؟ غالي: لا.. ذلك مجرد كلام، لقد حققنا استرداد جميع أراضينا بالكامل حتى آخر لحظة كانوا عرضوا علينا تقسيم آخر نقطة حتى يبقى الفندق الذى بنوه فى طابا داخل إسرائيل، ولكننا رفضنا. لقد أخذنا أرضنا بالكامل. الشروق: ما ردك على الاتهام الموجه إلى الاتفاقية بأنها لم تؤد إلى شىء وأنها لم تأت بالرفاهية التى وعدنا بها؟ غالي: هذه الانتقادات هى شماعة الدول المتخلفة التى لا تريد أن تعترف بسبب تخلفها أو أن تعترف أن المسئولية فى كثير من المشكلات مسئولية داخلية، فتبحث عن شماعة. ظللنا 20 سنة نقول الاستعمار ونلومه على كل شىء ثم لمنا الصهيونية ثم كامب ديفيد وغدا سنقول الاستعمار الجديد أو المؤامرة.. فهل غزو العراق للكويت كان مؤامرة من الاستعمار، وهل الخلاف بين السنة والشيعة بسبب الاستعمار؟!.. الانقسام العربى، الخلاف بين الجزائر والمغرب وما يحدث فى السودان وتفكك الصومال.. هل هو الاستعمار؟! الشروق: هل تعتقد أن فرص السلام لا تزال سانحة بين الفلسطينيين وإسرائيل؟ غالي: بعد 30 سنة سيكون عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل مساويا لعدد الإسرائيليين لأن الأسرة الفلسطينية تنجب ما بين 3 و5 أطفال. فبعد 30 سنة، سيصل الفلسطينيون المسلمون إلى 40 أو 50٪ من السكان وعندها سيتغير الوضع. عندها ستنتهى الدولة اليهودية، فكيف تكون دولة يهودية بينما نصف السكان مسلمون. لن أحتاج إلى حرب فعندى واقع ديمغرافى. الشروق: هل يعنى ذلك أن ننتظر دون أن نفعل شيئا؟ غالي: لا.. لا أقول ننتظر، بل أقول نستمر فى الكفاح حتى نجد رئيسا أمريكيا جديدا مهتما بالقضية أو رئيسا إسرائيليا جديدا يؤمن بأهمية التعايش فى المنطقة. لقد عشت تجربة جنوب أفريقيا وهناك تشابه كبير بين جالية بيضاء لها الحكم وأغلبية أفارقة محكومين. وقد قال لى رئيس الجمهورية حينئذ أننا بعد 20 سنة لن نستطيع أن نحافظ على وجودنا ومن مصلحتنا أن نتصالح مع الآخر، ومع كل الامتيازات التى كانت لهم اضطروا للتنازل. أنا أعرف أن الأوضاع الديموغرافية لها وزن كبير فى معالجة أى قضية سياسية. الشروق: هل تريد أن تضيف شيئا؟ أريد أن أقول وبصراحة شديدة: إن المعاهدة كانت أكبر انتصار دبلوماسى لمصر، يعنى لو جبنا تاريخ مصر سيكون أكبر انتصار يذكر فى التاريخ.. لن أقلل من افتتاح قناة السويس أو ثورة 1919 ولكنها مثل المعاهدة التى عقدها رمسيس الثانى ملك الحيثيين بعد معركة قادش والمنحوتة على جدار أبوسمبل.. غدا وبعد 50 سنة من الدراسات الخاصة بالمنطقة ستذكر هذه الزيارة، فقد قام بها السادات بطريقة دراماتيكية. الشروق: هل لو كان أداها بطريقة أخرى كان سيكون تأثيرها أخف وطأ على الدول العربية؟ غالي: لأ، لأنها كانت ستواجه صعوبات ومعارضة وستكون أكثر بطئا، وبالعكس هذه الطريقة الدراماتيكية هى التى أعطت هذه الدفعة.. بعد مائة سنة من تاريخ هذه المنطقة، الحادث الذى سيظل باقيا هو زيارة السادات إلى القدس. من بطرس غالى بطرس بطرس غالى، دبلوماسى مصرى، ولد يوم 14 نوفمبر 1922. شغل منصب وزير الدولة للشئون الخارجية فى عهدى أنور السادات ومحمد حسنى مبارك. صاحب السادات فى رحلته إلى القدس فى نوفمبر 1977 وكان عنصرا أساسيا فى المفاوضات التى قادت إلى توقيع معاهدة السلام الأولى بين دولة عربية وإسرائيل. هو حفيد بطرس نيروز غالى رئيس وزراء مصر فى أوائل القرن العشرين الذى اغتاله إبراهيم الوردانى. والده يوسف بطرس غالى كان وزيرا للمالية. تزوج من ليا نادلر، يهودية مصرية من الإسكندرية. بعد حصوله على إجازة الحقوق من جامعة القاهرة فى عام 1946 حصل على الدكتوراه من فرنسا فى عام 1949. عمل أستاذاً للقانون الدولى والعلاقات الدولية بجامعة القاهرة فى الفترة (1949 1977). أسس مجلة السياسة الدولية الفصلية بجريدة الأهرام. عمل مديرا لمركز الأبحاث فى أكاديمية لاهاى للقانون الدولى ( 1963 1964 ) كان نائباً لرئيس الاشتراكية الدولية حتى تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة. تولى منصب أمين عام الأممالمتحدة 1992 1996 بمساندة فرنسية قوية ليصبح أول أفريقى يتولى هذا المنصب، فى فترة سادت فيها صراعات فى رواندا والصومال وأنجولا ويوغوسلافيا السابقة. لم تمتد رئاسته لفترة ثانية بسبب استخدام الولاياتالمتحدة لحق الفيتو بعد انتقادها له. خاصة لتجاوزه توجيهات واشنطن بعدم نشر تقرير يدين إسرائيل فى الغارة الجوية على مبنى للأمم المتحدة فى قرية قانا اللبنانية فى أبريل 1996حيث قتل العشرات من المدنيين. ترأس منظمة الفرانكوفونية الدولية بعد عودته من الأممالمتحدة. يرأس المجلس الأعلى لحقوق الإنسان (حكومى مصرى).