في 4 أكتوبر الجاري، فاز الفرنسي آلان أسبيكت، والأمريكي جون كلاوسر، والنمساوي أنتون تسايلينجر، بجائزة نوبل في الفيزياء، وذلك لجهودهم في مجال فيزياء الكم. وتساءل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن ماهية نظرية التشابك الكمي التي كانت ملخص أعمال العلماء الثلاثة على مدار سنوات. البعض صمم "كوميكس" على هذه النظرية لتبسيطها لعقول الجميع فقيل: "التشابك الكمي يعني ارتباط إليكترونين ببعضهما دون افتراق، فعندما يوجد إليكترون في كوكب الأرض يقول (السود عيونه)، الإليكترون الموجود في الفضاء سيقول (يا ولا) في نفس اللحظة". قد يبدو هذا التشبيه ساخرًا، ولكنه في الحقيقة أساس نظرية التشابك الكمي، فهي ترمز إلى اقتران إليكترونين تتغير حالتها في نفس اللحظة، وتواصلت "الشروق" مع الدكتور محمد شرف الشهير ب"شرفشتاين"، اليوتيوبر والحاصل على شهادة الدكتوراه في البيولوجيا الجزيئية وماجيستير في الكيمياء الحيوية، والإجازة في الهندسة الكيميائية، لشرح هذا الإنجاز الفيزيائي العظيم. بدأ "شرف" حديثه مع "الشروق" بشرح نظرية التشابك الكمي قائلًا: "في قوانين التشابك الكمي، أي جسمين في حالة تشابك يتصرفا عكس بعضهما، فأي إليكترون له دوران، وعندما يكون الإليكترون متشابكًا مع غيره، يكون دوران إليكترون منهما مع عقارب الساعة، والآخر عكس عقارب الساعة، وهذا شيء حتمي، والغريب وما حير العلماء في الأساس، هو أن حالة الإليكترونين يتغيران لحظيًا، فعلى سبيل المثال إذا كان الإليكترون لونه أبيض والآخر أسود، وتغير لون واحد منهما، فحتميًا سيتغير الآخر في نفس اللحظة". أوضح "شرف" أن عدم وجود فارق زمني لتغير الإليكترونات أو الأجسام سبب مشكلة في الأوساط العلمية لأنه هدد النظرية النسبية وخالف أفكار العالم آينشتاين الذي أكد استحالة نقل بيانات من جسم لآخر أسرع من سرعة الضوء، لأنه إن حدث ذلك، ستنتقل البيانات إلى الماضي، وهذا شيء غير منطقي على الإطلاق. وشرح شرف أن آينشتاين أقر مبدأ السببية، وهو أن لكل فعل أثر، فإذا كان لدينا إليكترونين، وتغير أحدهما فسيترتب عليه تغير الآخر كنتيجة لتغير الأول، وكأن هناك اتفاقًا ضمني بينهما، أو بيانات خفية داخل الإليكترون لا يراها العلماء، بينما أصر علماء فيزياء الكم على أن الإليكترونان يتغيران لحظيًا دون سبب ودون اتفاق أو بيانات، ودون أيضًا شرط التواجد في نفس المكان، فانقسم المجال العلمي إلى فئة تناصر أفكار آينشتاين، وأخرى تناصر علماء فيزياء الكم، فهل يتغير الإليكترونين لحظيًا، أم أن واحدًا يتغير بعد الآخر؟. حاول أحد العلماء اسمه جون ستيوارت بيل، حل هذه المعضلة الفيزيائية عن طريق الرياضيات، فهو ابتكر مبرهنة أو متباينة تدعى "متباينة بيل" لقياس احتمالة نظرية المتغير الخفي، التي صاحبها آينشتاين بعد زعمه بوجود بيانات خفية داخل الإليكترون تجعل قرينه يتغير، وتوصل بيل إلى قيمة معينة، وأوضح للعلماء أنه بحساب المتباينة إذا كان الناتج أكبر من هذه القيمة فسيكون آينشتاين صحيحًا، ويوجد مبدأ سببية وبيانات خفية في الإليكترونات وهي ما ينتج عنه تغيير الإليكترونات، أما إذا كان ناتج المتباينة أقل من هذه القيمة، فعلماء الفيزياء هم الصواب، والتغير بين الإليكترونات المتشابكة يحدث لحظيًا دون أي سبب. وضع العالم جون ستيوارت بيل المتباينة النظرية، ولكنه لم يختبرها، فجاء هنا دور العالم الفرنسي آلان أسبيكت، والأمريكي جون كلاوسر، اللذان حصلا على جائزة نوبل في الفيزياء، فهما استطاعا اختبار هذه المتباينة بنجاح، فيقول شرف ل"الشروق": "اختبر العالمان الكبيران المتباينة عن طريق الضوء، ليثبتا إذا كان الضوء ينتقل لحظيًا أم لا، فأحضرا أجزاء من الضوء تسمى (فتونات)، وأحدثا بينهما تشابكا كميا، فلدينا الآن فوتون وفوتون آخر مرتبطان ببعضهما، وقاسا السرعة والقيمة التي أوصى بها بيل، فوجدا أن القيمة أقل مما أقره العالم الكبير، أي أن الانتقال يحدث لحظيًا". انتصر العالمان أسبيكت وكلاوسر لعلماء فيزياء الكم، وضحد فكر آينشتاين، وأشار شرف إلى أن ذلك يعتبر إنجازًا عظيمًا لأن سرعة الانتقال اللحظي بين إليكترون أو جسم وآخر ستحدث ثورة تكنولوجية، فهي سرعة غير طبيعية لنقل البيانات، وأوضح شرف أنه إذا أردنا إرسال رسالة من شخص من كوكب الأرض إلى آخر عند الشمس فستسغرق مدة إرسال الرسالة 8 دقائق، أما إذا أرسلناها عند أطراف المجرة فستستغرق الرسالة 100 مليون سنة حتى تصل، ولكن أصبح لدينا وسيلة اتصال تنقل أي رسالة لأي مكان في الكون لحظيًا. بالرغم من هذا الإنجاز الكبير للعالمين أسبيكت وكلاوسر، إلا أنه ظهرت مشكلة جديدة أمام العلماء، وهي "ما الوسيلة التي سننقل بها المعلومات بين الإليكترونين المتشابكين؟ كيف أنقل هذه المعلومات لحظيًا؟" خاصة وأن الانتقال قائم على الاحتمالات، فربما تصل الرسالة التي أريد إيصالها عكسيًا، لأنني لا أعلم كيف ستستقبل الإليكترونات الرسالة. جاء هنا دور العالم الثالث الذي فاز بجائزة نوبل للفيزياء، النمساوي أنتون تسايلينجر، الذي توصل إلى حل لهذه المعضلة فيقول شرف: "فكرة نقل بيانات من مكان لآخر لحظيًا كانت جزءا من أفلام الخيال العلمي، عندما كنا نشاهد أفلام ستار تريك ونرى الأشخاص تنقل لحظيًا إلى مكان آخر، ولكن استطاع أنتون تحويل الخيال إلى حقيقة". وأضاف: "أحضر أنتون أجزاء من الضوء التي تسمى فوتون، 2 فوتون لديهما تشابك كمي، بالإضافة إلى فوتون ثالث، واستطاع نقل خواص الفوتون الثالث للفتونات المتشابكة، بمعنى، إذا كان لدينا فوتون أول لونه أحمر وفوتون ثاني لونه أزرق، فبحسب نظرية التشابك الكمي، إذا تغير لون الفوتون الأول وأصبح أزرق، سيصبح الثاني عكسه لحظيًا، فكيف ننقل لهم البيانات؟ أحضر أنتون فوتون ثالث فرضًا أن لونه أخضر، وأراد إيصال خواصه إلى الفوتون الأول الأحمر، فأصبح الفوتون الآخر لونه أخضر أيضًا، أي أنه نجح في نقل بيانات رسالته من الخارج إلى داخل الإليكترونات المتشابكة، وحل محل الإليكترون الموجود واستحوذ عليه ببياناته وأصبح جزءا من هذا التشابك". وعن أحقية فوز العلماء الثلاثة بجائزة نوبل في الفيزياء، أكد شرف أن الجائزة منحت لهم لإثبات الانتقال اللحظي للبيانات دون اتفاقات مسبقة بين إليكترون وآخر، وتطوير هذا الإنجاز لنقل فعلي للبيانات من مكان لآخر، فهذا إنجاز عجز العلماء لعقود عن إيجاد حل له، حتى فك رموزه هؤلاء الباحثون الثلاثة. وعن أثر هذا الإنجاز الكبير على حياة البشرية، أوضح شرف أنه بمثابة ثورة تكنولوجية لأنه سيستخدم في الحواسيب الكمومية، وشبه شرف تقنية هذه الحواسيب الحديثة بحواسيبنا الحالية، بأن الحواسيب الحالية ستصبح مثل الآلة الحاسبة بالنسبة للتقنيات المتطورة التي ستشهدها هذه الحواسيب، مؤكدًا أن سرعتها لن تقارن بأي شيء عرفناه من قبل، لأنها ستستخدم سرعة أكبر من سرعة الضوء، فهي بالتأكيد ثورة علمية لا محالة. لن يقتصر استخدام الإنجاز الجديد على الحواسيب فقط، بل ستستفاد الاتصالات أيضًا من هذا الإنجاز، بالإضافة إلى تحسين قدرة الأقمار الصناعية على العمل، وبالطبع لن تخلو أبحاث الفضاء من استخدام هذه النظرية المبهرة، فهي ستساعد في اكتشاف المزيد والمزيد من هذا العالم. يقول شرف: "ظننا أننا نعيش ثورة إلكترونية حاليًا بسبب الكابلات التي تعمل بالألياف الضوئية، ولم نكن نعلم أن هؤلاء العلماء سيكتشفون طريقة لنقل البيانات لحظيًا، أي أنك ستنقل معلومتك لغيرك في نفس اللحظة، وستقوم بتنزيل أي شيء فور ضغطك عليه، فستنتقل البيانات من أي مكان لآخر في اللازمن، وهذا هو المستقبل، فالفيزياء الكمية صادمة لأنها تحمل في طياتها الكثير والكثير، الذي نتخيله والذي يكون أبعد من تخيلاتنا".