بينما تضخم وسائل الإعلام الغربية من الهجوم العسكرى المشترك الأخير، فإن الكثيرين فى أفغانستان يرون فيه مؤامرة. أدت التغطية الإعلامية للعملية المشتركة للقوات الأفغانية وقوات الناتو فى جنوبأفغانستان إلى جعل منطقتى ناد على ومرجه المجهولتين مشهورتين فى جميع أنحاء العالم. وتُعد هذه العملية التى تحمل اسم «مشترك» بلغة دارى أول عملية كبيرة تقوم بها أمريكا فى أفغانستان منذ أن تقلد الرئيس باراك أوباما مهام منصبه. كما أن الاهتمام الكبير الذى حظيت به هذه العملية فيما يتعلق بالتغطية الإخبارية يُعد متعمدا. التغطية العالمية تتناقض بشدة مع الطريقة التى يُنظر بها إلى هذه العملية على أرض الواقع فى أفغانستان. ففى هذا البلد، تُرى عملية «مشترك» عبر منظور البارانويا الإثنية، والشك فى الذات الوطنية، ونظريات المؤامرة. وقد منعت هذه العوامل الثلاثة وسائل الإعلام الأفغانية من تصوير الحملة فى مرجه وناد على أنها جهد أفغانى موحد ضد عدو مشترك، هو طالبان. وعند قراءة ما بين السطور فى افتتاحيات صحف المعارضة الأفغانية، لا يسع المرء سوى الشعور بأن المعارضة ليست مهتمة باكتمال نجاح العملية. ففوق كل شىء، سوف يؤدى نجاح عملية هلمند إلى استعادة حكومة كابول شرعيتها، التى فقدتها بفعل التلاعب فى نتائج الانتخابات الرئاسية التى أجريت عام 2009. ونظرا لأن المعارضة ليست لها مصلحة تُذكر فى حدوث مثل هذه الانتصار، فقد نشرت وسائل الإعلام، التى تنتقد الحكومة افتتاحيات تقلل من أهمية العملية، وتلقى بظلال من الشك حول الأهمية الإستراتيجية لمرجه وناد على، وتقوم بالتضخيم من قضية الضحايا المدنيين هناك. وقد شُنت عملية «مشترك» كى ترمز إلى روح جديدة من التعاون، وإلى حق الأفغان فى محاربة طالبان. لكن على أرض الواقع، أصبحت هذه الحرب تجسد الصراعات الداخلية بين الأفغان وبعضهم البعض. ولعل ما يدعو للسخرية أن لفظ «مشترك»، الذى يعبر عن روح التعاون، هو بالضبط ما تفتقر إليه التغطية الإعلامية المحلية للعملية. وتعبر صحيفة ماندا جار اليومية التى سبق حظرها بزعم التجديف عن انتقادها بطريقة مميزة من الفظاظة. فقد طرحت السؤال التالى: هل تحظى مرجه وناد على بأهمية إستراتيجية تبرر بذل هذه الجهود المكثفة؟ وأضافت الصحيفة أن السكان المحليين أنفسهم دُهشوا إزاء الأهمية، التى أعطيت لمنطقتهم، وأعربوا عن شكوكهم فى كون نشر 15 ألف جندى هناك لطرد طالبان أمرا ضروريا. وكان لدى صحيفة أنيس الموالية للحكومة التى ربما توقعت مثل هذا الانتقاد رد جاهز على هذا السؤال. إذ قالت إنه بالرغم من أن مرجه وناد على ليست لهما أهمية إستراتيجية واضحة، فإن الأهمية الرمزية للعملية هناك تتمثل فى أنها أتاحت فرصة لاختبار مهارات الجيش الأفغانى فى مواجهة طالبان. وأضافت الصحيفة أن نتيجة العملية سوف تحدد مستقبل الحرب فى أفغانستان. وبالرغم من نفى صحف الحكومة والمعارضة أن يكون اختيار مرجه وناد على راجعا إلى أسباب إستراتيجية وعسكرية واضحة، فلم يكن لدى طالبان نفسها مثل هذه الشكوك. ذلك أنه فى مقابلة مع قائد طالبان فى مرجه، قال إن الحركة تعتبر العملية جزءا من المؤامرة الإمبريالية العالمية التى ترى أن مرجه وناد على لهما أهمية إستراتيجية وعسكرية خاصة. وقد أجريت تلك المقابلة مع الملا عبدالرازق أخوند، قائد طالبان فى مرجه، بلغة البشتون، ونشرت فى موقع شرجه. وتبين المقابلة أن منظور طالبان التآمرى بشأن الموقع الجغرافى لهلمند يعطى هذا الإقليم أهمية إستراتيجية. وخلال المقابلة، ذكر أخوند أربعة أسباب أساسية تفسر وفقا لرؤية طالبان لماذا يمثل هلمند أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للناتو. فقد زعم قائد طالبان أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا تنويان تأسيس مراكز مراقبة على طول الحدود بهدف جمع معلومات استخباراتية وعسكرية بشأن إيران. ومضى أخوند قدما ليزعم أنه بالنظر لأن هلمند قريب أيضًا من جوادار، الميناء الباكستانى ذى الأهمية الاقتصادية بالنسبة للصين، فإن السيطرة على الإقليم سوف تسمح لواشنطن بالحد من نفوذ منافسها الاقتصادى الرئيسى فى المنطقة. ثم زعم أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا تهتمان أيضا بالسيطرة على معامل إنتاج المخدرات فى هلمند، فى محاولة للتربح من تجارة الهروين العالمية. وكان السبب الرابع الذى أشار إليه أخوند يتعلق بموارد هملند من اليورانيوم. فقد قال قائد طالبان إنه «وفقا لشهود عيان، تقوم القوات البريطانية بإحضار كميات كبيرة من المعدات فى المنطقة، وقد بدأت فى استخراج اليورانيوم هناك، وتقوم طائرات النقل البريطانية بالإقلاع والهبوط فى هذه المنطقة عدة مرات يوميا». ومن ثم، فإن النظر إلى العملية انطلاقًا من نظرية المؤامرة الدولية كما أشار أخوند يؤدى إلى افتراض أن التنافس الأمريكى مع إيران والصين وموارد اليورانيوم وتجارة الهيروين هى الأسباب، التى تفسر القيام بالعملية العسكرية الراهنة فى مرجه وناد على. ووفقا لأحد الأدلة القصصية، تعكس آراء الملا أخوند رؤية أغلبية سكان أفغانستان. وبالرغم من أن نظرية المؤامرة تتخذ أشكالا متعددة، فإن القاسم الذى يجمع بين هذه الرؤى هو إنكار واقع أن العنف له جذور محلية وأن المشكلة قد خُلقت ذاتيا وستظل كذلك. وهذا الإنكار هو الشىء «المشترك» بين جميع الأطراف، من الحكومة إلى المعارضة إلى طالبان. Guardian International Syndication