اعتدنا أن يثير مهرجان برلين السينمائى الدولى كل عام العديد من القضايا السياسية المهمة بل ويساعد فى توجيه بعض الرسائل التى ربما فشل أصحابها فى إيصالها بالطرق الدبلوماسية.. وفى دورته الستين هذا العام كانت المفاجأة كبيرة عندما وجدنا أن هناك أكثر من عمل سينمائى يحاول أن يصحح صورة الإسلام فى الدول الأوروبية والعالم الغربى كله، وذلك من خلال أفلام تحمل رسالة واضحة وهى أن العالم الإسلامى بل والعربى كله ليسوا إرهابيين يسعون دائما إلى العنف والقتال واضطهاد النساء وهى الموضوعات التى كانت ترتكز عليها بعض أفلام السنوات الماضية وهو ما زاد من الإساءة إلى المسلمين والإسلام وخاصة بعد ان أصبح التركيز كله فى هذه الأعمال على الجانب السلبى وربما المظلم والمتطرف. وكان مهرجان برلين السينمائى الدولى هذا العام هو بمثابة انطلاقة لهذا الفكر الجديد الذى يهدف إلى تحسين الصورة بعيدا عن الإرهاب والقتل من خلال مجموعة من الأفلام منها الفيلم البوسنى «على الدرب» والألمانى «شهادة»، والتركى الألمانى «عندما نغادر» وأخيرا فيلم «اسمى خان» الهندى وجميعها تقدم صورة جديدة عن الإسلام وهو أيضا ما أكدت عليه مجلة هوليوود ريبورتر فى تقريرها الخاص عن المهرجان مستشهدة برأى المخرج «برهان كوربانى» الذى يقول «استغرق الامر عشر سنوات منذ أحداث 11 سبتمبر لتقديم هذه الموضوعات ولكنها اخيرا انتقلت من الصحف والمقالات إلى دور السينما». ويشارك المخرج برهان فى المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلمه «شهادة» أو «الإيمان» ويدور حول ثلاثة مسلمين رجلين وامرأة هما «مريم، وسمير وإسماعيل» يعيشون فى ألمانيا ويناضلون من أجل هويتهم الدينية والثقافية، كما يناقش الفيلم معاملة الإسلام مع الشذوذ الجنسى وحقوق المرأة ويصور صعوبة كونهم مسلمين فى مجتمع تغلب عليه الثقافة المسيحية. برهان مخرج من أصل أفغانى ولكنه نشأ فى ألمانيا لذا يعبر الفيلم جزئيا عن التناقضات فى الثقافات وحقيقة أن يعيش الإنسان فى مكان لا ينتمى إليه فعلا. ويكشف برهان رسالة فيلمه قائلا «على الرغم من أنى مسلم إلا أننى اعترف ان المسلمين كسالى جدا فى محاولة التكيف مع الإعلام وربما يشعرون بالارتياح فى خوفهم من الثقافة التى لا يعرفون عنها شيئا، فنحن حتى لا نحاول ان نوجه الأسئلة لنعرف ونكتشف.. فبالنسبة لى فيلمى هو عبارة عن محاولة للحوار وبداية للتحدث عن الإسلام واهتمام الناس به». ولم يبتعد أيضا الفيلم الهندى الذى يعرض خارج المنافسة «اسمى خان» عن هذا الشعار وهو التحدث عن الإسلام بشكل لائق وجعل العالم يهتم به حيث يدور حول رجل هندى يسافر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وهناك وبعد أحداث 11 سبتمبر يكتشف اضطهاد الأمريكين للمسلمين والإسلام ونجح مخرج الفيلم «كاران جوهار» فى هذا الفيلم بإثارة فكرة جديدة على السينما الهندية من خلال بطل الفيلم الممثل «شاهروخ خان» والذى يلعب دور «ريزوان خان» فى الفيلم وهى الوقوف ضد الهستريا الأمريكية لمعاداة الإسلام من خلال محاولة البطل الوصول إلى الرئيس الأمريكى جورج بوش ليوصل رسالته التى تقول « اسمى خان ولست إرهابيا». ويقول الممثل خان عن الفيلم «لا نريد من الفيلم أى عدوان أو اثارة للمشاكل وإنما فقط نريد أن تسلط الضوء على موضوع معين ليعرف العالم الحقيقة فنحن أيضا نتعرض للإرهاب وهو ما يصوره الفيلم من خلال ابن زوجتى الذى يقتل لان اسمه يدل على انه مسلم، والفيلم فى النهاية يحقق الحلم الجميل بعدما يتوجه الممثل الذى يقوم بدور اوباما بعد توليه الرئاسة بشكر خان على جهوده لإحلال السلام والأمن فى أمريكا». أما المخرج كاران جوهار فصرح قائلا «اخترت هذه القصة لتكون نداء للجماهير فى العالم من أجل التسامح الدينى وكان من السهل أن أقول ذلك فى الهند ولكنى أردت أن أقولها للعالم». اما فيلم «على الدرب» الذى يعرض فى المسابقة الرسمية وتخرجه «جاسميلا ذبانيك» وهى كاتبة العمل ايضا فيدور حول لونا وعمار اللذين تربطهما علاقة تتعرض لظروف صعبة، فيفقد عمار وظيفته لانه يذهب للعمل مخمورا بينما تعيش لونا وهى تحلم بانجاب طفل من عمار ولكن تزداد مخاوفها عندما يحصل عمار على وظيفة فى المجتمع المسلم بعيدا عن مكان سكنهما ويبتعد الحبيبان عن بعضهما كلما مر الوقت تأثر عمار بالمجتمع الاسلامى ورغبته فى الإقامة به ورفض حبيبته أن تعيش معه فى نفس المنزل بسبب عادات هذا المجمتع ويشعر عمار بالراحة والسلام فى المجتمع المسلم مما يساعده على الامتناع عن شرب الخمر ومن هنا يبدأ الحوار بين من عاش فى المجتمع الإسلامى وبين من يعيش خارجه ولا يعرف عنه شيئا لتدرك لونا ان الحب ليس كافيا لتستمر علاقتها بعمار فى سعادة. وفى قسم بانوراما يعرض فيلم «عندما نغادر» وهو من اخراج فيو الاداج ويدور حول امرأة تعود إلى منزل والدها مع طلفها املا فى ان تنهى حياتها الزوجية بمساعدة والديها، ولكنها تكتشف انهما لن يقفا بجانبها ويتجاهلان التقاليد التى تمنع انفصالها عن زوجها لذا تقرر هذه السيدة أن تبدأ حياة جديدة بعيدا عن أسرتها مع ابنها قبل أن يقتلها والدها بسبب رغبتها فى الانفصال عن زوجها. ويقول مخرج الفيلم الاداج «هذه النوعية من القتل يطلق عليها البعض جرائم الشرف وهى أقدم من الإسلام وليس للإسلام علاقة بها أو أى دين آخر فالقرآن لا يذكر شيئا عن ذلك ووصفها بأنها إسلامية إساءة للدين». وهو ما أراد ان يوضحه من خلال هذه السيدة التركية الألمانية أى أن الامر ليست له جذور إسلامية.