«حديث الملك» ينتصر للسينما الكلاسيكية ويفك أسرك من الخوف حفل افتتاح رشيق.. ومشاركة لأحدث إنتاجات التجارب السينمائيةتحت شعار «افتح عالمك» انطلق مهرجان دبى السينمائى الدولى السابع وهو يحتضن بين دفتى شاشة عرضه مجموعة من الأفلام التى أتت لترسو بقضايا وأحلام وآمال وآهات وأوجاع أوطانها.. وحملت أيضا رؤى أجيال متعددة من السينمائيين من مختلف أنحاء العالم، وهو رؤى تستحق الوقفة عندها، لأنها شئنا أم أبينا تكشف عن لغة جديدة فى عالم السينما، لغة ربما تمحى جانبا من بعض عناصرها الكلاسيكية لتغدو مساحة أعمق لبعض المفردات الأخرى. ربما سنجد صورة عشوائية ترصد مشاعر البشر وتحركاتهم، وربما سنرى حوار تلقائيا دون كتابة، وربما نكتشف أن أحداث اليوم ذاتها هى السيناريو. وسوف نعود للكتابة عن النهج الحديث لصناع السينما بالتفصيل لاحقا. بينما أريد أن أؤكد أن ذكاء مسئولى مهرجان دبى وصل إلى مرحلة نضج أكبر.. فهو يقدم على شاشة سينما تتسع لأفكار الجميع ومنافسة لم تسقط من حساباتها أى إبداع سينمائى فى المنطقة سواء فى الفيلم المحلى والخليجى، أو العربى أو الأفريقى والآسيوى، فهناك مسابقة المهر الإماراتى، ومسابقة المهر العربى وأخرى للفيلم الآسيوى الأفريقى، بجانب ليال عربية وسينما العالم، والسينما الهندية، وسينما الأطفال، وعرض لأصوات سينمائية خليجية جديدة.. وهذه الفروع تشمل الفيلم الروائى الطويل والقصير والوثائقى. وبهذا يحاول مهرجان دبى بسط ساحته على شتى الإنتاج السينمائى فى أكثر من مكان ليمنح جمهوره ومتابعيه ميزة خاصة يجعله ينفتح أكثر على الإنتاج السينمائى العربى والعالمى. وبدون شك فإن الأفلام المختارة، هى فى معظمها تمثل أحدث إنتاجات التجارب السينمائية، وهو ما يعنى حرص إدارة المهرجان على اكتمال عناصر الجذب. جاء حفل افتتاح دبى السينمائى رشيقا راقيا فى موجزه ومدته المحدودة، حيث تم استعراض المهرجان فى كلمات صغيرة عبر شاشة ضخمة مبهرة، أكد خلالها رئيس المهرجان المخضرم عبدالحميد جمعة، ونظيره المدير الفنى مسعود أمر الله على أن الدورة السابعة للمهرجان تشكل مكانة خاصة من واقع أفلامها ومناقشاتها.. وسندع الأيام تدلى بشهادتها. فيلم الافتتاح الإنجليزى المبهر «حديث الملك» كشف عن مفاجأة كبرى لم نكن نعتاد عليها فى مهرجان القاهرة، ففور الإعلان عن العرض اطفئت الأنوار ولم يخرج أحد من القاعة التى امتلأت عن آخرها بكل ضيوف المهرجان من فنانين ومسئولين ونقاد لمشاهدة العمل، وهو ما ذكرنى بحسرة مشهد افتتاح القاهرة حيث خرج الجميع وفى مقدمتهم رئيس المهرجان لحضور حفل العشاء، ولم يشاهد الفيلم سوى 15 فردا. وأعود ل«حديث الملك» ذلك التحفة السينمائية الذى استحوذ على الأنفاس والتركيز رغم أنه ليس من تلك النوعية التى تعتمد على الألغاز والمغامرات، فقط إنه فيلم ينتمى لمنطقة خاصة جدا فى مدى تغلب الإنسان على إعاقته لحظة اكتشافها، وهل يستطيع تجاوزها أم لا، وما هى سبل الانتصار على أى مشكلة قد تعوق تحقيق حلمك سواء الذى رسمته أنت لنفسك أم وضعك القدر فيه. الفيلم تدور أحداثه حول شخصية دوق يورك أوبرتى كما تناديه عائلته، وهو أصغر أبناء الملك جورج الخامس، وهو بحق شخصية مثار للشفقة والتعاطف، فهو مصاب بالتلعثم والخجل، وهو ما يجعل حديثه أمام العامة بمثابة كابوس مروع. يعيش حياة عادية تنطلق كلماته، لكن عندما يقف أمام خطاب عام لا يستطيع نطق جملة واحدة.. وعندما يموت والده الملك، يتوج أخوه إدوارد الثامن على العرش، وهى الرغبة التى كان لا يتمناها الأدبى حيث كان يرى فى دوق يورك الابن الثانى أنه الأحق والأقدر على حكم البلاد.. ويشاء القدر أن يتخلى إدوارد الثامن عن العرش ليتمكن من الزواج من عشيقته المطلقة واليس سيمبون، ولم يكن أمام دون يورك أوبرتى سوى محاولة التغلب على مشكلة التلعثم لأنه أصبح لا محالة من تولى العرش، وتساعده زوجته فى الاستعانة بمعالج لمشكلات النطق وهو ممثل استرالى غريب الأطوار يدعى ليونيل لوج، وبعد عدة محاولات تبوء كلها بالفشل يجد الملك الجديد نفسه فى مواجهة اختبار حاسم حيث يهدد هتلر بالحرب بعد فشل المداولات الدبلوماسية قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، ويضطر الملك للخطاب أمام الشعب وبمساعدة ليونيل تنجح المهمة ويتحدث بحماس شديد فى مشاهد تأخذ معها كل حواسك.. وتلعب مشاعرك وتعيد الثقة لما تبقى بداخلك من آمال فى تخطى الصعاب ومواجهتها. اتسم التصوير بكاميرا شديدة الحيوية والتلقائية.. وفى بعض الأحيان حماسية، وجاء النجم كولير فيرث ليجسد دور برتى بقدرة فائقة أرى أن الشخصية ستنقله إلى مكانة عظيمة بين النجوم الكبار، وربما يستحوذ على أوسكار هذا العام، فالشخصية صعبة، لكنه تقمصها وعايشها بكل مفرداتها، فهو ليس مواطنا طبيعيا بل ملك، وواقع الأمر أن النجم جيفرى رش الذى جسد دور ليونيل لم يساعد فيرث فقط فى تخطى أزمة التلعثم، بل منحه فرصة للأداء العظيم ومهد له طريق الإنطلاق، وشكلا معا دويتو رائعا، ويحسب لمخرج الفيلم توم هوبر الذى ولد فى لندن عام 1972، تهيئة هذه الأجواء من تصوير لسيناريو وحوار لأداء ليشكلا معا عملا سينمائيا خاصا جدا، ربما يعيد بعض البريق المفقود للسينما الكلاسيكية خلال العامين الآخرين.. كما أنه يفك أسرك من الخوف.