لا تخلو من دلالة ومن طرافة أيضا المقارنة بين مواقف الصحف المصرية فى معالجتها لحدث وصول الدكتور محمد البرادعى إلى القاهرة بعد ظهر يوم الجمعة الماضى «(19/2). ذلك أن الخبر احتل عناوين الصفحة الأولى للصحف المستقلة، التى صدرت صباح أمس السبت، التى تنافست فى تغطية الحدث وفى نشر صور الجماهير التى خرجت لاستقباله. فصحيفة «الشروق» أبرزت خبر العودة وانتظار المئات له الذين لم يتح لهم أن يقابلوه. كما خصصت صفحة داخلية لما سمته «المشهد الأول للبرادعى». أما صحيفة «المصرى اليوم» فقد ركزت فى العنوان الرئيسى للصفحة الأولى على استقبال البرادعى بنشيد «بلادى بلادى»،، وبهتاف ردده ألف مواطن قائلين «يا برادعى قولها قوية، مصر عايزة ديمقراطية». وتحت العنوان نشرت صورة لشخص محمول على الأعناق يقود الهتاف، وقد أحاطت به مجموعة رفعت صور البرادعى أيدت ترشيحه للرئاسة، كما خصصت صفحة داخلية لتغطية الحدث ومتابعة أصدائه. عنوان صحيفة «الدستور» كان كالتالى: بهدوء أمنى وبنجاح ساحق.. الآلاف استقبلوا البرادعى، وتحت العنوان الذى ظهر بالحبر الأحمر نشرت صورتين، إحداهما لجماهير المستقبلين، والثانية للدكتور البرادعى محاطا بنفر من رجال الأمن والمستقبلين. وإذ خصصت الصفحة الثالثة لمتابعة التغطية ونشر بقية صور الاستقبال، فإنها أبرزت عنوانا يقول: البرادعى رفض الخروج من قاعة كبار الزوار. وخرج من القاعة (3) لتحية أنصاره ولكن الأمن منعه. فى مقابل هذه التغطية الواسعة التى قدمتها الصحف المستقلة الثلاث (بالمناسبة جميع الفضائيات المصرية والعربية كانت فى المطار، باستثناء التليفزيون المصرى!) فإن معالجة الصحف القومية الثلاث اختلفت تماما. فالعنوان الرئيسى لصفحة الأهرام الأولى كان عن «إجراءات وقائية لمواجهة إنفلونزا الخنازير مع استئناف الدراسة اليوم». أما وصول البرادعى فقد نشر فى خبر صغير وضع فى النصف الأسفل تحدث عن عودته بعد انتهاء عمله فى الوكالة الذى استمر 12 عاما. وذكر الخبر أنه كان فى استقباله «مندوب عن وزارة الخارجية وعدد من الشخصيات الثقافية والعامة. وأنه جرى استقباله فى قاعة كبار الزوار». صحيفة «أخبار اليوم» أبرزت على رأس صفحتها الأولى عنوانين أحدهما عن تعديلات الضريبة العقارية والثانى حول إنصاف المدرسين وتطبيق كادر التعليم على الإداريين. وفى خبر صغير بقلب الصفحة نشرت العنوان التالى: تنفيذا لتوجيهات الرئيس مبارك.. استقبال البرادعى بصالة كبار الزوار. وذكر النص المنشور تحت العنوان أنه: تنفيذا لتوجيهات الرئيس مبارك تم فتح صالة كبار الزوار لاستقبال الدكتور محمد البرادعى.. كما تم تخصيص وفد من مكتب وزارة الخارجية بالمطار لإنهاء إجراءات وصوله مع زوجته،. وعلى الصفحة الثامنة تفاصيل أخرى تحت نفس العناوين التى كررت أنه تنفيذا لتوجيهات الرئيس مبارك فتح صالة كبار الزوار للبرادعى ووفد من الخارجية لاستقباله.. من «التفاصيل» الأخرى التى نشرتها الصحيفة أن العشرات كانوا قد توجهوا لاستقباله «وسط حماية من رجال الأمن الذين لم يتدخلوا لمنعهم وتركوهم بكل حرية. وعندما علم المستقبلون بتأخر الطائرة بدأوا فى الانصراف إلا أن جورج إسحق وحمدى قنديل حاولا إثناءهم عن الانصراف، إلا أن بعضهم انصرف»! العنوان الرئيسى للصفحة الأولى فى جريدة «الجمهورية» كان عن «كوبون البوتاجاز حق لكل أسرة». أما خبر وصول البرادعى فقد نشر تحت عنوانين أحدهما: «مبارك يصدر تعليمات بحسن استقبال البرادعى».. «تأخرت الطائرة فانصرف المستقبلون قبل وصوله». أما التفاصيل فهى ذاتها التى نشرتها أخبار اليوم، مما يعنى أن المصدر واحد فى الحالتين، أغلب الظن أنه وكالة أنباء الشرق الأوسط. إذا كنت قد لاحظت مثلى أن الصحف المستقلة ركزت على الاستقبال الشعبى للرجل، وأن الصحف «القومية» هونت من الأمر واعتبرت أن الخبر هو توجيهات الرئيس بخصوصه وانصراف الناس عن استقباله، فلك أن تستخلص دلالة هذا التفاوت ومغزاه، علما بأن هذا التفاوت يكشف عن مفارقة أخرى تتمثل فى أن الصحف المستقلة كانت فى متابعة الحدث هى القومية حقا، فى حين أن الصحف التى توصف بأنها قومية كانت حكومية صرفا وصدقا؟