لم يكن اختيار المهرجان القومي للسينما للنجم محمود حميدة ليكون واحدا من المكرمين هذا العام مفاجأة لأحد، بل إن كثيرين من النقاد والمتابعين للسينما أكدوا أن التكريم تأخر كثيرا فحميدة واحد من هؤلاء الذين يدخلون البهجة إلى عشاق الفن السابع بأداء راق كممثل وبوعي مهم كمنتج. حميدة الذى يبدو للبعض كائنا غريبا فى تصرفاته، طاووسا فى تعاملاته، يحمل روح طفل يبدأ معك معاندا ثم سرعان ما يلين.. يتحدث وكأنه اختبار يضعه دائما لمن يتعامل معه فى بداية الحوار وهو الشيء الذى ربما يغضب منه البعض.. فى حواره مع «الشروق» فضل أن يبدأ الحديث عن اختياره للتكريم في المهرجان القومي للسينما قائلا: طول الوقت أشاهد هيئات مختلفة تعلن عن تكريمات كثيرة، بعضها يختلق التكريم ليحقق من ورائه شهرة لنفسه، فأنا لا أعرف معنى لهذه التكريمات، ولا أعرف أيضا إن كانت مجرد دعوة عشاء، أم لمنح مبلغ من المال، أم لالتقاط الصور معي؟ ومثل هذه الأنواع من التكريمات أعف نفسي عنها ولا أحترمها. وما أحبذه هو التكريم على سبيل «الدرس»، بأن تأتى بشخصية مهمة وتلفت الأنظار إليها، لأنك كهيئة ترى أهمية ما فى إلقاء الضوء على هذا الشخص، وبالنسبة للمهرجان القومى فأنا أتوقع منه خيرا لأنى رأيت من قبل كل ما فعله. وما هو درس محمود حميدة؟ أعوذ بالله من أن أقول هذا الكلام عن نفسى.. فأنا أعمل فقط، وإذا رأى أحد المتفرجين أن هناك قيمة لما أقدمه من أعمال فأكون شاكرا له. ترى أن تكريم القومى قيمته كبيرة؟ القيمة دائما تكون موجودة ولا تنتهى لأنها حدثت بالفعل. مثل سعاد حسنى وفاتها لا تنهى أبدا قيمتها، لأنها تظل للأبد باقية بأعمالها.. ولذلك أحترم المهرجان القومى كما أحترم مهرجان الإسكندرية فهو يمثل لى أهمية كبيرة، وأحبه كثيرا لأنه أول مهرجان دعاني بصفتي نجما سينمائيا، وحضوري فعالياته كل عام هو نوع من المسئولية تجاهه. يبدو أنك لست راضيا عن مستوى المهرجانات المصرية؟ ليس فقط المصرية بل والعربية، وذلك لأننا نتعامل مع المهرجانات وكأنها أفراح! بما فى ذلك المهرجانات باهظة التكلفة مثل الشرق الأوسط السينمائى ودبى. فنظرتنا للمهرجان لا تختلف كثيرا عن نظرتنا للأفراح، لأنه إذا مات عزيز لدينا ألغينا المهرجان وكأنه لم يكن عملا من الأساس.. ولا صناعة مستقلة بذاتها يندرج تحتها أى منتج سينمائى أو موسيقى أو غير ذلك من المنتجات. ولماذا ترى مهرجاناتنا فاشلة؟ لسنا فاشلين.. ولكننا لا نعلم شيئا عن صناعة المهرجان أصلا. لماذا تأخر السينمائيون فى الانتباه لموهبتك وقيمتك الفنية وكانت مشاركاتك محدودة؟ أسباب كثيرة، منها أسباب شخصية وأخرى خاصة بالإنتاج، كما أن السوق أيضا له حكمه. فصناعة الفيلم مصنفة بأنها أثقل وأصعب من صناعة الفضاء، وكل فيلم ينتج فى العالم يكون له ظروفه وملابساته الخاصه به. لكن مشاركتك بالفعل ضعيفة؟ هذا لأنى مقتنع بأن أى فنان مهما علا نجمه هو فى النهاية إلى أفول، لأنه باختصار سيموت، وإذا بحثت عن أستاذ عظيم مثل كمال الشناوى ستكتشف أنه ليس موجودا على الساحة الفنية، وليس معقولا أبدا أن هناك منتجا يرفض الاستعانة بهذا العملاق، ولكن بالتأكيد هناك ظروف أدت إلى ذلك فقد لا تسمح حالته الصحية، أو أنه اكتفى بما قدمه خلال مشواره، ببساطه قد لا يكون الطرف الآخر سبب ابتعاد الممثل عن الساحة. ومن السبب فى ابتعادك أو استبعادك أنت أم الطرف الآخر؟ أنا لم أبتعد وكذلك لم أستبعد، ومازالت مطروحا للعمل، ولكن ليس بنفس الشكل الذى ظهرت به. فأنا تقدمت فى العمر وبلغت عامى السادس والخمسين، عكس بدايتى كنت شابا عفيا لم أتجاوز ال37 عاما، فقدمت الأكشن والرومانسى، وهى الأدوار التى لا يمكننى الموافقة عليها الآن، فمن غير الطبيعى أن أقدم شخصية شاب صغير البنات تحبه، لأننا بطبيعتنا عندما نقابل رجلا كبير السن يرتدى قميصا شبابيا نتهمه بالجنون. فأنا لا أرفض الذين لا يريدون أن يقتنعوا بأنهم تقدموا فى العمر لأنهم أحرار فى حياتهم، لكنى لست مثلهم، ومقتنع تماما بأن كل مرحلة لها طبيعتها الخاصة بها. وهل تعرض عليك أعمال كثيرة؟ نعم.. وطبيعى أننى أقبل بعضها وأرفض معظمها.. فهذه وضعيتى الآن، وعندما أرفض عملا يكون ذلك لأسباب عملية بالأساس، وفى بعض الأوقات تكون شخصية لأن هناك بعض العاملين يأتون ويريدوننى أن أعمل بدون أجر ولكنى أعتذر، فعلت ذلك كثيرا من قبل لكنى لم أوافق على ذلك مرة أخرى. كنت بالفعل تعمل بدون أجر؟ نعم.. شاركت فى أفلام كثيرة بدون أجر، وعملت فى أفلام فقط لأن هناك من يريد أن يخرج فيلما، فكنت إذا وجدت أحدا لديه عزيمة وإصرار على تقديم فيلم كنت أرحب بذلك على الفور.. أما الآن فلن أفعل ذلك أبدا. هل فعلت ذلك كمساعدة أم لأنك كنت تحتاج للعمل؟ اعتبرها كما تشاء، ولكن هذا ما حدث.. فأنا قدمت أفلاما جيدة بدون أجر، وفى المقابل عملت أفلاما ضعيفة جدا من أجل الفلوس حتى أستطيع العيش، حينها صنعت لنفسى توازنا يرضينى، فمثلا كنت أرفض الحصول على أجر مقابل عملى مع يوسف شاهين.. وهو نفسه تفاجأ بأنى لا أريد، واعتقد أننى بذلك أضحى من أجله، ولكنى أخبرته بأنى لا أضحى إلا من أجل نفسى، وقلت له أيضا أنى سأتعلم منه أمورا كثيرة أتنازل مقابلها عن فلوس الدنيا، فالحكاية بالنسبة لى لم تكن فلوسا فقط. وأزمتنا أننا قلبنا الحكاية رأسا على عقب، ونسينا أن آخر عنصر فى العملية الإنتاجية هو التمويل الفلوس. ما رأيك فى فيلم «بالألوان الطبيعية» الذى يعتبره صناعه جزءا ثانيا لفيلمك «بحب السيما»؟ شاهدته كنسخة عمل، وأرفض ما قيل بأنه جزء ثان لفيلم «بحب السينما»، لأنه ليس كذلك، وبالمناسبة أنا عملت فيلم «بحب السيما» أيضا بدون أجر. خطوة العمل مع جيل الشباب لماذا تأخرت فيها؟ لم أكن أريد التأخير فيها، ولكنها كانت صعبة على صناع السينما، كانوا يتوقعون عندما يعرضون على عمل دور ثان مع نجم شاب أنى سأعتبرها إهانة.. فهم لم يصدقوا أننى لا أرفض هذه الأعمال وأعلنت ذلك أكثر من مرة. إذن فيلم «آسف على الإزعاج» هو الذى أزال هذا الحاجز بينك وبين سينما الشباب؟ بالفعل حدث هذا بعد مشاركتى أحمد حلمى هذا الفيلم، ولكن يجب توضيح أننى لن أفعل ذلك على وجه العموم، فأنا لن أشترك فى عمل إلا إذا كان مهما أن أكون موجودا فيه. «احكى يا شهرزاد» كانت مساحة دورك فيه صغيرة؟ لم أنظر لمساحة الدور فى يوم من الأيام، وأنظر فقط لفعل الشخصية فى الدراما أيا كانت مساحتها، وهل سأستطيع تجسيدها أم لا؟ لماذا قلت إنك سعيد بأن نجوميتك جاءت متأخرة بعدما نضجت فنيا؟ لم أقل هذا الكلام.. لأننى أولا لا أرى أننى نضجت فنيا، فأنا أذكى من أن أقول هذا الكلام، لأن النضج لا يتم إلا بالوفاة، وحين تقتطف روحى. أنشأت أستوديو إعداد ممثل وشركة إنتاج ومجلة سينمائية متخصصة هل لأنك فقط تحب السينما؟ طبعا لأنى أحب السينما.. وهل هناك احتمال آخر؟ كان مشروعا ولكنه لا يهدف للربح، وكان يعبر عن مسئوليتى تجاه الفن. هناك انطباع مرتبط بك بأنك مغرور.. هل يضايقك؟ لماذا يضايقنى؟ فمؤكد أن هذا الانطباع به شىء من الحقيقة، لأن أمى نفسها كانت تقول لى إننى مغرور، هذا منذ أن كنت طفلا صغيرا، وكنت أتعجب لماذا تقول ذلك؟ والناس بعد ذلك وصفتنى بالغرور، فتأكدت أن هذه الصفة حقيقة، وليست انطباعا، وأدعو الله أن يصرفها عنى لأنها شر كبير جدا. لكن ألا يضايقك أن هذه الصفة تقف حاجزا بينك وبين المجتمع؟ أنا أجهل السبب الذى يجعلنى رجلا مغرورا، ولا أنكر أننى فى كثير من التصرفات كنت مغرورا وقد يكون هذا حالى طوال الوقت ولكنى لا أدرى. وماذا عن فيلمك «تلك الأيام»؟ هذا الفيلم انتهيت منه والآن جاهز للعرض، وهو مأخوذ عن الرواية المعروفة «تلك الأيام»، وأنا أحب الأفلام المأخوذة عن الروايات، لأنه من المعروف أن فن الرواية هو أب السينما. الاعتماد على الرواية أصبح مؤخرا أكثر.. ما رأيك؟ يجب أن نعترف أولا بأنه لا يوجد شىء مكتوب للسينما مباشرة، ومن يدعى ذلك إما أنه قام بالسطو على فيلم آخر وسرق توليفته، أو أخذه عن رواية وفى الحالتين يكون ليس مكتوبا مباشرة للشاشة، كما أن الأصل الأدبى مهم جدا فى السينما. وحالة السطو ليست فقط فى السينما، ولكنها فى جميع أشكال الحياة، فحياتنا مجرد سطو عار على إنتاجات الآخرين.