توجد منذ فترة بعض الدلائل المشجعة لأولئك الذين يأملون فى إيجاد حل سلمى للنزاع فى أفغانستان.. لكن لازال هناك الكثير قبل أن تحل السياسة فعليا محل البنادق والمتفجرات. ففى عام 2007، ذهبت إلى هلمند مع وفد من وزارة داخلية الرئيس حامد قرضاى، لعرض خطة مشروع تدريب على مهارات حياتية يشمل ألفى مقاتل طالبانى، كان يفترض أن تكون خطوة لإعادة دمجهم فى المجتمع. وأعدت هذه الخطوة بناء على اتصالات خاصة أجريتها لمدة عدة سنوات مع شخصيات بارزة فى طالبان، بالتنسيق مع مجلس الأمن القومى الأفغانى. والآن، أقر السيد قرضاى فكرة إعادة دمج مقاتلى طالبان كسياسة رسمية. وكما هو الحال دائما فى كابول، هناك الكثير من الارتباك بشأن ما هو مقصود من إعادة الاندماج والمصالحة، بل وما إذا كان الطالبانيون مهتمين أصلا بالأمر. فما يسميه الناس الآن إعادة دمج، هو تقديم عرض لجنود مشاة طالبان والقادة المحليين أن ينبذوا العنف، ويقبلوا سلطة حكومة كابول، مقابل حصولهم على عفو لم يتم تعريفه بعد. وتعتمد فكرة إعادة الدمج على فكرة أن العديد من الفاعلين فى الحركة المتمردة ليس لديهم التزام أيديولوجيا بقضية إعادة بناء إمارة الملا محمد عمر الإسلامية، أو شن الجهاد العالمى للقاعدة. ومن المنتظر أن يسعد الكثير من المسلحين بالعودة إلى البلاد بعد توفير الحوافز المالية المعقولة لهم وضمان أمنهم الشخصى.. غير أن إعادة الدمج ظلت معروضة لفترة. ففى 2005، شكل السيد قرضاى لجنة «مستقلة» لاجتذاب التائبين من طالبان. ومنذ ذلك الحين، ضمت اللجنة الآلاف من الأفغان. ولسوء الحظ، فإن أقلية ضئيلة منهم يمكن بالفعل اعتبار أنها لعبت دورا فى التمرد وخرجت منه. وتوضح اتصالاتى الخاصة مع مقاتلى طالبان، أن البعض منهم سوف يرحب بفرصة الخروج من النزاع إذا تم التعامل معه على نحو صائب، وإذا جرت إدارة البرنامج على نحو أفضل مما حدث مع البرامج السابقة. وإعادة الاندماج تستحق المحاولة.. ولكن العديد فى طالبان لديهم انتماء نحو حركتهم ولا يمكن شراؤهم جميعا.. ولن تنهى إعادة الدمج النزاع.. لذلك، فالمطلوب اتباعه نهج سياسى على نحو أكبر يحتوى قادة طالبان ويقنعهم بوجود بديل لحركتهم العسكرية قابل للتطبيق. ومن أجل الحصول على مساندة دولية للصفقة، على قيادة طالبان نبذ الصلة مع القاعدة وضمان إقصاء الإرهابيين عن أفغانستان. وعليهم قبول بعض الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة، مثل تعليم الفتيات. وفى مقابل ذلك، يمكن لطالبان المشاركة فى النظام السياسى. وربما تكون تلك المشاركة بصفة وزراء أو قضاة، أو ربما كمعارضة ديمقراطية معترف بها.. غير أنها ستتمتع بوزن أكبر كثيرا من مجرد مقاتلين سابقين من حيث التعريف الوظيفى. فإذا أنهت صفقة سياسية التمرد.. سوف يكون من الممكن تخفيف العمل العسكرى الدولى.. حيث سيستمر فحسب لتحديد ما هو التعاون الدولى الضرورى لمكافحة الإرهاب. ومن المهم فهم سبب عدم إبداء طالبان اهتماما يذكر بهذه الصفقة، متمسكة بموقفها المعلن بعدم التفاوض لحين انسحاب القوات الأجنبية. والتفسير واسع النطاق هو أن المخططين الاستراتيجيين فى طالبان يعتقدون أنهم يمكنهم أن يقدمون أداء أفضل فى ساحة المعركة، وأنهم يستطيعون الانتصار فى حرب الاستنزاف. وقد أقنعت الحسابات المشوهة فى خطاب أوباما الأول من ديسمبر،وتعهد الرئيس الأمريكى بتخفيض عدد القوات بعد 18شهرا، بعض الطالبانيين ومسانديهم بأن الولاياتالمتحدة فى حالة خروج، وأنهم إذا صمدوا فترة أطول، لن يكون عليهم سوى التعامل مع النظام العميل. ومع ذلك، فهناك دلائل على أن جزءا كبيرا من قيادة طالبان أكثر براجماتية مما هو مطروح فى الموقف الرسمى المتشدد. فهم يدركون أن الالتزام الدولى سوف يستمر إلى ما بعد التطورات الحالية، وأن عواقب مواصلة حرب الاستنزاف سوف تعنى البقاء كمعارضة مسلحة دائمة، محصورة فى الجبال والمناطق الريفية النائية.. ويمكن التوصل إلى اتفاق أن يتيح لهم أكثر من ذلك بكثير. والبراجماتى ليس كالمعتدل.. فأولئك الطالبانيون المستعدون للتفكير فى حل توافقى، الذين لابد أن تعقد معهم أى صفقة، لديهم إحساس بأن حركتهم قوة أخلاقية،ظهرت فى الحرب الأهلية الأفغانية لمكافحة الفوضى والفساد فى تقليد جهادى مشرف. ولديهم شكوك عميقة فى التأييد الأمريكى الظاهرى للقادة وأمراء الحرب الذين كانوا يتصارعون معهم قبل 2001. وهم مستاءون من إطلاق صفة الإرهابيين عليهم، ويرفضون تقبل فكرة أن تحالفهم مع القاعدة هو الذى قلب العالم ضدهم.. كما أن لديهم مجموعة من المظالم، من اضطهاد الذين بقوا فى أفغانسان، إلى تجربة جوانتانامو والقوائم السوداء للأمم المتحدة، التى يشيرون إليها باعتبارها دليلا على أنه لا يمكن الوثوق بأى من الولاياتالمتحدة أو حكومة كابول. غير أن براجماتيى طالبان يدعون أن لديهم مشكلة صغيرة فى الانشقاق نهائيا عن القاعدة، وأنهم سوف يحتوون قوى سياسية أفغانية أخرى، وأنه من المستبعد أن يكون موقفهم من القضايا الاجتماعية عقبة فى طريق الاتفاق. وعندما يسألون عن العدالة والإفلات من العقاب، يحتجون بأن تاريخهم ليس أسوأ من تاريخ حكومة كابول الحالية.. ولا يتوقع البراجماتيون نبذ الجهاد، وإنما إعادة تعريفه. وهم لن يستسلموا وإنما يأملون فى أن تعيد حركة طالبان تأهيل نفسها كقوة إسلامية معنوية داخل النظام السياسى الأفغانى. ويجب إجراء الكثير من الحوارات السياسية حول التخطيط الإقليمى حتى يمكن تجاوز ضعف الثقة. ومع ذلك،فإن بعض الرسائل الشفهية الحالية مفيدة، مثل تصريحات الجنرال ماكريستال الحذرة بأن على القتال أن يخلى الطريق للسياسة، وإعلان حذف بعض العناصر الطالبانية السابقة من قائمة عقوبات الأممالمتحدة. وليست نوايا طالبان وحدها التى ستتعرض للاختبار على الطريق الطويل نحو المصالحة فى أفغانستان.. حيث تشير برقيات السفير الأمريكى كارل إيكنبرى إلى الحكومة الأفغانية باعتبارها الحلقة الأضعف فى السلسلة. كما أن السياسة الحكومة المعلنة بشأن المصالحة الوطنية وإعادة الاندماج غير كافية على الإطلاق، حيث لا تقدم سوى أكثر الأفكار غموضا صفقة إعادة الاندماج التى سيتم طرحها. وتقول الحكومة إنها ستعقد اجتماعا قبائليا آخر فى لويا جيرجا لوضع البنود التى سيتم طرحها على طالبان.. غير أن التجربة توضح أن أى شىء من هذا القبيل لن يكون أكثر من مسرح سياسى، ولن تشارك طالبان. وربما تطول الحرب فى أفغانستان بالفعل بدون أى صفقة كبيرة، وقد تم تمويل المؤسسات الأفغانية لتدافع عن نفسها بعد رحيل الوحدات العسكرية الغربية.. ولكن علينا أن نتطلع إلى ما هو أفضل من ذلك.. وسوف تتطلب أى عملية سلام حقيقية نهجا دبلوماسيا يتجاوز كل ما هو مطروح على الطاولة حتى الآن، ويبعد المفسدين من الجانبين الطالبانى والحكومى. Finantial Times