تناول الدكتور محمد أبو الغار رواية "قبل النكسة بيوم" للطبيب إيمان يحيى، الصادرة عن دار الشروق الشهر الماضى، وتدور معظم أحداثها عام 1966، وذلك في مقال مطول له أمس الاثنين، امتدح فيها طريقة الحكي والتوصيف فيها خلال فصولها لتوثيق الأحداث الحقيقية. وأضاف أبو الغار، خلال مقاله بجريدة المصري اليوم، الرواية ممتعة فى القراءة، وخلال الحكى هناك فصول لتوثيق الأحداث الحقيقية، والبطلة كريمة فتاة نوبية جميلة ابنة بواب عمارة فى وسط القاهرة الخديوية تسكن مع العائلة فى حجرتين على السطح، لكنها حصلت على مؤهل متوسط وتعمل سكرتيرة، وفى نفس الوقت تدرس للحصول على مؤهل عالٍ. فى هذه الفترة قرر عبدالناصر تنشيط النظام السياسى وتكوين درع شعبية من الشباب لحماية نظامه فأنشأ منظمة الشباب وجذبت آلافا من الشباب فى تنظيم وتدريب وتثقيف، وانضمت له كريمة. وتعرفت فى معسكر المنظمة فى حلوان على أحد المدربين الشبان وهو مهندس من عائلة متوسطة يسكن فى شبرا، أعجب بها ولاطفها وتطورت العلاقة إلى قصة حب، لكن الارتباط بالزواج اتضح أنه مستحيل، لأن التقاليد النوبية ترفض الزواج من غير النوبيين، بالإضافة إلى الفروق الطبقية. وكأن كل ما يدرسونه ويسمعونه كل لحظة من النظام السياسى والمنظمة عن تلاشى الفوارق بين الطبقات، وأن كل المصريين واحد ومتساوون، هو خيال ومجرد شعارات. وتابع الدكتور أبو الغار: ألقت شخصية عبدالناصر الكاريزمية ذات الشعبية الطاغية بظلها على الرواية بشدة، فقد حضر بنفسه معسكر منظمة الشباب، ورأته كريمة بنت البواب وتحدثت معه، وحضرت لقاءه من شباب المنظمة والشعارات الواعدة عن المستقبل العظيم والمساواة والإخاء وكانت منبهرة به. ظهر عبدالناصر أثناء لقائه مع المبعوثين المصريين فى الخارج والأسئلة المحرجة للطلبة الذين يدرسون فى الغرب وذاقوا طعم الحرية وتخلى عنهم الخوف قليلا فأحرجوا الرئيس بأسئلتهم، لكنه بالكاريزما واللباقة والخروج إلى الشعارات وعبر بالمؤتمرين، لكنه أنهى المؤتمرين قبل موعدهما لأن النظام اعتبر إنه كده كفاية. وأشار إلى أنه على الجانب الآخر كانت هناك شخصية الصحفى والباحث المدقق الواعد والمرتبط بمجموعة من كبار المثقفين والفنانين اليساريين. وواصل: وفى هذه الظروف تكتشف، من خلال الوثائق، أن عبدالناصر لم يكن القوة الوحيدة، فكان هناك عبدالحكيم عامر الذى كان محبوبا من الضباط، وكان عبدالناصر يخشى سطوته. قاد عبدالحكيم ما سمى لجنة مكافحة الإقطاع، وحارب الجيش المصرى فى ظروف شديدة الصعوبة فى جبال اليمن، وفقدت مصر فى هذه الحرب رجالا كثيرين، وكانت التكلفة باهظة على دولة فقيرة تحارب على بعد آلاف الأميال، وظروف الحرب ساعدت على نشر أنواع جديدة من الفساد. واستطرد: "خلال هذه الفترة كان الخوف يملأ قلوب الجميع وتنتقل أحداث الرواية إلى وقائع القبض على مجموعتين، الأولى أحد أفرادها حمزة النادى المهندس الذى أحبته كريمة، والشاب شديد الإخلاص والإيمان بعبدالناصر ومشروعه وهو المجتهد بكل وقته فى منظمة الشباب، ولا يوجد سبب واضح للقبض على هذه المجموعة إلا أنها منذ سنوات كانت منضمة إلى تنظيم قومى عربى، وتركوه وأعلنوا ذلك، وهو أمر كان معروفا. تصف الرواية التعذيب البشع الذى تعرض له حمزة النادى الذى استمر شهورا طويلة، خرجوا بعدها فاقدى الثقة فى كل شىء وضاع حب كريمة والانتماء والأمل فى مستقبل الوطن، وسافر حمزة إلى الكويت ومنها إلى أمريكا للعمل فى شركة كبيرة وتزوج أمريكية وأنجب وفقد اهتمامه بمصر". وتابع، تتقاطع الرواية مع وصف عن أحوال الناس الاقتصادية، والظروف الصعبة التى يمر بها الناس وبعض الأشياء الإيجابية مثل رخص الأسعار وفرصة الذهاب لعرض مسرحى متميز بمبلغ بسيط، ويفاجأ النظام والناس بجنازة ضخمة عند وفاة النحاس بالرغم من عدم الإعلان عنها وحصار البوليس لها واعتقال المشاركين فيها، إلا أنها أثارت تساؤلات كثيرة عن شعبية من لم يخرج من بيته ولم يكلم أحدا أو يقابل مخلوقا منذ ما يقرب من 15 عاما. جدير بالذكر أن رواية "قبل النكسة بيوم" لكاتبها الدكتور إيمان يحيى تضئ أمام الأجيال التي لم تشهد هزيمة 1967 الأسباب والمسببات التي أدت إلى تلك الكارثة الوطنية. من خلال العامين اللذين سبقا النكسة، وعبر ثلاثة أصوات لشباب الستينيات تنساب الرواية مع الأحداث الشخصية والعامة. وتنقل سطور رواية "قبل النكسة بيوم" الصورة الكاملة للمجتمع المصري آنذاك: الأحاديث، ونمط الحياة، والأفكار، والأغاني والأفلام. طريقة التفكير التي كان يفكر بها الناس، والأحلام التي تراودهم. تتجاور الطموحات العامة التي وصلت الى غزو الفضاء، مع أحلام الفقراء بالمساواة والعدل. سنشهد تحرر المرأة في ملبسها، وحقها في الارتباط بمن تحب، واندماجها في سوق العمل. شعارات الاشتراكية والتقدم الاجتماعي المرفوعة، دون ديمقراطية سياسية حقيقية. ماذا حدث داخل الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب الوليدة ومؤتمر المبعوثين عام 1966. كيف تمرد مثقفون وشعراء وكتاب من جيل الثورة على سلطتها؟ وكيف انبثقت تنظيمات سرية معارضة؟. تحكي الرواية عن الصدام الذي حدث ما بين جيل الثورة وبين قادتها. نجد وصفا لصعود طبقة المنتفعين بالثورة من بيروقراطية وانتهازية. كريمة وعبد المعطي وحمزة، ثلاث شخصيات تتناوب الحكي. هل هم ضحايا أم أنهم أيضا جناة؟! ما الذي حدث قبل يونيو 67، لتتلقى مصر كارثة لا يمكن إلا أن نقارنها بالاحتلال الإنجليزي عام 1882؟هذا ما تحاول رواية "قبل النكسة بيوم" أن تجيب عليه!. د. إيمان يحيى؛ كاتب وروائي، يعمل أستاذًا جامعيًا في إحدي كليات الطب بمصر، صدرت له رواية أولى بعنوان «الكتابة بالمشرط» في نهاية 2013.