أسعار الجمبري اليوم الجمعة 21-6-2024 في محافظة قنا    سعر الدولار والعملات بالبنك الأهلي قبل ساعات من انتهاء إجازة العيد    عاجل - "قطار بسرعة الصاروخ".. مواعيد وأسعار قطارات تالجو اليوم    معيط: ميكنة منظومة المقاصة بين مستحقات المستثمرين ومديوناتهم لدى الحكومة    الإسكان: إنشاء الطريق الإقليمى الشرقى حول أسوان وتطوير الكورنيش بالمدينة    تراجع أسعار البيض والفراخ في الأقصر اليوم الجمعة 21 يونيو 2024    الصين... نمو قوي في الاستثمار الموجه للخارج خلال أول 5 أشهر من 2024    سول تطلق طلقات تحذيرية عقب عبور جنود من بيونج يانج خط الحدود    عاجل - بلينكن يوجه رسالة مهمة ل إسرائيل تخص غزة    في اليوم ال259 للعدوان... شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على غزة    "للدفاع عن لقبها".. الأرجنتين تفتتح مشوارها في بطولة كوبا أمريكا بالفوز على كندا بثنائية    هآرتس: الجيش الإسرائيلي يريد مغادرة غزة ونتنياهو يخالفه الرأي    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين وإصابة 3 آخرين في غزة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 21-6-2024 والقنوات الناقلة.. الأهلي والزمالك وهولندا وفرنسا    يورو 2024| بث مباشر مباراة سلوفاكيا وأوكرانيا    سموحة يدخل معسكر مغلق استعدادًا لطلائع الجيش غداً.. وغيابات مؤثرة تضرب صفوف الفريق    صباحك أوروبي.. اعتراف ووكر.. قرار فليك.. ومفاوضات إنتر مع إنزاجي    ذروة ارتفاع درجات الحرارة بمنتصف الأسبوع.. الأرصاد تكشف حالة الطقس تحت تأثير منخفض الهند الموسمي    وفاة طالبة بعد سقوطها من الطابق الرابع بالوادي الجديد    توجيه سعودي عاجل بشأن رصد 40 حالة تسمم في جازان (تفاصيل)    طلاب الثانوية العامة بكفر الشيخ يؤدون امتحان اللغة العربية غدا    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    «ولاد رزق 3» يحفر اسمه في ذاكرة تاريخ السينما المصرية.. ما القصة؟    اليوم.. الشمس تتعامد على معابد الكرنك في الأقصر تزامناً مع بدء فصل الصيف    تعرف على شروط حفل عمر كمال في الساحل الشمالي، دخول السيدات مجانًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 21-6-2024    طريقة عمل كيكة الشاي بمكونات بسيطة ومذاق لا يقاوم    سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري اليوم    حلمي طولان يناشد الخطيب بطلب شخصي بخصوص مصطفى يونس.. تعرف على السبب    اليوم.. الأوقاف تفتتح 5 مساجد في المحافظات    في تغير مفاجئ، ترامب يغازل طلاب الجامعات الأجانب بمكافأة العمر    تسريبات صوتية.. أزمة جديدة بين حسام حبيب وشيرين    موقف الأهلي من المشاركة في بطولة كأس الأفروآسيوية    ترامب: لن أرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا    الأوقاف تفتتح 5 مساجد.. اليوم الجمعة    ملف يلا كورة.. تصنيف فيفا.. قائمتا الأهلي والزمالك.. ورد الرابطة على طلب الأبيض    منظمة الصحة العالمية تحذر من أدوية مغشوشة لمرض السكري    الزعتر البري.. فوائده في مكافحة السرطان واستخدامه في التحنيط عند الفراعنة    تطوير عقار جديد يدمر خلايا السرطان ذاتيا.. تفاصيل    «أنا سبب المشكلة».. شوبير يكشف مفاجأة بشأن الصلح بين الخطيب وتركي آل الشيخ    أميرة بهي الدين: تنبأت بعدم بقاء الإخوان بالسلطة الإ عام واحد فقط    القس دوماديوس.. قصة كاهن أغضب الكنيسة ومنعه البابا من الظهور بالإعلام    بلا مشقة بالغة.. هبة عوف: الاستطاعة الصحية شرط أساسي للحج    ننشر نص خطبة اليوم الجمعة    تجار البشر.. ضحايا فريضة الحج أنموذجًا    مطرانية مغاغة والعدوة للأقباط الأرثوذكس تنعى عروس المنيا وتوجه رسالة إلى خطيبها    أنت وجنينك في خطر، تحذير شديد اللهجة للحوامل بسبب الموجة الحارة    أسامة قابيل يكشف حقيقة وجود أعمال سحرية على عرفات    مصطفى بكري يكشف موعد إعلان التشكيل الوزاري الجديد    الحبس وغرامة مليون جنيه عقوبة الغش والتدليس للحصول على بطاقة ائتمان    القس دوماديوس يرد على الكنيسة القبطية: "ذهابى للدير وسام على صدرى"    البطريرك يلتقي عميد كلية اللاهوت بالجامعة الكاثوليكية في ليون    تامر أمين عن وفاة الطفل «يحيى» بعد نشر صورته في الحج: «ربنا يكفينا شر العين» (فيديو)    شاهد.. فرقة "أعز الناس" تشعل ستوديو منى الشاذلى بأغنية للعندليب    مصرع شخص إثر حادث مرورى بدمياط    وحيد أبوه وأمه.. غرق شاب بقارب صيد أثناء عمله في أسيوط    الاحتلال يعلن اعتراض هدف جوى أطلق من لبنان    «مش بتاع ستات بس».. أحمد سعد يثير الجدل بسبب تصريحاته حول ارتداء الحلق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرور الإمبريالى فى دفاع بلير عن جريمته
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 02 - 2010

لم يكن لدى كبار موظفى وزارتى الخارجية والدفاع فى بريطانيا شك فى أن اللجنة المعروفة باسم لجنة سير شيلكوت، والمشكلة للتحقيق فى ملابسات دخول بريطانيا الحرب ضد العراق ودور تونى بلير فيها، ستكون كسابقاتها الأربع، لجنة صورية. البعض كان يراهن على أن الإعلان الصاخب عن تشكيل اللجنة والسماح لأهالى الجنود البريطانيين الذين قتلوا فى العراق، وممثلى الرأى العام فى بريطانيا بحضور جلساتها، وكذلك اهتمام الصحف وأجهزة الإعلام المحلية والإعلامية بانعقادها، وتطلع الجميع للاستماع إلى إفادة تونى بلير، كلها عوامل دفعت البعض إلى الظن بأن اللجنة ستكون جادة ولو لإرضاء المنظمات الشعبية وأهالى الضحايا الذين استبشروا خيرا، وانتظروا إنصافا مع حلول«ساعة العدالة».
استمعت اللجنة إلى بلير على امتداد ساعات طويلة.. وأكدت التقارير الصحفية وتصريحات الحاضرين أنه لم يبد أسفا أو يقدم اعتذارا أو يعرب عن ندم، وإن كان أشار بغير اكتراث إلى أنه إذا كان حقا تسبب بقراره غزو العراق فى إحداث انقسام فى صفوف الشعب البريطانى، فهو آسف على هذا الانقسام، لا أكثر. ورفض بإصرار اعتبار ما أقدمت عليه حكومته مؤامرة أو خديعة أو أنها مارست الكذب، كل ما فعله كرئيس حكومة هو أنه اتخذ قرارا. وهو الرفض الذى يعيد إلى الأذهان جوهر الفكر الإمبريالى الغربى. فالقرار السياسى فى عصور الاستعمار الغربى كان بحكم التعريف وبمنطق الفلسفة الاستعمارية يقوم على حبكة تآمرية وإن لم يعترف بها أحد من قادة الإمبراطورية وموظفيها. سمعنا من قبل عن القرار الاستعمارى الشىء الكثير، سمعنا رودس وتشرشل وجيرترود ولورانس العرب واللورد كرومر يمجدون الاستعمار وعظمة الغرب، وسمعنا أنطونى إيدن وجى موليه يدافعان عن دورهما فى ظروف شن الحرب الثلاثية ضد مصر فى 1956.
****
ليس مهما أو مفيدا للتحقيق والعدالة أن يتبين بعد الاستماع إلى شهادة بلير أن تقريرا سريا تسرب فى الأيام الأخيرة يؤكد أن إزاحة صدام حسين تقررت قبل نشوب الحرب بعامين. بمعنى آخر وبدقة أكثر، وعلى عكس ما حاول بلير فى شهادته أن يؤكد، تقررت إزاحة رئيس العراق قبل أحداث 11سبتمبر 2001، بثلاثة أشهر على الأقل.. فالعبرة فى النهاية هى إصرار بلير، باعتبار ما عرف عن إيمانه العميق بالفكر الإمبراطورى ودور بريطانيا المعاصرة فى بعثه وتنشيطه، على أن المسألة ليست مؤامرة، وإنما قرار سياسى له ما يبرره ضمن الإطار الإمبريالى الذى لن يفهمه إلا قادة ورجال سياسة وحرب يعتنقون رسالة الحضارة الغربية، وضرورات التبشير بها وفرضها إن لزم الأمر. هكذا يجب أن نعرف كيف يفهم الغرب نظرية المؤامرة.. تأميم قناة السويس كان مؤامرة، ولكن الاتفاق على شن الحرب فى مدينة سيفر الفرنسية بين رؤساء حكومات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل كان قرارا. المقاومة لتحرير أو حماية لبنان وفلسطين مؤامرة إرهابية، ولكن غزو إسرائيل لجنوب لبنان وفرض الحصار على الضفة الغربية وبوحشية أبشع على غزة قرارات وسياسات لها ما يبررها فى عالم يعود أو يحاول العودة إلى العصر الذهبى للهيمنة الإمبريالية.
كان تونى بلير، كما كانت مارجريت تاتشر من قبله، من أشد المؤمنين بقيمة التحالف البريطانى الأمريكى.. كلاهما رفض أن يتعامل الآخرون مع العلاقة الأمريكية البريطانية باعتبارها عقدا بين دولتين، يتجدد كل حين أو تتغير شروطه وبنوده مع تغير الظروف. تصف بعض الكتابات العلاقة بين إسرائيل وأمريكا بالعقد طويل الأمد، بينما تدل مؤشرات عربية، وتؤكدها ممارسات وحروب عقود أربعة أو خمسة، إلى أن العلاقة الإسرائيلية الأمريكية، مثلها مثل العلاقة البريطانية الأمريكية، علاقة تحالف عضوى وليس مجرد علاقة تعاقدية.. والفرق كبير وكذلك مغزاه.. ففى علاقة التحالف العضوى ترتبط صحة وسلامة الطرف بصحة الطرف الآخر وسلامته إلى الحد الذى يعتنق عنده كل منهما وكذلك الدول الأخرى أن الحلف لن ينفرط أو ينتهى إلا بزوال طرف من الطرفين، وليس فقط نتيجة ضعفه أو سقوطه أو هزيمته. لذلك فإنه عندما وجه بعض أعضاء اللجنة الاتهام لبلير بأنه شجع بوش على دخول الحرب ضد مصلحة بريطانيا ورغم التحذيرات من سوء العاقبة، لم يرفض بلير الاتهام، بل وقال إنه سيفعلها مرة أخرى إذا تكررت الظروف نفسها أو تشابهت.
نستطيع الآن وبعد رفع الجلسات أن نفهم سبب اطمئنان المعلقين إلى أن لجنة التحقيق لن تحقق آمال قطاع كبير فى الرأى العام البريطانى وتبرد غضب أهالى الجنود، إذ إنه فى الوقت الذى كانت اللجنة تنهى جلسة الاستماع، كانت وكالات الأنباء العالمية تنقل أخبار الاستعدادات العسكرية الأمريكية فى منطقة الخليج، فى خطوة تصعيد واضحة، أو ربما خطوة تمهيد أخيرة لحرب أمريكية بريطانية إسرائيلية ضد إيران. تكاد الظروف تتشابه أو لعلها تتطابق، تماما كما توعد بلير فى كلمته أمام اللجنة. أطراف الحرب الثلاثة مع جوقة من المشجعين تؤكد وجود أدلة على أن إيران صارت تمتلك بالفعل أسلحة دمار شامل، وأنها تدرب وتمول جماعات إرهابية. ويذهبون جميعا، أعضاء الجوقة وقادة الحلف الإمبريالى الجديد القديم إلى حد القول إنه حتى مع افتراض أن إيران لا تملك أسلحة دمار شامل، فإن مجرد وجود نظام سياسى على الشكل القائم فى طهران، هو فى حد ذاته تهديد للسلام فى لشرق الأوسط والعالم بأسره.
****
الكلمات بنصها والظروف مشابهة أو متطابقة، وبالتالى لم يكن متصورا أن تصدر فى لندن، وفى هذه الآونة بالتحديد، إدانة لتونى بلير، لأن صدورها يحمل شبهة الإدانة لقرارات الإدارة الأمريكية، وهى قرارات لم يدنها الرئيس أوباما حتى الآن بما تستحقه من إدانة، ويعنى وضع عقبة أمام خطة عسكرية أمريكية بريطانية إسرائيلية لشن حرب ضد إيران.
لم تهتم اللجنة بتصرفات بلير بعد خروجه من الحكومة، بينما يستطيع أى مدافع عن العدالة أن يجد مادة غزيرة تثبت أن الرجل ليس أمينا على مصالح بريطانيا. كتب جود آن توماس فى صحيفة الصانداى تايمز يقول إن لبلير وجها آخر يعرفه المسئولون فى بعض الدول العربية وبخاصة فى الخليج وليبيا. اتهمته الصحيفة البريطانية بأنه يزور تلك الدول بذريعة السعى للحصول على معونات للشعب الفلسطينى، بينما هو فى حقيقة الأمر يخدم مصالح شركته الخاصة التى أسسها بعد خروجه من الحكومة تحت اسم «TBA»، أو يخدم مصالح تجارية ومصرفية كبيرة باعتباره ممثلا لمجوعة مصارف مورجان ويرافقه، كما تقول صحيفة فايننشيال تايمز، جوناثان باول يحاول مدير مكتبه فى رئاسة الوزراء وهو الآن موظف كبير فى شركة مورجان ستانلى، ويسافر بتكليف من الشركة لمرافقة بلير فى رحلاته إلى ليبيا ودول عربية أخرى. ويعلق أوليفر مايلز نائب رئيس مجلس الأعمال البريطانى على هذه الزيارات بقوله «إنها غير لائقة على الإطلاق». ونقلت الصحيفة عن أحد أقارب جندى قتيل فى العراق قوله «إنها لفضيحة أن يقوم تونى بلير بتكوين ثروة من وراء اتصالاته السياسية فى المنطقة ومن دماء وأرواح الجنود الذين ماتوا فى العراق».
ما كان يمكن أن يقف تونى بلير فى قاعة الملكة إليزابيث الثانية فى مركز المؤتمرات القريب من مجلس العموم البريطانى متحديا الرأى العام وفى حضور أهالى الجنود وعشرات من ممثل الصحف ومنظمات المجتمع المدنى، لو لم يكن مطمئنا إلى أن حكومة الرئيس باراك أوباما لن تفتح ملفات حرب العراق، بينما هى ملتزمة بتصعيد حرب فى أفغانستان والاستعداد لشن حرب فى إيران، ومطمئنا إلى أن منظمى لجنة التحقيق لن يوجهوا الدعوة لشهود من العراق أو لمواطنين بريطانيين من أصول عربية أو إسلامية. وبالفعل، كتبت ياسمين اليبهاى براون الكاتبة البريطانية فى صحيفة الإندبندنت تقول إن اللجنة لم تطلب شهادة عراقى أو عربى أو مسلم واحد مكتفية بشهادة سيدة هندوسية من الهند.
****
لم ترق العدالة البريطانية هذه المرة إلى مستوى سمعتها فى العالم وخرج القرار الإمبريالى بشن عدوان على العراق واحتلاله، وإعادة توزيع ثرواته بريئا من شبهة المؤامرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.