التفاعل مع الأزمة الأوكرانية وإدارة جائحة كورونا عزز من أسهم ماكرون للفوز بولاية جديدة لوبان لن تكون استنساخا لدونالد ترامب.. والمؤسسات الفرنسية تحتوي من تصرفات الرئيس يتوجه الناخبون الفرنسيون، الأحد المقبل، إلى مراكز التصويت لحسم السباق الرئاسي الفرنسي، وسيكونون أمام خيارين؛ تجديد الثقة مرة أخرى في الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، أو منح مفاتيح قصر الإليزيه لمارين لوبان، كفرصة جديدة بعد إخفاقها في الانتخابات الماضية. وتجري الانتخابات في مشهد عالمي مضطرب، فلم يكد العالم يخرج من التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا، حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، والتي خلفت بدورها آثارا بالغة من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، بالإضافة لقرب حسم جولات التفاوض مع إيران الجارية في فيينا، بشأن إعادة صياغة الاتفاق النووي الموقع في عام 2015، وكان لذلك كله آثار وانعكاسات على الانتخابات الفرنسية. ولمزيد من فهم ومناقشة السيناريوهات المستقبلية، حاورنا الدكتور يونس بلفلاح، أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي بجامعة باريس، والذي قال إن التوقعات تشير لفوز ماكرون بولاية جديدة، وأن مواقفه تجاه الحرب الأوكرانية الروسية قد أفادته كثيرا ورفعت من حظوظه، ومنحته فرصة لإحراج خصومه المقربين من بوتين. وأشار بلفلاح، إلى أن الشأن الداخلي يهم المواطن الفرنسي بشكل أكبر، لكن تبقى أهمية إدارة الملفات الدولية ما يحافظ على دور ومكانة فرنسا على الساحة الدولية. وتوقع بلفلاح، أن يتخذ ماكرون سياسة شجاعة تجاه الكثير من الملفات خلال ولايته الثانية، وهو الأمر الذي من الممكن أن يجعله يتصادم مع الشارع بتظاهرات محدودة، مضيفا أن المرشحة مارين لوبان، غيّرت من خطابها في الانتخابات الحالية، وأصبح أكثر اعتدالا مما سبق؛ لكن ذلك لن يكون كافيا من تمكينها لتحقيق الفوز. وإلى نص الحوار… - بداية.. من المرشح الأقرب لحسم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية؟ يبقى الرئيس إيمانويل ماكرون، هو الأقرب إلى الفوز بحكم استطلاعات الآراء، بجانب الفراغ السياسي التي تشهده فرنسا؛ حيث تدهورت حالة اليمين التقليدي ممثلا في حزب الجمهوريين، واليسار التقليدي ممثلا في الحزب الاشتراكي، ما مكّن ماكرون من استقطاب الشخصيات البارزة من الحزبين، وتشكيل تيار رئيسي يعتبر ليبرالي ذا ميول يمنية من حيث السياسات الاقتصادية والأمنية، والذي استطاع من خلاله مواجهة اليمين المتطرف ممثلا في «التجمع الوطني» بزعامة لوبان، واليسار المتطرف بزعامة جان لوك ميلانشون. - بمتابعتك للسباق الرئاسي منذ انطلاقه ما هي أبرز الأخطاء التي حاوت لوبان تجنبها حتى تتفادى الخسارة مجددا؟ استراتيجية مارين لوبان، تعتمد على الاستفادة من أخطاء الآخرين، وطبعا هناك تحفظ وتحسب في أدائها مقارنة بالانتخابات الماضية، والتي لم تكن تمتلك رؤية واضحة حول وضع فرنسا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كذلك خطابها ضد المسلمين والهجرة تحسن بشكل أكبر من السابق، ولا يعني هذا التحسن في الأداء بأنها ستحقق الفوز بالانتخابات فالحظوظ الأعلى لازالت لماكرون. ولجانب ذلك فإن حزب التجمع الوطني الذي تتزعمه وتزعمه من قبلها والدها يواجه «عقدة» جولة الإعادة الحاسمة، ولا يستطيع تجاوزها، وواجه ذلك في انتخابات 2002 و2017 ومن المنتظر أن يتكرر السيناريو في الانتخابات الجارية. - على الجهة الأخرى.. ما وسائل ماكرون في استثمار مدة ولايته المنقضية في تعزيز حظوظه؟ خلال الخمس سنوات الماضية، تعمد ماكرون استنزاف الحالة السياسية الموجودة، وساعد ذلك جائحة كورونا من خلال إجراءاته المشددة وسياسية التلقيح، التي أراد من خلالها مزيدا من الاستقطاب لنسبة أكبر من الدعم الشعبي، وجاءت الأزمة الأوكرانية، فلعب بورقة مواقف لمرشحين من اليمين واليسار المتطرف يدعمون الرئيس الروسي بوتين، وكل ذلك ساعده في تحقيق مبتغاه. - الانتخابات الماضية تمت في أجواء سيطر عليها عدد من الأحداث الإرهابية.. هل انخفاض تلك الحوادث بشكل ملحوظ طوال ولاية ماكرون يجعل أوراق لوبان (تقييد الهجرة والحجاب) ذات تأثير محدود؟ بكل تأكيد المسألة الأمنية في جوهر السياسات العامة داخل الساحة السياسية الفرنسية، وتعتبر بالإضافة إلى الاقتصاد والقدرة الشرائية، من أهم المحاور في البرامج الانتخابية. وأظن أن وفكرة استغلال الحوادث الإرهابية يكون له وقع كبير على الساحة السياسية؛ لأنه يطرح تساؤلات مرتبطة الإسلام والمهاجرين والوجود العربي، والملاحظ أن طيلة الخمس سنوات الماضية كان الرئيس ماكرون، أغلق مجموعة من المراكز الإسلامية والمساجد المتطرفة، وأجرى تعديلات على الأجهزة الأمنية، وتشكيل لجان لمكافحة الإرهاب، وأعتقد أن كل ذلك ساعده على وجود أصوات له داخل اليمين المتطرف ذاته (الذي تنتمي إليه لوبان). - هل يولي الناخب الفرنسي قضايا السياسة الخارجية للمرشحين اهتماما أم أن شاغله الأول هو وضعه الداخلي؟ لا تحظى السياسات الخارجية بنفس أولويات المرتبطة بالملفات الداخلية المرتبطة بالقدرة الشرائية ومكافحة الإرهاب ورفع مستوى المعيشة والاهتمام بالمتقاعدين، لذلك ظهرت عدد من الاحتجاجات الفئوية تمثلت مثلا في «السترات الصفراء» وما تلاها من مظاهرات أخرى، على مستويات أخرى مثل التعليم والنقل. ولكن تبقى السياسة الخارجية لها أهمية أيضا لدى الشعب الفرنسي؛ والذي يريد أن يرى مكانة فرنسا كقوة دولية ورائدة ومؤثرة له؛ لذا اهتم الرئيس ماكرون في خطاب الانتخابي، بالتأكيد أن ليس فقط رئيس لفرنسا بل للاتحاد الأوروبي. - كيف أثرت الأزمة الأوكرانية على المشهد الانتخابي الفرنسي؟ طبعا كان للأزمة الأوكرانية تأثير على الانتخابات، فمثلا تأخر ماكرون في بدء حملته الدعائية، وأثر كذلك على مواقف المرشحين في الانتخابات، حيث استفاد ماكرون من توجيه اتهامات لخصمته لوبان، وذلك بحصولها على قرض روسي وقت حملتها الانتخابية في 2017. - هل مثّل رحيل ترامب عن البيت الأبيض فرصة لماكرون في مزيد الظهور الإيجابي لدى شعبه؟ على المستوى النظري، يمكن القول بأن الديموقراطيين كانوا الأقرب للقيادات السياسية الأوربية بما فيها فرنسا؛ لذا فإن سنوات ماكرون مع ترامب كانت سنوات صعبة في التفاهم بخصوص عدد من النقاط، فالانتقادات بين الجانبين كانت متبادلة، فماكرون رأى أن حلف «الناتو» أصيب بالشلل، وكان يريد إنشاء جيش أوروبي موحد، كذلك في الملفين الإيراني والليبي. ومع قدوم بايدن، أصبح هناك ارتياح نسبي، لكن شابه أيضا بعض التوترات، مع استيلاء الولاياتالمتحدة على صفقة الغواصات الأسترالية، وفرنسا تحاول تجاوز ذلك بتعزيز تحالفها مع الولاياتالمتحدة، وساعدت في ذلك الحرب الأوكرانية، وبشكل عام في إن العلاقات مستقرة وقابلة للتطور بشكل أسرع ومرن أكثر من فترة ترامب؛ ما يفيد ماكرون في بسط منظوره للسياسة الخارجية الفرنسية، وبخاصة مع ترأس فرنسا الاتحاد الأوروبي في الفترة الحالية (حتى يونيو المقبل). - في حالة فوز لوبان.. هل سنكون أمام دونالد ترامب بنسخة نسائية؟ لا يمكن قول ذلك بشكل قطعي؛ فسياسات مارين لوبان يمينية متطرفة في بعض الأحيان فيما يخص الهجرة والإسلاميين، لكن لا يمكن استنساخ تجربة ترامب الأمريكية، فخطابها ليس شعوبيا بالمقارنة به، كذلك لن تقوم بنفس سياساته الخارجية، وذلك على الرغم من أنها أبدت إعجابا كبيرا به، لكن تظل خصوصية فرنسا بوجود المؤسسات التي تحتوي الرئيس، وتجعله أكثر بيروقراطية واعتدالا فيما يخص سياسته الدولية، وظهر ذلك بوضوح مع صعود اليسار في حقبة الثمانينيات (وقت الحرب الباردة) الكل حينها تنبأ بتغير السياسات (تقارب مع الاتحاد السوفيتي) لكن ذلك لم يحدث لأن مصالح فرنسا ترتبط بالمصالح الغربية، والأوروبية على وجه التحديد. - هل فوز لوبان سيعرقل مفاوضات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران؟ لا يمكن الجزم بذلك؛ لأن هذا الملف لا يخص فرنسا وحدها، وفرنسا تحاول فقط تسهيل عملية التفاوض بين الولاياتالمتحدة والجانب الإيراني، لذلك فلا أعتقد أن تغير القيادة السياسية في فرنسا لن يكون له التأثير الكبير على مسار الاتفاق النووي مع إيران. - تعرض ماكرون طوال مدة ولايته لسلسلة من الاحتجاجات مرجعها الحالة الاقتصادية..كيف يتجنب تكرار ذلك؟ خطر الاحتجاجات وتكرارها والصدام مع الشارع سيكون متوقعا خلال الفترة المقبلة؛ فإذا ما أعيد انتخاب ماكرون (والذي ترجحه الاستطلاعات) فسيكون أكثر تحررا من الفترة السابقةً، ولن يكون لديه التزامات انتخابية لما بعد (بحسب الدستور الفرنسي فليس من حق الرئيس أن يتولى أكثر من ولايتين)، وستكون فرصته لإجراء إصلاحات جذرية على المستويات كافة. وقد تشهد فرنسا إصلاح دستوري، وسيركز على الجانب الاقتصادي من خلال رفع الدعم عن بعض المنتجات وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض القطاعات، ويهتم بالشأن الدفاعي والعسكري، من خلال تصنيع مثلا الطائرات الأوروبية المسيرة، بالتعاون مع شركائه الأوربيين. وسيراجع ماكرون سياسته في مناطق النفوذ الفرنسي مثل ليبيا والساحل الإفريقي، والعلاقات حتى مع روسيا والصين ستحظى باهتمام، وسيكون أكثر شجاعة وتحررا.