الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    عضو بحزب النهضة الفرنسي: اعتراف باريس بفلسطين مهّد لتوافق أوروبي بشأن حل الدولتين(فيديو)    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    انتهاء اليوم السابع من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    CNN تشيد بعدد الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ للسلام    خبر في الجول - الزمالك يعتذر عن عدم المشاركة في البطولة العربية لسيدات الطائرة    موعد مباراة قطر ضد الإمارات والقنوات الناقلة    ضبط 8.6 طن لحوم ودواجن فاسدة خلال حملات بأوسيم وكرداسة والعجوزة    غدا.. فرقة النيل للموسيقى تختتم فعاليات معرض الزمالك الأول للكتاب    في هذا الموعد.. محمد فؤاد يستعد لإحياء حفل غنائي ضخم في بغداد    مصر تستعد لطرح مزايدة عالمية للبحث عن البترول والغاز بالبحر الأحمر    محافظ كفرالشيخ يتفقد مستشفى قلين ويشدد على جودة الرعاية وحسن معاملة المرضى    وكيل شباب ورياضة الجيزة يتابع تطوير مركز شباب الديسمي لخدمة المتضررين من السيول    محمود مسلم: قمة شرم الشيخ تمهد لسلام واستقرار الشرق الأوسط.. وحماس لن يكون لها تواجد سياسي في غزة    «منتصف النهار» يبرز الإشادات الدولية بدور مصر في وقف الحرب على غزة    مواصفة امتحان مادة الدين فى اختبارات الشهر للمرحلة الابتدائية    ارتفاع عدد الوفيات بين تلاميذ تروسيكل أسيوط ل5 أطفال    البلوجر مونلي في التحقيقات: شاركت في لايفات سوزي الأردنية مقابل 15 ألف جنيه    أرقام تفصيلية.. إطلاق سراح 3985 أسيرا فلسطينيا خلال صفقات التبادل    عاهل الأردن يبحث تعزيز التعاون مع إيطاليا وهنغاريا وسلوفينيا خلال جولة أوروبية    نادي أدب البادية يواصل فعالياته في بئر العبد في شمال سيناء    ميريهان حسين: «أصور فيلم جديد مع هاني سلامة.. واسمه الحارس»| خاص    نقابة الموسيقيين: مصر راعية السلام فى المنطقة ودرع منيع للحق والعدالة    ما حكم إخراج الزكاة في عمل تسقيف البيوت؟    برشلونة يعلن إصابة ليفاندوفسكي وغيابه لمدة 6 أسابيع    مجلس عمداء جامعة كفر الشيخ يناقش انتظام الدراسة وتفعيل المبادرات الوطنية    زيادة ربع مليون نسمة في تعداد سكان مصر خلال 60 يومًا    رئيس جامعة القاهرة: إتاحة أحدث الإمكانات والمعامل لطلاب "الأهلية" لتلقي أرقى الخبرات    موقف البنك الأهلي من رحيل أسامة فيصل للقلعة الحمراء    احتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر.. الرقابة الإدارية تنظم ندوة حول مكافحة الفساد ببورسعيد    كيف تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي أفكارًا مميتة للمستخدمين؟ دراسة تحذر من التلاعب بالأسئلة    مكاسب مالية وحب جديد.. الأبراج الأكثر حظًا نهايات عام 2025    «تحيا مصر».. «دكان الفرحة» يفتح أبوابه ل5000 طالب وطالبة بجامعة المنصورة (صور)    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 يبدأ يوم 23 الشهر الجاري    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    كامل الوزير يسلم شهادات التحقق من تقارير البصمة الكربونية ل6 شركات محلية    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    دار الإفتاء توضح حكم ارتداء الأساور للرجال.. متى يكون جائزًا ومتى يُمنع؟    المرجان ب240 جنيهًا.. قائمة أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور اليوم الثلاثاء    مصرع عامل غرقا بخزان مياه ري في المنيا    "مكافحة الإدمان والتعاطي" ندوة بآثار جنوب الوادي    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    «الصحة» تنظم يوما علميًا للتعريف بالأدلة الاسترشادية بمستشفى المطرية التعليمي    مدرب المنتخب: وارد انضمام السعيد لأمم أفريقيا.. ولا توجد أزمة مع إمام عاشور    ماكرون: الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد هجمات إرهابية وزعزعة للاستقرار    المدرب العام للمنتخب: شريف ليس في حساباتنا.. ونحتاج للاعب يخلق الفرص لنفسه    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    وكيل صحة المنيا يفاجئ وحدة أبو عزيز ويحيل طبيبة للتحقيق بسبب الغياب    عمر عبد العزيز وشيرى عادل لجنة تحكيم مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا    الحركة الوطنية: قمة شرم الشيخ نقطة تحول استراتيجية.. وتأكيد على ريادة مصر    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    «اليونسكو» تكرم الدكتور نصرالدين العبيد مدير «أكساد»    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    «قبل مباراة إسرائيل».. ماذا يحتاج منتخب إيطاليا للتأهل لكأس العالم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإفراط فى التفاهة.. قنبلة نووية
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 04 - 2022

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب يوسف الحسن.. نعرض منه ما يلي.
نشر نجيب محفوظ روايته المسماة «ثرثرة فوق النيل» فى العام 1966، وكانت الرواية بمثابة جرس إنذار، يُحذّر من كارثة ستقع، وقد عبرت «ثرثرات» أبطال الرواية، عن عمق الرداءة السائدة، وعزلة المثقف الملتزم، وفراره إلى الثرثرة الفارغة والغيبوبة، حتى أصبحت حياته مجرد نكتة سمجة بفضل التفاهة.
قال لى صديق مثقف، وهو يذكرنى بتلك الرواية، وقد تحولت إلى فيلم سينمائى فيما بعد، وسألنى، فيما إذا كنت أتذكر، المنظر الأخير فى الفيلم، وأحد أبطاله يسير وسط الشارع، وهو يهتف بأعلى صوته، ويقول: «يا ناس فوقوا.. كفاية تفاهة وتحشيش».
قال لى، وهو يحاورنى، «إنه لم يعد قادرا على احتمال أى نص أدبى عميق، أو قراءة فكرة فلسفية».
لم يتوقف صاحبى عن الحديث، والتعبير عن حزنه ووجعه، أمام المشهد العام الذى يراه، مليئا بثقافة التفاهة، هنا وهناك، وفى أجزاء كثيرة من العالم.
ويتساءل: ماذا جرى، حتى أصبح للتفاهة نظامها وصناعتها وآلياتها ونجومها، وعوائدها المالية الخيالية. وقد اقتحمت حتى خصوصية الأفراد، من خلال سيطرة الصوت والصورة والثرثرة، وحضور عالم الاستعراض والفرجة، وتوسع صناعة الرموز الرخيصة فى قيمها وعطائها ومحتواها الردىء.
غادرنى مهموما، وعدت إلى نفسى، وفى لحظات التأمل والعزلة (نصف إجبارية)، واصلت البحث للانتهاء من مخطوطة كتاب أعمل على إنجازه منذ أكثر من عام، حول نفس أطروحة صاحبنا.
حسنا، إن الثقافات الرديئة تنتج نظمها التافهة، فى السياسة والأدب والاجتماع والفنون وغيرها.. حيث تُهمَّش قيمة الإنسان، وتفكك منظومات قيمية إنسانية عليا، لتحل محلها المنفعة والمتعة العابرة، والبهرجة والابتذال، ويصبح الشأن العام، فى ظل ثقافة التفاهة، مجرد تقنية إدارية، وليس منظومة قيم، وتنتشر الغوغائية السياسية، بما فيها من جاذبية وميل جماهيرى لها، وتنحدر قطاعات الفنون المختلفة، من سينما وغناء وموسيقى ومسرح ورواية، وتغزو المجتمعات أعراض التفاهة والعبث، والأنماط المعيشية المرذولة، والتى تسهم فى إفساد الذائقة الثقافية للناس، وتقاوم ثورة العقل والإبداع الفلسفى الإنسانى، والتجديد فى حقول الفكر والأيديولوجية والمعرفة والسياسة والحوار.
وفى ظل هذه البيئات الرديئة، يتحول التافهون إلى رموز، وبخاصة فى زمن تكنولوجيا الإعلام والتواصل الاجتماعى، وما أتاحته هذه الوسائط من إمكانيات غير محدودة للنشر والمشاركة والتأثير فى الثقافة والقيم والوعى، وجعلت من حمقى وتافهين ومهرجين مشاهير، وتجاوزت نسبة مشاهدتهم ومتابعتهم الملايين من الأفراد.
إن ملايين من «المشاهدات» والإعجاب، لا تعنى بالضرورة القيمة الأدبية أو الفكرية أو العلمية أو الإبداعية، وكم شاهدنا، كيف أدت «تغريدة» سياسية واحدة لتصنيف صاحبها بأنه «محلل سياسى، واستراتيجى أو خبير أو حتى فيلسوف».
تتمدد التفاهة، بشكل مطرد، باعتبار أنها تخدم أغراض السوق، وتراكم الأرباح، وفى وقت نمر فيه على خبر علمى، وكتاب فكرى عميق، مرور الكرام.
من المسئول عن إشاعة الرداءة والتفاهة، وتحولها إلى مناخ سائد جذاب؟ تبدأ خطوات النزول إلى «حفلة التفاهة» حينما تتدهور متطلبات الجودة والأداء الإبداعى، وتهتز القيم ويعم الفساد والتسيب الأخلاقى، ويُفتقد الإحساس بالانتماء، ويفر المثقف وصاحب الضمير المسئول.
تُشرعن التفاهة حينما يُستعان فى الأمور الجدية بتافهين اكتسبوا الشهرة، بسبب رداءتهم، وتُخصص ميزانيات ضخمة لإعلاناتهم، وتكون المحصلة تراكم سلوكيات رديئة، وانتشارها وإعادة إنتاجها.
وها نحن اليوم، نشهد كيف أصبحت الكتب العلمية والأدبية والفكرية قليلة الرواج، ولا تغطى حتى تكاليف نشرها، وصار (الهاشتاغ #) أهم وأقوى من الاستطلاع العلمى أو الميدانى، والكم أهم من الكيف، والديمقراطية مقدمة على الحرية والعدالة... إلخ.
حسنا، لنوقف التفاهة، بدءا من الوعى بهشاشتها، وبسخف وخداع ما تعده «مهما» أو أنه هو «ما يطلبه الجمهور».
إن معرفة التفاهة تحرر الإنسان من الأوهام والسذاجة والخداع، كما يمكن مواجهتها من خلال الارتقاء بالخطاب داخل النقاش العام فى المجتمع، إلى مستوى نهضوى وعقلانى وإنسانى، ورفع مستوى الذائقة الجمالية والقيمية لدى الأجيال الشابة، ورد الاعتبار لحب الحكمة والفضول المعرفى، ولنظم الجودة والإنتاجية وقيم الخير العام وعمران الأرض.
يقول الروائى الإسبانى كارلوس زافون فى روايته «ظل الريح»: «لن يُفنى العالم بسبب قنبلة نووية، كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط فى التفاهة، والتى ستحول الواقع إلى نكتة سخيفة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.