"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"، من منطلق هذه الآية الكريمة، تستعرض "الشروق" خلال ال10 أيام الأوائل من شهر رمضان سلسلة "الحيوان في القرآن". نستعرض خلال الحقلة الثالثة من السلسلة، القصة الكاملة ل"بقرة بني إسرائيل"، وكيف انطقت رجلا ميتا بقول الحق، في معجزة بينة من معجزات نبي الله موسى عليه السلام، خلال رسالته إلى قومه بني إسرائيل. • رسالة النبي موسى عليه السلام لبني إسرائيل روى الإمام ابن كثير رحمه الله، في كتابه "البداية والنهاية"، أن النبي موسى من الرسل الذين خصهم الله بصفات أولى العزم، وهو ابن عمران بن لاوي بن نفتالي بن جاد بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سام بن نوح بن إدريس بن شيث بن آدم عليهم السلام، وهو من أنبياء بني إسرائيل، الذين يرجع أصلهم إلى جدهم النبي يعقوب أو (إسرائيل) عليه السلام؛ لذا فكل من أتى بعده من الأنبياء هم أنبياء بني إسرائيل. ولد النبي هارون أولا ثم أخيه النبي موسى -عليهما السلام- على أرض مصر، وشبّا وكبرا من خيرها، وهما من بني إسرائيل، أي أنهما أحفاد أخوة سيدنا يوسف عليه السلام رئيس وزراء مصر، عندما دعاهم يوسف برفقة أبيه النبي يعقوب للعيش في مصر خلال السنوات العجاف التي ضربت الأرض، لتتحقق رؤية يوسف بسجود أخوته له، الذين عاشوا في خير مصر بعد فراق بينهم وبين أخيهم. لما شبّ موسى وبلغ النبوة وعَلِم فرعون بذلك، هرب النبي برفقة أخيه هارون عليه السلام مع بني إسرائيل من مصر خوفا من فرعون وجنوده، لكن فرعون -الذي يعتقد أنه لم يكن مصريا آنذاك- تبعهم، فلما بلغ قوم موسى البحر ضربه موسى بعصاه، فانشق، فعبر موسى وقومه إلى الشط، ولما لحق بهم فرعون وجنوده أُغلِق البحر عليهم فهلكوا. وما أن خرج بنو إسرائيل من البحر ونجاهم الله من فرعون واستقروا في بلاد الشام، والأقرب فلسطين، حتى بدأت ضلالاتهم تظهر بدل شكر النعم، فلما مروا على قوم وثنيين يعبدون الأصنام، قالوا "يا موسى اجعل لنا آلهة مثلهم"، فبدأت متاعب نبي الله معهم. بعد الكثير من تعنتهم وضلالهم، دعاهم النبي موسى أن يحاربوا لفتح الأرض المقدسة (فلسطين)، وما كان منهم إلا أنهم رفضوا الأمر الإلهي وتمنّعوا، ثم تبع ذلك التبتر على نعمة المن والسلوى وعبادة عجل من الذهب من دون الله عز وجل، حتى أمرهم الله بذبح البقرة. • عِناد بنو إسرائيل في ذبح البقرة ذكر الإمام ابن كثير، أن ابن عباس رضي الله عنه، قال إنه كان هناك رجلا في بني إسرائيل كثير المال، وكان شيخا كبيرا وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فتخفى أحدهم في الليل فقتله، ثم أنكر فعلته، فجاء القوم إلى النبي موسى وقصوا عليه ما حدث، فرد عليهم بأن الله يريدهم أن يذبحوا بقرة. دخل بنو إسرائيل في جدالهم المعتاد مع نبي الله، 3 مرات من الشك والتردد عن نوع البقرة ولونها، فالأولى لم يستجيبوا للأمر الإلهي واعتبروه تقليلا منهم، والثانية قالوا للنبي موسى عليه السلام أن يدع الله يبين لهم شكل البقرة، والثالثة أن يبين الله لونها، بالرغم من أنه تعالى أمرهم بذبح أي بقرة دون التقييد بشكل أو لون معين. وذكر الله في كتابه العزيز أن بني إسرائيل أتوا بالبقرة بعدما بيّن لهم الله أنها صفراء بكر عوان لاشية فيها وتسقي الحرث، فعثروا عليها فذبحوها وما كادوا يفعلون، ثم ضربوا ببعض منها الشيخ المقتول، فرد الله عليه روحه وقال قتلني ابن أخي، ثم عاد ميتا كما كان. يقول الله تعالى في كتابه العزيز، في سورة البقرة: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)". صدق الله العظيم. • فضل سورة البقرة في القرآن الكريم سمى الله تعالى جزئين ونصف من القرآن الكريم باسم (البقرة)، لتصبح أطول سورة في القرآن الكريم، عدد آياتها 286، وترتيبها في المُصحف الثّانية بعد سورة الفاتحة، نزلت في المدينة، بل تُعدّ أوّل سورة نزلت هناك باستثناء الآية «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ»، التي نزلت في مكةالمكرمة خلال حجّة الوداع. لسورة البقرة فضل وثواب كبير، فهي تحوي العديد من الأحكام الشرعية، بجانب آيات الرّقية، حيث تناولت التّشريع الإسلاميّ المُنظِّم لحياة المسلمين في نطاقَي العبادات والمُعاملات، من إقامة الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأحكام الجهاد، والحدود والكثير المنظّم حياة الفرد المسلم والجماعة. ويُميّز سورة البقرة عن غيرها، وجود أطول آية في القرآن الكريم، وهي آية الدَّين التي بيّنت أحكام الدَّين في الإسلام، وكذلك اشتمالها على آية الكرسي، التي هي أعظم آية في القرآن الكريم. ورد في سورة البقرة ألف نهي وألف أمر وخبر طاردة للشيطان ماحقة له وللسحرة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». وتأتي يوم القيامة كغمامة في موقف عظيم، ومهيب، وتظلل على قارئها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا». كما أن سورة البقرة تضم أعظم آية في القرآن الكريم وهي آية الكرسي، يقول (صلى): «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ». اقرأ أيضا :الحيوان في القرآن (2).. الهدهد يساعد سيدنا سليمان على فتح مملكة سبأ