أكد فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الله تعالى خصَّ شهر رمضان على سائر الشهور بالتكريم والتشريف؛ فأنزل فيه القرآن الكريم في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وجعل صيام نهاره أحد أركان شريعة الإسلام، وهو شهر تُضاعف فيه الحسنات؛ فالحسنة فيه بألف حسنة في غيره، وأداء الفريضة في زمانه تعدل سبعين فريضة فيما سواه. ودعا مفتي الجمهورية - في تصريحات اليوم السبت - كل مسلم إلى البدء في استقبال شهر رمضان بشُكر الله تعالى على تجدُّد نِعمه عليه بأن بلَّغه شهر الصيام وهو خالٍ من العوائق التي قد تمنعه من الصيام، مع إظهار الفرحة وتهنئة غيره بقدومه بما يدخل السرور عليه ويشيع الألفة والمحبة؛ ففي مقام الاستقبال والترحيب بهذا الشهر المبارك يقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ مهنئًا أصحابه ومبشِّرًا أمَّته في آخر أيام من شعبان: "أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ". ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أنَّ شهر رمضان من الأشهر العزيزة الكريمة على الله سبحانه وتعالى التي تُغفر فيها الذنوب ويُعتق الإنسانُ فيها من النار، وهو شهر العطاء والمدد الإلهي والتحصين لمن أراد الحصانة، مؤكدا أنَّ شهر رمضان موسم للطاعة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعجل قدوم رمضان ويدعو الله بقوله: اللهم بلِّغنا رمضان؛ لأجل استعجال الطاعة، ولم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان؛ لما للشهر الكريم من فضائل وخصوصية. لقد كان المسلمون يستقبلون شهر رمضان بفائق العناية ويولونه أشد الاهتمام، وكانوا يَستعدُّون لمقدمه فرحًا بقدومه، واستبشارًا بفضله، فهو موسم للطاعات والمنافسة للفوز بالرحمات والمغفرة. وتوجَّه مفتي الجمهورية إلى المسلم ناصحًا له بأن يُعدَّ نفسه إعدادًا جيدًا لاستقبال الشهر الكريم ويطهِّر نفسه بالتوبة إلى الله تعالى، لينال الجائزة الكبرى والمغفرة لذنوبه، وألَّا ينفق وقته وعمله في غير طاعة الله حتى لا يرغم أنفه ويخسر المغفرة، وعلى مَن أراد التقرُّب إلى الله أن يسارع من التخلُّص من التَّبعات بردِّ حقوق العباد واستغفار الله عزَّ وجلَّ والندم على ما فات من تقصير في حقِّه عزَّ وجلَّ. كما دعا مفتي الجمهورية المسلم وهو يستقبل شهر رمضان أن يحاسب نفسه ويتدبَّر أحواله، كما أنَّه وهو يستقبل رمضان لا بدَّ أن يُطهِّر قلبَه ممَّا ألمَّ به من شواغل التي تشغله عن ربه وعن عبادته، وأن يُطهِّره مما ألمَّ به من أمراض الكراهية والغلِّ والحسد والمشاحنة والبغضاء، ولا يفوت المسلم شكر الله تعالى على نِعَمه عليه التي لا تعدُّ ولا تُحصى، ومن بين تلك النعم أن الله تعالى أنعم عليه بأن أدرك رمضان. وقال مفتي الجمهورية، إن على المكلف إذا كان يعمل عملًا شاقًّا لا يستطيع التخلي عنه في نهار رمضان، لحاجته أو لحاجة مَن يعول؛ ولا يتسنَّى له تأجيل عمله الشاق لما بعد رمضان، أو جعله في لياليه فإن الصيام لا يجب عليه في أيام رمضان التي يحتاج فيها إلى أن يعمل هذا العمل الشاق في نهاره؛ لكونه محتاجًا إليه في القيام بنفقة نفسه أو نفقة مَن عليه نفقتهم، كعمل البنائين والحمَّالين وأمثالهم، وخاصة مَن يعملون في الحرِّ الشديد، أو لساعات طويلة، أو أمام الأفران أو السائقين لمسافات طويلة ومرهقة، وكذلك الحال مع كبار السنِّ أو أصحاب الأمراض المزمنة الذين يتضررون من الصوم، وعلى هذا الشخص الفدية إذا كان استمر هذا الحال طوال عمره، وتسقط الفدية إن لم يستطع إخراجها عن نفسه أو لم يتمكَّن أحد من إخراجها عنه. وأضاف مفتي الجمهورية: على هؤلاء تبييت النيَّة من الليل، ولا يفطرون إلا في اليوم الذي يغلب على ظنهم فيه أنهم سيزاولون هذا العمل الشاق الذي يعلمون بالتجربة السابقة أنهم لا يستطيعون معه الصيام؛ تنزيلًا للمظنَّة منزلة المئنَّة. ويُفضَّل محاولة الصيام وعدم الاضطرار إلى الإفطار إلا بعد الشعور بالمشقة؛ فالصيام خير إذا كانت هناك قدرة عليه. وفي ردِّه على سؤال عن حكم مَن يقاطع والديه ونحن مقبلون على رمضان، قال فضيلته: إنَّ فضل الآباء على أبنائهم عظيم، فهم سبب وجودنا في الحياة، ولا يجوز أن نؤذيهم بما يخدش المشاعر حتى لو كان كلمة أفٍّ؛ لأن أذى مشاعر الوالدين محرَّم، ولذا يجب الحرص كلَّ الحرص على طاعة الوالدين، وإن كان هناك توتُّر في المعاملة معهم أو خصام فيجب على الفور إزالة ذلك، وليعلم الأبناء أن الوالدين أحرص على الأبناء وعلى مصلحتهم من أنفسهم. وعن حكم إخراج زكاة الفطر من أول يوم للأسر الفقيرة، قال فضيلة المفتي: الأمر فيه سَعة، فيستحبُّ إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ولا مانع شرعًا عند بعض الفقهاء من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، أو تعجيلها من أول دخول رمضان، ويُكرَه تأخيرُها لما بعد صلاة العيد، فإن تأخَّر فلا تسقط ويجب إخراجها، وكذا تعجيل زكاة المال ولو لمدة عامين مقبليْن، فضلًا عن جواز إخراج فدية الصيام، بل ذلك أولى في ظلِّ الأزمة الراهنة، تعرُّضًا لنفحات الله تعالى المبثوثة في مواسم الخيرات. وأضاف مفتي الجمهورية عن حكم إخراج زكاة الفطر نقودًا قائلًا: الذي نختاره للفتوى في هذا العصر، ونراه أوفقَ لمقاصد الشرع، وأرفقَ بمصالح الخلق، أن تكون نوعية زكاة الفطر ما هو أنفع للمستحق، وعلى هذا يجوز إخراجِ زكاة الفطر مالًا مطلقًا، وهذا هو مذهب الحنفية، وهو الموافق لعمل سيدنا معاذ، فضلًا عن غيره من الصحابة والتابعين والفقهاء. وحدَّد مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- قيمةَ زكاة الفطر لهذا العام 1443 هجريًّا ب 15 جنيهًا كحدٍّ أدنى عن كل فرد، وأوضح أن تقدير قيمة زكاة الفطر لهذا العام، جاءت بالتنسيق مع مجمع البحوث الإسلامية برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. وأوضح مفتي الجمهورية أن تقدير قيمة زكاة الفطر لهذا العام لتكون عند مستوى 15 جنيهًا، جاء كحدٍّ أدنى عن كل فرد مع استحباب الزيادة عن هذا المبلغ لمن أراد، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية أخذت برأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقودًا بدلًا من الحبوب؛ تيسيرًا على الفقراء في قضاء حاجاتهم ومطالبهم، والفتوى مستقرة على ذلك. وأضاف فضيلته أن قيمة زكاة الفطر تعادل (2.5) كيلو جرام من القمح عن كل فرد، نظرًا لأنه غالب قوت أهل مصر. وأشار فضيلة المفتي إلى أنه يجوز شرعًا إخراج زكاة الفطر منذ أول يوم في شهر رمضان، وحتى قبيل صلاة عيد الفطر، وناشد مفتي الجمهورية المسلمين تعجيل زكاة فطرهم وتوجيهها إلى الفقراء والمحتاجين، حيث تعيش الأمة الإسلاميَّة -بل الإنسانية جميعًا- ظروفًا استثنائية غيَّرت بصورة غير مسبوقة سمات الحياة العامة المعتادة في شهر رمضان. وعن صيام مريض السكَّر قال فضيلته: مرض السكَّر -كما يقول أهل الاختصاص في الطب- على درجات، فمنه النوع غير المؤثر، وهذا لا يضره الصوم وعليه يجب الصيام، بل هناك مَن يقول من الأطباء بأن الصوم مفيد له، وهناك نوع من مرض السكَّر ليس بالخطير جدًّا وله الخيار في الفطر أو الصوم، وعليه اتِّباع الأفضل له وَفق تعليمات الطبيب، وهناك النوع الثالث وهو شديد الخطورة، وعلى المريض به الفطر حفاظًا على نفسه من الهلاك، علمًا بأن الحفاظ على النفس عبادة. وعن نوعية الأعمال المحببة للصائم قال فضيلته: كل الأعمال الصالحة محببة، ومنها عمل الرجل للإنفاق على نفسه وبيته، فينبغي ألا يكون الصيام تُكأة للكسل والتراخي عن العمل، فضلًا عن الأعمال الصالحة التي تشفع للعبد كقراءة القرآن والذكر وصلة الرحم وإطعام الطعام وكف الأذى عن الناس قولًا وفعلًا. وفي رده على سؤال حول حكم الصيام دون صلاة قال فضيلته: هناك فرق بين الصحة والقَبول، فمن صام ملتزمًا بأحكام الصيام فصومه صحيح، حتى لو قصَّر في الصلاة أو في غيرها، أمَّا القَبول فلا يعلمه إلا الله؛ ولذا ينبغي الحرص على الْتماس كل الأعمال الصالحة وفعلها أثناء الصوم لقَبوله عند الله. وعن حكم تجديد النية كل يوم قبل فجر اليوم الجديد قائلًا: للخروج من الخلاف ينبغي تجديد النية كل يوم، ولكن لو نسي المسلم فعليه الاكتفاء بنيته أول يوم؛ أخذًا بقول جماعة معتبرة من العلماء كالمالكية وغيرهم.