ما تزال السينما قادرة على ان تتوغل فى نقاط جراح كبيرة أصابت المنطقة العربية، ومازال جرحها ينزف منها حتى اللحظة، تنبش فى الذاكرة حتى توقظ تاريخا لا ينسى، وتجعل الاجيال الجديدة لا تنفصل عن ماضٍ تلاعب باستقرار واقعهم ومستقبلهم وبالقطع يأتى فى المقدمة نكبة 48، ويأتى فيلم المخرجة الاردنية دارين سلام «فرحة» الذى عرض بمهرجان اسوان لأفلام المرأة، ليعيد المشهد من جديد، وقد احرز الفيلم هدفا بجعل بطلته طفلة حتى تكثف المأساة الإنسانية وفق دراما قوية، وسيناريو ذكى. قصة الفيلم واقعية عن فتاة تبلغ من العمر 14عاما «فرحة»، جردتها النكبة من كل حقوقها كطفلة واضطر والدها لحبسها وحيدة داخل المنزل من أجل إخفائها عن أعين جنود الاحتلال بعد تهجير أهل القرية، لكنه رحل وظلت هى تتابع جرائم الكيان الصهيونى من شقوق الباب حتى استطاعت تحرير نفسها، فى اشارة إلى أن الشعب الفلسطينى هو شعب صامد وملهم ويعيش صراعا يوميا لا ينتهى، لذلك اوحى العمل انه لابد من الاستمرار فى تقديم تلك القصص البطولية عن طريق الأفلام حتى تكون سببًا فى تخليدها وبقائها فى الذاكرة. أحداث الفيلم فى فلسطين عام 1948، وتحكى قصة فرحة «كرم طاهر» سلبت أحلامها فى الحصول على تعليم رسمى بسبب بدء ما أصبح يعرف بالنكبة، تراقب «فرحة» المحصورة فى غرفة إمداد صغيرة، العالم الذى تعرفه ينهار بعيدًا ويجب أن تجد القوة داخلها للاستمرار على الرغم من ظروفها الأليمة. انجاز الفيلم ليس فقط فى سرد القصص، ولكن فى التمثيل والتوجيه والالتزام بالحفاظ على الأحداث التاريخية من منظور راسخ، اهتمت دارين سلام التى تقدم أول اعمالها بالتفاصيل الصغيرة وهى أحد الأسباب التى تجعل القصة مؤثرة كما هى بحيث يُسمح لكل مشهد بالتنفس مما يؤكد بدوره على الوزن العاطفى الذى تتحمله كل شخصية. بالطبع الحرب لها تأثير سلبى علينا جميعًا وهى تجربة عاطفية للغاية صورت بدقة لتحث من جديد على الرغبة فى المقاومة ضد نزيف انهيار المجتمع الفلسطينى الملبد بقصص الوفاء والخيانة. الشعور المذهل الذى يجب تركه للجمهور يأتى بلا شك من شخصية فرحة التى جسدتها باقتدار الطفلة كرم طاهر فى اول ادوارها المثيرة، ومعها والدها الذى جسده اشرف برهوم، وعمها ابو وليد «على سليمان». فرحة على عكس الفتيات الأخريات فى بلدتها، لا ترى نفسها فردا يجب ان تتزوج، بل على أنها مساوية لكل صبى حصل على فرصة فى التعليم الرسمى. لديها قلب عنيد ودهاء يميزها عن الآخرين، هذه هى الصفات التى تجعلها بطلة جذابة وهى شخصية تضمن لك أن تظل متمسكًا برؤيتها حتى نهاية رحلتها. فى الفيلم تصور دارين الطبيعة القاسية لهذه المعركة التى لا نهاية لها فى الشرق الأوسط «فلسطينالمحتلة» ليس من قبيل المصادفة أنها تظهر صبية يطاردون المحتل بلعبة تشبه البندقية يصوبونها تجاههم، ويدفعون الحجارة الصغيرة على الجنود قبل أن يقطعوا مشهدًا بين أبو فرحة وصهره «ابو وليد» حيث ناقشوا جرأة الذين يتظاهرون بامتلاكهم ميليشيا مسلحة. لا يختلف الأمر اليوم عن إطلاق الإسرائيليين النار على حشود من المدنيين العزل لأن أحدهم ألقى علبة أو حجرا، سوف يستخدم الظالمون أى ذرائع تحت تصرفهم لمواصلة قمعهم؛ وقد شاهدنا مشهد مكبرات الصوت تنادى على أنه يجب على جميع السكان إخلاء منازلهم أو قتلهم داخل المنازل. نجاح «فرحة» يعتمد على قدرتنا على مشاهدة ما يتكشف ونصدق صدقه من عيون تلك الطفلة والتأثير على القلوب والعقول فى الواقع، ففرحة فى اتساع الصورة تكافح من أجل الولاء لقريتها وتحلم بالاستمتاع بالمدينة، ومحاولة هروبها من الحياة البسيطة لا تعنى أنها ليست مرتبطة بها جوهريًا. على الرغم من عدم معرفة الكثير عن تاريخ النكبة، فمن الواضح أن دارين سلام صورت جزءا بسيطا من هذا الحدث التاريخى بطريقة تجعلك تقوم ببعض عمليات البحث السريعة لمعرفة المزيد فقصة فرح كانت بمثابة رؤية رائعة لاستكشاف هذا الحدث برؤية مذهلة.. فرحة قصة حب وأمل وتصميم فتاة صغيرة على البقاء.