هى بمثابة الأخت أو الابنة، تدخل كل بيت وتستمع للجميع بهدف نشر الوعى حول تنظيم الأسرة وإنفلونزا الخنازير، جولة مع الرائدات الريفيات بالعمرانية. «الأبلة بتاعة الوحدة»، «الست بتاعة الصحة» أو«الست الدكتورة»، كلها ألقاب تطلقها النساء للترحيب بولاء الرائدة الريفية عند اقترابها من منازلهن للزيارة. وولاء هى واحدة من أربع رائدات مسئولات عن نشر الوعى فى قرية الكنيسة التابعة لإدارة العمرانية بمحافظة العمرانيةلجيزة، ما إن تدخل ولاء أحد الشوارع حتى تتهافت النساء الواقفات أمام منازلهن لإدخالها إلى البيت والفوز بمجالستها والدردشة معها. فى شارع فرن موسى، فازت بالزيارة أم هانى بصوتها المرتفع ومزاحها المستمر، فزوجة ابنها التى وضعت طفلا أخيرا فى حاجة ماسة لنصائح «الأبلة». «وضع العيل على صدرك لازم يكون بشكل معين، اشربى سوايل كتير حتى لو مياه واستحمى كل يوم»، تلك كانت أبرز نصائح الرائدة الريفية ولاء للأم الشابة وهى لم تتركها قبل أن تذكرها بالذهاب للوحدة الصحية بعد أن «تربعن» مباشرة لتحديد وسيلة تنظيم الأسرة. بمجرد أن تنتهى ولاء من الحديث تجذبها أم هانى للسطح لتريها كيف تحافظ على نظافة عشش الطيور وكيف تعزل كل نوع عن الآخر، كما تريها الباب الذى صنعته لتمنع اقتراب الأطفال وتستخدم وعاء كبيرا مخصصا للذبح الآمن وجلبابا معلقا على السور تضعه عند الذبح وتخلعه مباشرة بعد ذلك. تعرض أم هانى التى تعدت الخمسين عاما انجازاتها على ولاء كما لو كانت طفلة تريد سماع كلمة تشجيع من معلمتها، وهذا ما يحدث بالفعل إذ لا تتوانى ولاء عن إسماعها كلمات الإعجاب والتشجيع. تؤكد الرائدة الشابة أن المتابعة والتشجيع لهما دور مهم جدا فى نجاح عمل الرائدات الريفيات الذى يعتمد أساسا على اكتساب ثقة الناس، وتضيف: «بما أننا نتوجه برسائلنا للريفيين فكان لابد أن نخاطبهن بلغة بسيطة وأن نقترب من تفاصيل حياتهن اليومية ونقنعهن بأن كل ما نطالبهن به يصب فى مصلحتهن». هذا هو أساس عمل الرائدات الميدانى وهو نظام بدأته وزارة السكان منذ نحو خمسة عشر عاما ويعتمد أساسا على الاستعانة بنساء من المجتمع الريفى لتوجيه رسائل بعينها للسكان. وقد ظهرت الفكرة للمرة الأولى فى منتصف الستينيات عندما قامت بعض سيدات المجتمع بتدريب نحو 78 سيدة لنشر الوعى فى المجتمع المحيط، ثم طورت الجمعيات الأهلية آليات العمل المجتمعى حتى عام 1985 تاريخ إنشاء المجلس القومى للسكان وظهور قاعدة للرائدات الريفيات على يد بعض المخضرمات فى هذا المجال. وقد أخذ العمل بهذا النظام شكله الحالى منذ عام 1996 كنتيجة مباشرة لمؤتمر السكان، وهدفه فى المقام الأول نشر الوعى بتنظيم الأسرة والاستعانة ب6 آلاف رائدة ريفية فى سائر أنحاء الجمهورية. ولكن النشاط أصبح يضم حاليا 13 ألف رائدة منهن ألفان يتبعن وزارة التضامن الاجتماعى و11 ألفا تابعات لوزارة الصحة. الرائدات تطرقن الأبواب فى معظم قرى مصر لتوصيل عدة رسائل من شأنها تغيير السلوك ليس فقط فيما يتعلق بتنظيم الأسرة ولكن أيضا بالنسبة لمشكلات البيئة وعمالة الأطفال أو ختان الإناث والعنف ضد المرأة. وتوضح الدكتورة آمال زكى مديرة برنامج الرائدات بقطاع تنظيم الأسرة بوزارة الصحة أن هناك عدة شروط لاختيار الرائدة منها ألا يزيد عمرها على 35 عاما وأن تكون حاصلة على شهادة متوسطة على أقل تقدير، ويفضل من لديهن خبرة فى مجال العمل الاجتماعى، كذلك يجب أن يكون شكلها العام مقبولا وأن تكون قدوة حسنة. يتم بعد ذلك تدريب من وقع عليهن الاختيار على عدة مهارات مثل الحديث والإنصات والزيارات المنزلية وتقديم المشورة. وتنظم الدورات التدريبية أيضا لمدهن بالمعلومات حول قضايا الساعة مثل إنفلونزا الطيور والخنازير. عند الحديث عن مثل هذه الأمراض تقول سحر يوسف، مشرفة رائدات مديرية الجيزة، إن الرائدة لا تستخدم كلمات مثل «فيرس» أو تعقيم وكمامة أو قفاز ولكن يجب أن تشرح للناس ببساطة خطورة المرض وكيفية الوقاية منه. وتضيف: «أول ما العيل يسخن نجرى بيه ع الدكتور ونلف إيشارب على وجهه ونلبس كيس فى أيدينا»، الشىء نفسه بالنسبة للدرن فلا يتم إدخال النساء فى تفاصيل المرض ولكن النصيحة تكون بتهوية المنزل والحرص من السعال المستمر. حكى المصطبة من شارع إلى آخر تتنقل ولاء وإستر خلال الزيارات اليومية، وأثناء سيرهما لا تكفان عن تبادل التحية وإلقاء النكات أو الرد بلباقة على الدعوات المستميتة لتناول الإفطار أو حتى كوب شاى. فى شارع محمد عمر تتفرق الشابتان لتدخل كل واحدة منهما شارعا مختلفا للحديث عن وسائل تنظيم الأسرة. هويدا ومنى تزوجتا من أخوين سبق لهما الزواج ولم يرزقا بأطفال. والآن أنجبا عدة أولاد ويريدان المزيد بتشجيع من والدتهما. لا تبدأ ولاء مباشرة فى الحديث حول ما أتت من أجله، بل تبادر بالسؤال عن «العيال» و«طبيخ اليوم»، ثم تدير الدفة بلباقة نحو الهدف «لازم يكون لك رأى فى الموضوع وأوعى تبطلى الوسيلة حتى لو جوزك مسافر». تقوم إستر بالمهمة نفسها فى بيت مريم الأم الشابة التى تسكن فى شارع مسجد السلام والتى اقتنعت أخيرا بالاكتفاء بطفلين. كان من الضرورى أن تتحدث إستر الرائدة المسيحية إلى مريم دون أى رائدة مسلمة، لأن الموضوع يتعلق بالديانة والعقيدة. فهناك موضوعات حساسة مثل تحديد النسل يفضل أن تتحدث فيها الرائدة المسيحية مع المسيحيات والعكس صحيح. فى شارع آخر تجد ولاء نفسها محاطة بالنساء اللاتى انتهين من الفطور وترتيب المنزل، فتجمعهن على المصطبة وتحدثهن دون حرج عن تطعيم الأطفال والابتعاد عن مخالطة الطيور أو ضرورة محو الأمية. وقبل عودتها للوحدة الصحية تنهى جولتها بالزيارة الأصعب، فتعرج إلى شارع العمدة، وتتجه إلى الحارة السد حيث يقطن «غدنفر» البالغ من العمر خمسة وثمانين عاما. وهو يمثل التحدى الأكبر لكل الرائدات لأنه الوحيد الذى يمنعهن من الاقتراب من منزله أو التحدث مع زوجته وزوجات أبنائه. تكتفى ولاء بالوقوف بعيدا وسؤال «غدنفر» إذا كان قد غير رأيه ومستعدا للقائها. وكالعادة تأتى الإجابة عن بعد بالنفى، فهو يجلس أمام المنزل ليحرسه من هجوم الرائدات، وحوله أكثر من مئة طير فى تحدٍ صارخ لكل التحذيرات وزارة الصحة. قالت زوجة أحد أبنائه لولاء خلال المرة الوحيدة التى نجحت فى مقابلتها خارج المنزل: «دول أغلى عنده من أولاده»! الموضوع ليس دائما سهلا فهن تحاولن تغيير معتقدات راسخة وعادات متأصلة، وفى بداية المشروع عانت الرائدات من غلق الأبواب فى وجوههن وطردهن أو التهرب من لقائهن. لكن التعب يهون عندما ترين التغيير الذى طرأ على قرية «الكنيسة»، فقد امتلأت فصول محو الأمية عن آخرها وازداد الإقبال على وسائل تنظيم الأسرة واكتفت العديد من الأسر بأربعة أطفال كما قل ختان الإناث بشكل ملحوظ. وهن سعيدات بما حققن، رغم أن معظمهن من العمالة المؤقتة ومرتبهن لا يزيد على 149 جنيها، يحصلن عليها كل ثلاثة أشهر.