رئيس جامعة القاهرة: ارتقينا 23 مركزًا عالميًا بفضل استراتيجيات البحث العلمي    إعفاء إدارة مدرسة ببنى سويف بعد رسوب جماعى لطلاب الشهادة الإعدادية.. والتحقيق مع مدير الإدارة    موعد التقديم وسن القبول في رياض الأطفال وأولى ابتدائي بالأزهر 2025    شيخ الأزهر لوفد طلابي من جامعتي جورج واشنطن والأمريكيَّة بالقاهرة: العلم بلا إطار أخلاقي خطر على الإنسانية.. وما يحدث في غزة فضح الصَّمت العالمي    الرقابة النووية: نرصد الإشعاع عالميا ومصر على اتصال دائم بالوكالة الذرية    باركود وتسعيرة.. منظومة جديدة تحكم عمل السايس في القاهرة    انخفاض سعر الذهب اليوم فى مصر 19 يونيو 2025.. عيار 21 يسجل 4800 جنيها    الأشموني.. «الشرقية» جاده في إنهاء ملفات التصالح وتقنين الأوضاع    4 وزراء يبحثون التعديات على ترعة السويس وتوفير مياه الشرب    قرار جمهوري بشأن عمليات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في إفريقيا    جهاز القاهرة الجديدة: إتاحة 20 معاملة إلكترونية عبر بوابة خدمات المواطنين    تراجع مؤشرات البورصة المصرية بمنتصف اليوم الخميس    ئيس الوزراء يقوم بجولة فى مشروع تصنيع أجهزة شاشات التليفزيون والهواتف المحمولة بمصنع "صافي جروب" ب 6 أكتوبر    عراقجي: عقد اجتماع الجمعة في جنيف مع مسؤولين أوروبيين    الكرملين: دخول الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الإيراني بالغ الخطورة    العرب بدون انتصارات في مونديال الأندية.. هل يفعلها الأهلي أمام بالميراس؟    قائمة منقوصة و3 حراس مرمى.. الإصابات تُجبر الأهلي على "دكة" اضطرارية أمام بالميراس    هل يوجد تخبط؟.. الزمالك يوضح للجماهير الحقيقة كاملة بشأن جون والصفقات    ضبط (9) أطنان دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    سيولة مرورية وانتظام في حركة السير بالقاهرة والجيزة    «منخفض الهند الموسمي» | ظاهرة جوية تلهب ثلاث قارات وتؤثر على المناخ    «نهشته الحيوانات المفترسة».. ضبط 3 سيدات بتهمة إلقاء رضيع وسط الزراعات في قنا    "اتصالحنا وكله تمام".. تفاصيل جلسة معارضة نجل محمد رمضان على إيداعه في دار رعاية    ننشر نتائج الطلبة المصريين بالخارج من مرحلة الابتدائي وحتى تانية ثانوي    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة في مجال مكافحة جرائم السرقة    الليلة.. فرقة موط تعرضحجر القلب بالمهرجان الختامي فرق الأقاليم المسرحية    أحمد الجنايني يرد على شائعات ارتباطه ب أيتن عامر    الدموع تغلب ماجد المصري في حفل زفاف ابنته | صور    مرقس عادل: "في عز الظهر" يتناول الهوية المصرية ولا أحب تناول الرسائل بشكل صريح    بعد تداول أنباء ارتباطهما.. 10 صور تجمع أحمد مالك وهدى المفتي    فاتتني صلاة في السفر كيف أقضيها بعد عودتي؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما حكم تشغيل صوت القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب    «الصحة»: نستهدف تغطية 60% من احتياجات أفريقيا من اللقاحات عبر "فاكسيرا" بحلول 2040    الصحة: الارتفاع غير المبرر بالولادات القيصرية يؤثر سلبًا على جهود الدولة    وزير الصحة يترأس الاجتماع الأول للمجلس الوطني للسياحة الصحية    4 أنواع مكسرات تساعد على خسارة الوزن    ميشيل الجمل: وعي المصريين الحصن الحقيقي أمام شائعات الإخوان وأهدافهم الخبيثة    تنسيق الجامعات.. كلية الاقتصاد المنزلي جامعة حلوان    صادر له قرار هدم دون تنفيذ.. النيابة تطلب تحريات انهيار عقار باكوس في الإسكندرية    اتحاد المصارف: برنامج مشترك مع غرفة التجارة الدولية لرفع مستوى التحكيم    الرزق ليس ما تملك..بل ما نجاك الله من فقده    حمدي فتحي: نسعى لتحقيق نتيجة إيجابية أمام بالميراس    محافظ الدقهلية يستقبل نائب وزير الصحة للطب الوقائي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    خارجية أمريكا: نطالب جميع موظفى السفارة فى تل أبيب وأفراد عائلاتهم بتوخى الحذر    "الأهلي وصراع أوروبي لاتيني".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    بطائرات الشبح.. ترامب يهدد بضرب منشأة فوردو النووية الإيرانية    إعلام عبري: 7 صواريخ إيرانية على الأقل أصابت أهدافها في إسرائيل    بعد فشل القبة الإسرائيلية.. الدفاعات الأمريكية تعترض الموجة الإيرانية الأخيرة على إسرائيل    زيزو يوضح حقيقة الخلاف حول ركلة جزاء تريزيجيه    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الإسرائيلي على إيران    وسط تصاعد التوترات.. تفعيل الدفاعات الجوية الإيرانية في طهران    ‌‌ ‌الحرس الثوري الإيراني: لن نمنح إسرائيل لحظة هدوء واحدة    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموت الجميل على تخوم أوكرانيا
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 01 - 2022

إلى أبعد من حرص موسكو على كبح جماح التوجهات الأطلسية لغالبية دول الفضاء السوفييتى السابق، مقابل التعاضد الغربى لتحجيم الوصاية البوتينية على دول شرق أوروبا، يمضى التصعيد المتبادل بين موسكو والغرب، على وقع الأزمة الأوكرانية المحتدمة.
ما عاد بوتين يخفى مآربه للتبشير بنظام عالمى متعدد الأقطاب، بدلا من ذلك الأحادى القطبية، الذى أشهره الأمريكيون قبل ثلاثة عقود مضت، بينما لم يتورع عن المجاهرة برفضه، خلال خطابه الشهير أمام مؤتمر الأمن الأوروبى بميونيخ عام 2007. ولعل الرئيس الروسى يصبو إلى استعادة مكانة بلاده الكونية كقطب عالمى يناطح الولايات المتحدة، ويطوى صفحة هيمنتها المنفردة على نظام دولى، دشنه الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الأب على أنقاض الاتحاد السوفييتى المتهاوى فى ديسمبر1991، فيما اعتبره بوتين أضخم مأساة إنسانية، وأسوأ كارثة جيوسياسية فى القرن العشرين. بدوره، أكد وزير الخارجية الروسى، لافروف، أن المعاهدة الأمنية التى تطرحها بلاده، تمثل رؤية واقعية لضمان أمن أوروبا على المدى الطويل، وطريقة مثلى للتعايش السلمى البناء بين روسيا والغرب.
من وجهة نظر واشنطن والناتو، يشكل الغزو الروسى المحتمل لأوكرانيا، تقويضا لدعائم نظام دولى، أنتج اتفاق بودابست عام 1995،الذى تخلت بموجبه أوكرانيا عن ترسانتها النووية، مقابل استعادة سيادتها واستقلالها الآمن. ومن ثم، يتحسب الغرب، بحذر وترقب، لمساعى بوتين الهادفة لاستعادة السيطرة الروسية على الدول السوفييتية السابقة، توطئة لإحياء الاتحاد السوفييتى البائد. فقبل قليل، حذر وزير الخارجية الفرنسى لودريان، موسكو من التخطيط لعقد مؤتمر«يالطا 2»، بغية إعادة تقسيم دوائر النفوذ بين موسكو والغرب، على غرار «يالطا 1»، الذى رسم حدود أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية.
بموازاة ذلك، انبرت واشنطن فى تقوية أواصر التحالف الأوروأطلسى لمجابهة روسيا والصين، مع تقليص وتيرة التقارب الروسى الأوروبى، وإجهاض محاولات موسكو لتوسيع الفجوة بين مكونات المنظومة الغربية. فلطالما راهن بوتين على تردد بعض الحلفاء الأوروبيين فى الانخراط ضمن جولة تاسعة ومتنوعة من الإجراءات العقابية القاسية ضد روسيا، لاسيما تعطيل ترخيص خط أنابيب «نورد ستريم 2»، الذى سيضاعف صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا عبر بحر البلطيق. إذ تتخوف عواصم أوروبية عديدة من الأصداء الموجعة التى قد تستتبعها تلك العقوبات المقترحة على اقتصاداتها. حيث تشكل روسيا أحد أهم الشركاء التجاريين للقارة العجوز، كما تزودها بقرابة نصف احتياجاتها من الغاز والنفط، بما يتيح لبوتين سلاحا جيوسياسيا بالغ الخطورة.
انطلاقا من سوابق تاريخية، تأبى روسيا إلا انتزاع موافقة أمريكية مكتوبة على ضماناتها الأمنية. فإبان انهيار الاتحاد السوفييتى، حنثت واشنطن بتعهدها عدم التغلغل الجيواستراتيجى فى الفضاء السوفييتى البائد، أو تهديد أمن روسيا ومصالحها القومية. حيث مضى حلف الناتو فى سياسة التوسع شرقا، ليضم 14 دولة سوفييتية سابقة. وفى قمته ببوخارست عام 2008، تبنّى قرارًا بقبول عضوية أوكرانيا وجورجيا، دونما تحديد موعد زمنى لذلك. وبناء عليه، اقترحت موسكو على الغرب معاهدة لخفض التصعيد بالأزمة الأوكرانية. تتضمن تخلى الناتو عن ضم أعضاء جدد، مثل أوكرانيا وجورجيا وفنلندا، والسويد للناتو، وتقييد تموضع قواته فى جمهوريات سوفييتية سابقة، بالإضافة إلى سحب منظوماته التسليحية الاستراتيجية، فضلا عن خمسة آلاف جندى بعتادهم من بولندا ودول البلطيق ورومانيا وبلغاريا. علاوة على اتخاذ التدابير المنوطة بعودة الوضع الاستراتيجى الذى كان قائمًا قبل العام 1997، فى الدول التى التحقت بالحلف الأطلسى لاحقا.
تزامنا مع امتناع 14 دولة سوفييتية سابقة،عن فض ارتباطها الاستراتيجى مع الناتو، وإنهاء الوجود العسكرى الأمريكى على أراضيها، أعرب أمين عام الحلف الأطلسى عن رفض أعضائه الثلاثين للمقترح الروسى الذى يتوخى إقامة نظام أمنى جديد فى أوروبا. أما واشنطن، التى تحفظت عليه كتابة، فقد حسبته تقييدا لحرية التحركات الجيوسياسية للناتو، وانتقاصا من سيادة دول شرق أوروبا، ومصادرة لحقوقها السيادية فى رسم سياستها الخارجية. كما اعتبرته إدارة بايدن تهديدا لما تبقى من صدقية وموثوقية التزاماتها إزاء حلفائها وأصدقائها حول العالم، بعد الانسحاب المُفجع من أفغانستان. ومن ثم، شرعت فى تكثيف التموضع العسكرى بشرق أوروبا، بذريعة تعزيز قوة الردع الأوروبية، وحماية الجبهة الشرقية للناتو. بما يكريس التبعية الاستراتيجية الأوروبية لواشنطن، ويئد أية مبادرات بشأن تفعيل الذراع العسكرية للاتحاد الأوروبى.
برأى وزير الخارجية الفرنسى لودريان، يظن بوتين أن احتواء الأزمة الأوكرانية الحالية، إنما يتأتى من سبيلين: أولهما، استعادة «مبدأ بريجنيف» لعام 1968، الذى قلص سيادة دول الكتلة الاشتراكية لصالح إمكانية التدخل العسكرى الروسى بها، لتقويض أى تغيير يهدد أمن موسكو ومصالحها. وثانيهما، إبرام اتفاق «يالطا2»، بما يكفل إخلاء شرق أوروبا من الوجود العسكرى الأمريكى والأطلسى، ويتيح تجميد سياسة «الباب المفتوح» الأطلسية لاستقطاب الدول السوفييتية السابقة، مع وضع موازين قوى جديدة تُشير إلى النفوذ الروسى فى أوروبا والفضاء السوفييتى.
ربما يستند بوتين فى تصوره، على تمرير الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت، «اتفاق يالطا1»، فى مثل هذه الأيام من عام 1945، ليخول ستالين، الذى يعتبره بوتين أعظم حكام روسيا فى القرن الماضى، إذ تخطى بالإمبراطورية حدود آل رومانوف، وأوجد روسيا النووية، وجعلها قوة عظمى، ضم دول البلطيق، وتوسيع الحدود الغربية لبولندا. حيث عمد روزفلت مكافأة السوفييت على دحرهم اليابان وألمانيا إبان الحرب الكونية الثانية، بجيش فاق عدده وعتاده جيوش الحلفاء مجتمعة، وتجاوزت خسائره المادية والبشرية، خلالها، نصف إجمالى خسائرهم. كذلك، ابتغى روزفلت، حينئذ، استجداء الدعم السوفييتى لمساعيه الرامية إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة فى أبريل من ذات العام.
أما اليوم، فيتوق، بايدن، إلى إجهاض أى تحالف استراتيجى مرتقب بين موسكو وبكين، وعرقلة أية شراكة جيوسياسية أوروآسيوية ممكنة، كما يتوسل ضغوطا تمارسها موسكوعلى طهران، لحمل الأخيرة على العودة للاتفاق النووى لعام 2015، بغير مماطلة، ومن دون شروط تعجيزية. فى المقابل، يتوسم بوتين فى بايدن، مراعاة مخاوف موسكو الاستراتيجية المشروعة، من خلال موافقة كتابية على ضماناتها الأمنية، مع العدول عن عرقلة تشغيل خط أنابيب «نورد ستريم 2»، أو تقويض الدور الروسى الحيوى فى أمن الطاقة الأوروبى. غير أن مرامى بوتين اصطدمت برفض أمريكى، ينبعث من مخاوف غربية، تلمس فى الطرح الروسى المريب، نزوعا مغرضا لتأسيس توازن قوى جديد، لا يروق للتحالف الأوروأطلسى، الذى يتملكه قلق عارم من الطموحات الإمبراطورية الجامحة للرئيس الروسى، المتطلع إلى عالم متعدد الأقطاب، تتغير فى كنفه قواعد اللعبة بين موسكو والغرب.
لم يخل الموقف الأمريكى حيال الأزمة الأوكرانية من رسائل ملحة لبكين، التى تشاطر موسكو تحركا دءوبا لطى صفحة الهيمنة الأمريكة المنفردة على العالم. ففى دعم مبطن لموسكو، أكد وزير الخارجية الصينى لنظيره الأمريكى، أن تسوية الأزمة الأوكرانية تكمن فى العودة إلى اتفاقية مينسك لعام 2014، مشددا على أن ضمان الأمن الإقليمى المستدام والمتوازن، لن يتأتى من خلال تعزيز وتوسيع التكتلات العسكرية، مطالبا بضرورة أخذ المخاوف الأمنية الروسية على محمل الجد. بالتزامن، كان الطيران الحربى الصينى يباشر ثانى أضخم توغلاته الاستراتيجية بمنطقة «تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوى التايوانية»، «أديز»، والمتداخلة مع مثيلتها الصينية، مستخدمة فى ذلك 24 مقاتلة من طراز «جاى 16»، و10 أخريات من طراز «جاى 10»، إضافة إلى قاذفة «إتش 6» ذات التجهيزات النووية. وهو التغلغل الذى تزامن، هذه المرة، مع مناورات بحرية أمريكية يابانية ببحر الفلبين، بمشاركة عشر سفن حربية أمريكية، بينها حاملتا الطائرات «يو إس إس كارل فينسن»، «يو إس إس أبراهام لينكلن».
برغم التصعيد المتبادل، تلوح رغبة أطراف الأزمة الأوكرانية فى تجنب الانزلاق إلى صدامات عسكرية غير مبررة استراتيجيا، فى لحظة تاريخية بالغة الحساسية من صيرورة النظام الدولى. فعبر حسابات استراتيجية دقيقة، لا تتجاهل الارتباك الاقتصادى، كما لا تغفل أمن الطاقة، وأمن الغذاء العالميين، يتراءى للجميع أن الوقت ليس مواتيا لإدراك «موت جميل» على تخوم أوكرانيا. ففى رد منه على اتهام، تشى جيفارا، لموسكو بالتهرب من مواجهة واشنطن عسكريا إبان الأزمة الكوبية عام 1962، استلهم، أنستاس ميكويان، نائب خروتشوف، حينها، مقولة، نابليون الشهيرة: «أى ميتة جميلة؟!»، التى أوردها، تولستوى، فى روايته «الحرب والسلام». فحينئذ قال ميكويان لجيفارا: «هذا ليس الوقت المناسب للموت الجميل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.