بعد أربعة أشهر من حملها، قررت الزوجة تغيير طبيب النساء الذى تتردد عليه، وقصدت مع زوجها وشقيقتها عيادة كتب على لافتة الدعاية لها «عيادات للسيدات والآنسات»! العبارة التى قد تمر بها عيناك إذا أوقفك زحام أحياء الجيزة ترشدك إلى هذه الطبيبة الجديدة أو بالأحرى لمجموعة عيادات تضم تخصصات الجراحة والنساء والتوليد والأنف والأذن والجلدية والروماتيزم والعلاج الطبيعى والتجميل والأوعية الدموية ومعملا، فهذه الطبيبة المنتقبة خصصت نفسها لتقديم العلاج الطبى للنساء فقط. تهمس لى الزوجة الشابة «زوجى أيضا يفضل أن تكون طبيبتى أنثى»، وتدخلت شقيقتها «زوجها على حق!... إذا كان هناك خيار أن تكون الطبيبة سيدة، فلماذا نذهب لأطباء رجال؟!». وعلى عكس ما قد تتوقعه من كون «عيادة السيدات والآنسات» مساحة خالية من الرجال، فقد جلس رجل كبير السن منتظرا خروج زوجته من الكشف، وأوصل آخر زوجته إلى باب العيادة قبل أن ينزل لانتظارها فى السيارة، وبعض زبونات العيادة يعكس مظهرهن درجة كبيرة من «الاحتشام»! تملك العيادات الدكتورة عنايات التى تدرّس الطب بجامعة الأزهر، وتحكى الدكتورة عن تأسيس هذه العيادات عام 2007 قائلة: «بدأ الموضوع من عيادتى بهذه البناية الجديدة، عيادة ذات مساحة كبيرة استقبل فيها الرجال والنساء لتقديم العلاج فى تخصصى، وقتها كنت أفكر فى مكان تقصده النساء للعلاج، أعنى النساء اللاتى يتحرجن من الذهاب لأطباء من الرجال»، وبينما تظهر إحصاءات سعودية غير رسمية أن تكلفة تأسيس مستشفى للنساء فقط تزيد بنسبة 20٪ على تكاليف إنشاء مستشفى مختلط نظرا لصعوبة توفير الكفاءات الطبية النسائية تؤكد الطبيبة المصرية أن اختيار فريق العمل لم يكن أمرا صعبا فى الوقت الذى تضم فيه جامعة الأزهر عشرات من الأساتذة الأكفاء كلهن من بنات حواء. أثناء الانتظار فى صالة العيادة ستقع عيناك على آيات قرآنية عن المرض والشفاء معلقة على الجدران، فيما تغيب عن المكان المجلات التى اعتاد بعض الأطباء وضعها أمام من ينتظر دوره فى الكشف. يذيع التليفزيون برنامجا هادفا أخفضت الممرضات صوته لأقصى درجة حفاظا على هدوء المكان وجلسن يتابعن أوراق المرضى. «كثير من السيدات فى تخصصات مثل العلاج الطبيعى أو النساء يفضلن طبيبة، فتكون مهمة العيادة هى إتاحة ذلك إليهن» تقول مؤسسة العيادة النسائية ذلك وتستدرك: «هذا لا يعنى أن المكان ممنوع دخوله على الرجال، فإذا قصدنى رجل فى تخصصى لا أرده بالطبع»، أما الدكتورة عنايات نفسها، فهى تميل لفكرة تلقى المرأة العلاج من طبيبة من نفس جنسها، والعكس موضحة: «هناك علاقة تلقائية تنشأ بين الطبيب والمريض، الذى يكون فى حالة ضعف تجعله حساسا لأى بادرة شفقة تظهر من طبيبه، وكثيرا ما يتطور هذا الأمر إلى العلاقة العاطفية!». طوال حياتها كان أغلب تعامل الدكتورة عنايات إذا مرضت مع طبيبات سيدات، وهو ما يجعلها تتفهم احتياج المرأة إلى وجود طبيبة كفء فى التخصص الذى تنشده، فالكفاءة فى الخدمة الطبية هى العنصر الأهم فى العيادات، وكونها «للسيدات والآنسات» لا قيمة له إذا لم تكن الخدمة الطبية على مستوى جيد، والأستاذة بكلية الطب تؤيد بشكل قاطع لجوء المرأة إلى طبيب رجل ما لم تجد طبيبة سيدة على درجة كافية من الكفاءة. لكن الجمع النسائى الحاضر انتظارا لموعده فى الكشف واللوحة المعلقة على الباب «للسيدات والآنسات» تذكرك بعبارة «للسيدات فقط» التى باتت تتكرر فى أماكن مختلفة تضم مقهى للفتيات واستوديو تصوير فوتغرافى للسيدات فتح لفترة فى القاهرة ثم أغلق أبوابه بعد أن التقط صورا كثيرة للسيدات الراغبات فى تسجيل جمالهن عبر كاميرا لا يديرها رجل، كما خصصت بعض المراكز التدريبية دورات يقتصر حضورها على السيدات غير دورات تعليم قيادة السيارات، وقاعات أفراح ومطاعم للسيدات فقط، وقبل عدة أشهر أقر محافظ الإسكندرية تطبيق نظام تاكسى للسيدات فقط، ليضع «التاكسى الحريمى» سطرا جديدا فى القائمة التى يزداد طولها يوما وراء الآخر. ولا تعد هذه العيادات هى الأولى من نوعها فى مصر، فهناك عدد من المساجد يلحق به «مستشفى إسلامى» يخصص قسما للنساء به جميع التخصصات، وكثير من معامل التحاليل تنبه إلى وجود مختصات لديهم لأخذ العينات من النساء إذا رغبن. ووفقا للدكتورة عنايات فإن تقديم خدمات من السيدات للسيدات أمر آخذ فى الانتشار، موضحة: «الكوافير يقول إن لديه قسم للمحجبات تعمل به سيدات، والشواطئ تعلن تخصيص جزء منها للسيدات فقط.. وهكذا»، وهو الأمر الذى لا تنكر أن دافعه التجارى مغرٍ. مجتمع «للنساء فقط»، الذى يظهر فى عربات المترو المخصصة للسيدات ومحال الكوافير وحتى المدارس المقصورة على البنات، مختلف فى مجمله عن الجو السائد فى عيادة السيدات، من ناحية ضعف فرصة تكرار اللقاءات بين رواد المكان، فبينما تتكرر الوجوه فى محال الكوافير وتمتد الأحاديث لساعات الانتظار، تعمل العيادة بنظام يحاول تفادى انتظار المريضة موعد الكشف لفترة طويلة، وتعدد التخصصات يجعل المريضة ترى وجوها مختلفة فى كل مرة تجلس فيها بصالة الانتظار. والجو الهادئ للعيادة يجعل أحاديث الحاضرين قصيرة وبصوت مسموع بالكاد.