جامعة أسيوط: نشرنا 2320 بحثا دوليا خلال 2023 أغلبها في مجلات المربع الذهبي (Q1 وQ2)    رئيس الوزراء يلتقي نقيب الصحفيين لمناقشة سبل تطوير ودعم مهنة الصحافة    محافظ كفر الشيخ يتفقد السوق الدائم بغرب العاصمة    وزير الرى: علينا تسخير طاقاتنا ومواردنا لتنمية المياه بأفريقيا بعد 2025    إي إف چي القابضة تشتري أسهم خزينة لدعم سعر سهمها في السوق    وزير السياحة: نستهدف زيادة الطاقة الفندقية في القاهرة إلى 60 ألف غرفة خلال 7 سنوات    رئيس مركز ومدينة الشيخ زويد يناقش مع مشايخ ووجهاء الشيخ زويد قانون التصالح    صعود الأسهم الأوروبية ومؤشر التكنولوجيا يقود مكاسب القطاعات    داخلية غزة: استشهاد مساعد قائد قوات الأمن الوطني جراء عملية للاحتلال    فيديو.. ابنة قاسم سليماني تقدم خاتم والدها ليدفن مع جثمان وزير الخارجية الإيراني    الجودو المصري يحجز مقعدين في أولمبياد باريس    كولر والشناوي يحضران المؤتمر الصحفي لمباراة الأهلي والترجي    تعليم الإسماعيلية تنهي استعداداتها لانطلاق امتحانات الدبلومات الفنية    إصابة مراقب بامتحانات الشهادة الإعدادية إثر تعدي آخرين عليه في الشرقية    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة العثور على مومياء في الشارع بأسوان    استعد لعيد الأضحى 2024: أروع عبارات التهنئة لتبادل الفرحة والمحبة    ما حكم سقوط الشعر خلال تمشيطه أثناء الحج؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    مدبولي يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل.. وموقف القطاع الصحي في حياة كريمة    التعليم ل طلاب الثانوية العامة: لا تغيير في كتيب المفاهيم هذا العام    «يرجح أنها أثرية».. العثور على مومياء في أحد شوارع أسوان    رئيس الوزراء يتابع موقف تنفيذ المرحلة الثانية من منظومة التأمين الصحي الشامل    موسم الحرب والغناء و303 على مسرح قصر روض الفرج.. الليلة    «اسم مميز».. تفاصيل برنامج إبراهيم فايق الجديد    زغلول صيام يكتب: من فضلكم ارفعوا إعلانات المراهنات من ملاعبنا لحماية الشباب والأطفال وسيبكم من فزاعة الفيفا والكاف!    حسين لبيب: اتحمل مسؤولية إخفاق ألعاب الصالات فى الزمالك    الأزهر للفتوى يوضح فضل حج بيت الله الحرام    محافظ أسيوط يوقع بروتوكول مع تنمية المشروعات لتطوير مدرستين ووحدة صحية    الأطباء تناشد السيسي بعدم التوقيع على قانون "تأجير المستشفيات": يهدد صحة المواطن واستقرار المنظومة    لحرق الدهون في الصيف.. جرب هذه الأكلات    أوستن يدعو وزير دفاع الاحتلال لإعادة فتح معبر رفح    تجديد حبس سائق ميكروباص معدية أبو غالب وعاملين بتهمة قتل 17 فتاة بالخطأ    ننشر حيثيات تغريم شيرين عبد الوهاب 5 آلاف جنيه بتهمة سب المنتج محمد الشاعر    أيام قليلة تفصلنا عن: موعد عطلة عيد الأضحى المبارك لعام 2024    تعاون بين الجايكا اليابانية وجهاز تنمية المشروعات في مجال الصناعة    التنمية المحلية: طرح إدارة وتشغيل عدد من مصانع تدوير المخلفات الصلبة للقطاع الخاص    وزير الدفاع: القوات المسلحة قادرة على مجابهة أى تحديات تفرض عليها    الكشف على 1021 حالة مجانًا في قافلة طبية بنجع حمادي    في عيد ميلاده.. رحلة «محمد رمضان» من البحث عن فرصة ل«نمبر وان»    6 أفلام في البلاتوهات استعدادًا لعرضهم خلال الصيف    مع عرض آخر حلقات «البيت بيتي 2».. نهاية مفتوحة وتوقعات بموسم ثالث    أكرم القصاص: لا يمكن الاستغناء عن دور مصر بأزمة غزة.. وشبكة CNN متواطئة    أتالانتا يجدد أمل روما.. وفرانكفورت يحلم بأبطال أوروبا    هل يجوز شرعا التضحية بالطيور.. دار الإفتاء تجيب    تريزيجيه: أنشيلوتي طلب التعاقد معي.. وهذه كواليس رسالة "أبوتريكة" قبل اعتزاله    الملك تشارلز يوافق على حل البرلمان استعدادا للانتخابات بطلب سوناك    رئيس وزراء أيرلندا: أوروبا تقف على الجانب الخطأ لاخفاقها فى وقف إراقة الدماء بغزة    تاج الدين: مصر لديها مراكز لتجميع البلازما بمواصفات عالمية    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيي طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    «مش عيب والله يا كابتن».. شوبير يوجه رسالة لحسام حسن بشأن محمد صلاح    اشتراطات السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل في ندوة بإعلام أسيوط    أمين الفتوى يوضح ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 9215 طلب تصالح على مخالفات البناء    السويد: سنمنح أوكرانيا 6.5 مليار يورو إضافية في صورة مساعدات عسكرية    تعليم القاهرة تعلن تفاصيل التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الأبتدائي للعام الدراسي المقبل    جوزيب بوريل يؤكد استئناف جميع الجهات المانحة بالاتحاد الأوروبي دعمها لوكالة الأونروا    الداخلية تضبط 484 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1356 رخصة خلال 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمات عاصفة وبصيص أمل
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 10 - 2021

شكّلت التطوّرات التى شهدتها معظم دول المنطقة العربيّة منذ 2010 قطيعةً واضحة مع كلّ ما عرفته منذ استقلالها. لا يُمكن ربّما مقارنتها سوى مع إرهاصات القارّة الأوروبيّة فى القرن التاسع عشر. لقد تفجّرت فيها التفاعلات الداخليّة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، ممّا أدّى إلى إضعاف «عقودها الاجتماعيّة»، أى صيغة التعامل بين المجتمع والدولة، وإلى تفاقم التدخّلات الخارجيّة، الإقليميّة والدوليّة، فى مصائرها.
أحد أسباب التفجّر الواضحة يكمُن فى أزمة «الحوكمة»، وبالتحديد أزمة التداول على السلطة، أى حكم قادة استمرّ معظمهم لأكثر من ثلاثين سنة متوالية وطعنوا فى السنّ. هذا دون التحضير لانتقالٍ سلسٍ ومعقول يُبعِد شبح تأزّم الدولة والمجتمع. وعلى عكس ما يُشاع، لا تخصّ هذه الأزمة الجمهوريّات وحدها، التى لا يُعقَل أن تكون «وراثيّة»، بل أيضا الملكيّات.
وبرزت أبعاد أزمة «الحوكمة» بشكل أكبر نتيجة المركزيّة الشديدة للسلطة حيث تركّزت التنمية فى العواصم بينما تمّ إهمال الأطراف. وما أخذ إلى تفجّر صراعات محليّة عديدة، مثلما فى السودان وجنوبه وفى دارفور وغيرهما ما بين المركز والأطراف، وما أدّى إليه ذلك من تدخّلات خارجيّة «إنسانيّة»، لم تنتهِ تداعياتها مع انفصال جنوب السودان ولا مع «ثورة» 2018 وسلسلة الانقلابات المتوالية.
السبب الأقلّ وضوحا فى الأذهان هو أزمة «نموذج التنمية الاقتصاديّة». هكذا شهدت البلدان العربيّة طفرات فى مواردها الريعيّة خاصّةً بعد 1973 و1979 وانخرطت بشكلٍ غير مسبوق فى «الاقتصاد المعولم»، ولكنّها عجزت عن خلق أسس اقتصاد محليّ يمكنه تدارك تداعيات تقلّبات هذا الاقتصاد العالميّ، كما حدث فى منتصف الثمانينيات مع «صدمة النفط المضادّة» (أى انهيار أسعار النفط إلى مستويات ما قبل 1973) التى أخذت معظمها إلى أزمة دين حكومى وإفلاس.. وما انتهى إلى حرب الخليج الأولى عام 1991.
رغم ذلك، هيمن النموذج «الريعىّ» على اقتصادات الدول العربيّة، حتّى فى البلدان التى لا تحتوى على موارد طبيعيّة كبيرة. ريوع التطوير العقارى فى خضم تسارع الهجرة من الريف إلى المدينة، وريوع الهاتف الخلوى وتقنيات الاتصالات، وريوع القطاع المصرفيّ والماليّ، إلخ... هذا له مسبّباته فى الاقتصاد السياسى، أى فى أزمة الحوكمة ذاتها. فالاستحصال على الريع ضروريّ للسلطة القائمة ولاستمراريّتها عبر «إعادة توزيعه» جزئيّا واستنسابيّا للحصول على الولاءات. هذا فى حين أن تنويع الاقتصاد أبعد من القطاعات الريعيّة يُطلِق «فعاليّات» و«نخب» اقتصاديّة لا بدّ لها أن تطالب بدورٍ فى «الحوكمة».. بل فى السلطة والحكم.
كَسَرَ هذا النموذج الريعيّ أيضا آفاق التكامل الاقتصاديّ على مستوى البلدان العربيّة. لقد اندمجت دول «مجلس التعاون الخليجي» فى منظومة تكامل اقتصاديّ وحدها، رغم أنّ اقتصاداتها متشابهة، دون بقيّة دول «الجامعة العربيّة». وبعد أن كانت العمالة العربيّة قد أسّست، إلى جانب العمالة المحليّة، لانطلاق الصناعات النفطيّة قبل 1973 ومن ثمّ للتطوّرات الاقتصاديّة اللاحقة، تمّ استبدال معظم هذه العمالة بتلك الآسيويّة التى يصعب أن تجد سبيلا كى تتّحد مع تلك المحليّة للحصول على حقوق اجتماعيّة واقتصاديّة. وبقيت الاستثمارات العربيّة «البينيّة» ضعيفة ودون مستوى النهوض بالاقتصادات فى الدول ذات الكثافة السكّانيّة الكبيرة، بالتالى تحوّل «العالم العربيّ» إلى عالمين منفصلين.
•••
هكذا بات العالم العربيّ «غير الخليجى» فى أزمات وجوديّة، من الجزائر وليبيا إلى اليمن، ومن السودان حتى لبنان وسوريا والعراق. جميع بلدان هذا العالم تُعانى من إرهاصات داخليّة كُبرى وانتفاضاتٍ شعبيّة وحروبٍ أهليّة، وصراعات بين «مكوّنات عسكريّة» و«مكوّنات مدنيّة»، وبين «أمراء» قائمين على السلطة وآخرين يحاولون الاستحواذ عليها. هذا فى ظلّ تدخّلات خارجيّة غير مسبوقة من القوى الإقليميّة والدوليّة التى تزجّ بصراعاتها فى اللعبة المحليّة. وما يفاقم التجاذبات حتّى فيما يتعلّق ب«الهويّة الوطنيّة» فى هذه الدول. هذا فى حين تتمّ تسمية هذه القوى الخارجيّة «مجتمعا دوليّا».
لن يكون الخروج من هذه الأزمات سهلا وسريعا. فهذه تونس، الأقلّ عنفا فى تحوّلاتها وحيث ظهر الإسلام السياسيّ أكثر «عقلانيّةً»، تدخُل فى أزمة مرحلةٍ انتقاليّة على خلفيّة انهيار اقتصاديّ. وها هى السودان تتبعها فى أزمةٍ أشدّ عُمقا، رغم الثمن الباهظ الذى دفعته لإزالة العقوبات الأمريكيّة. ففى هذه وتلك تظهر الإشكاليّة فى استقرار وفعاليّة الدولة كمؤسّسة ناظمة و«جامعة» لا تتقاسمها التجاذبات السياسيّة الداخليّة ولا التدخّلات الخارجيّة وتعمل لصالح المجتمع ككلّ، كما فى تأطير التداول على السلطة. ليس الصراع بين رئاسة الدولة والبرلمان، وبين «العسكريين» و«المدنيين»، وبين «العاصمة» و«بور سودان»، سوى جانب واحد من التحديات المفروضة. فما بالنا فيما ستؤول إليه أحوال الدولة الناظمة والجامعة فى كلٍّ من ليبيا أو اليمن أو سوريا أو العراق أو لبنان للخروج من الحرب الأهليّة ومعالجة تداعياته من مظالم وأطماع ولردع التدخّلات الخارجيّة الفاضحة فى كلٍّ منها.
•••
ربّما يكمُن الأمل فى أجيال هذه البلدان العربيّة الشابّة التى سأمت التجاذبات الطائفيّة والمحليّة وضاقت ذرعا من الحروب وانسداد الآفاق، وفقدت الثقة من تدخّلات «المجتمع الدولي»، وباتت مختلفة عن تلك التى انخرطت فى تطوّرات ما سمّى «الربيع العربى». ليس الأجيال التى هاجرت وما زالت تهاجر بحثا عن آفاقٍ أفضل، بل تلك التى تبقى فى بلادها ولا مفرّ أمامها سوى مواجهة الواقع كما هو مع يقينها أنّها ستواجه هذا الواقع وحدها دون مساعدة أحد.
وربّما يكمُن بصيص الأمل أيضا فى نهوض الوعى بأنّ الهدف هو الدفاع عن المجتمع كمجموعة مواطنات ومواطنين متساويين والتعامل برويّة مع مشاكله و«هويّاته» الجزئيّة كى لا يتلاعب بها أحد. ولا معنى للتشكيك فى الهويّات الوطنيّة القائمة، فهى ليست أقلّ شرعيّةً من تلك فى أوروبا أو أمريكا مثلا. وأنّ السبيل لذلك هو الوصول إلى انتقالٍ «سياسى»، يؤمن استمراريّة مؤسّسات الدولة وتقويتها والتداول السلمىّ على السلطة. وأنّ هذا الانتقال لن يأتى من الحرب أو التدخّل الخارجيّ بل من توافق مجتمعيّ واسع يجب العمل عليه.
الواضح أيضا أنّ الأمل يقتضى الخروج من مقولة «هذا البلاد أوّلا». ذلك أنّ اقتصادات ومجتمعات البلدان العربيّة غير الخليجيّة باتت متداخلة، أقلّه مع أعداد اللاجئين واللاجئات فى كلّ منها. وليس من الممكن أن تخرج أحدها من أزماتها دون الأخرى. لا السودان دون مصر، ولا لبنان وسوريا دون بعضهما البعض،.. ومشاريع التكامل بين هذه البلدان باتت أكثر إلحاحا، خاصّة للنهوض فيما بعد عواصف الصراعات.. ولا يهمّ أن تطلق تسميات «المشرق الجديد» أو «الشام الجديد» أو غير ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.