نظم صالون الجزويت، أمس الأربعاء، لقاءا مع الكاتب الكبير محمد سلماوي، بمسرح ستوديو ناصيبيان التاريخي، الملحق بمقر جمعية النهضة العلمية والثقافية «جزويت القاهرة» بالفجالة. ويحتفي الصالون بأحدث إصدارات سلماوي، الجزء الثاني من مذكراته "العصف والريحان"، الصادر مؤخرًا عن دار الكرمة، وحضر اللقاء، الأب وليم سيدهم رئيس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية جزويت القاهرة، والإعلامية دينا عبد الرحمن، والأستاذ سامح سامي رئيس قسم الثقافة بجريدة الشروق، والكاتب أسامة الشاذلي. افتتح اللقاء الكاتب هشام أصلان، بقوله إننا «نحتفي اليوم بإصدار الجزء التاني من مذكرات سلماوي، "العصف والريحان" بعد أربعة سنوات من صدور "يوما أو بعض يوم"، ليوضح أصلان أنه يميل إلى كتب السير الذاتية والمذكرات، نظرا إلى أن الشخص لو قرأ اسيرة ذاتيه لآخرين لديها تجارب في الحياة ومسيرة مشرفة، فذلك بمثابة إضافة أعمار أخرى إلى عمرك، وحينما تقرأ سيرة شخص فانت تقرأ عمره في كتاب، وخصوصا لو كان الشخص مشتبكا مع الحياة بشكل كبير». وأضاف أصلان، أن «سلماوي ليس مشاركا عاديا في المشهد الثقافي وإنما أحد صناعه ومحركيه الأساسيين، وذلك منذ بدايات دراسته، مرورا بكونه صحفيا، ثم كاتبا مسرحيا، وتوليه مناصب تاسيس ورئاسة تحرير الاهرام إيبدو، وتكوينه للعديد من العلاقات الثقافية الثرية في قطاع الثقافة، وترأسه لاتحاد الكتاب المصريين، ثم اتحاد كتاب العرب، والمشاركة التاريخية في كتابة الدستور، ليشدد أصلان على أن كافة الاماكن التي عمل بها سلماوي، قد نجح في أن يترك بها أثره وبصمته». وجه أصلان تساؤلا لسلماوي، عن الكيفية التي تصالح بها مع الفترة الناصرية، رغم أن قرار التأميم حينها كان له تأثيرات مباشرة على أسرة سلماوي، وحال دون سفره للدراسة في الخارج، وأنه رغم ذلك، كان سلماوي ضمن من احتشدوا في الشوارع لمنع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن التنحي. استهل الكاتب الكبير محمد سلماوي حديثه، بالتأكيد على اعتزازه بهشام أصلان، والمكانة التي يحتفظ بها له ولوالده الراحل إبراهيم أصلان، قبل أن يوضح موقفه من الفترة الناصرية، وأنه ليس علينا أن ننظر للأمور بشكل أحادي، أو أن نتعامل كما لو أننا أمام "الأبيض والأسود"، فلا أكون مع حاكم أو ضده على الدوام وعلى طول الخط وبشكل مطلق، قد أرى في إحدى الفترات إيجابيات ما ولايحول ذلك دون وجود سلبيات وملاحظات. وتابع: ما حال دون اتخاذي موقفا عدائيا حادا من الرئيس عبدالناصر وقرارات التأميم، هي طريقة تعامل والدي مع تلك القرارات، اجتمع بنا الوالد انا وإخوتي وأكد لنا أن عبد الناصر لم ياخذ هذه الامواله له ولأولاده ولكن لتحقيق العدالة الاجتماعية، فكان من اليسير علينا أن نتفهم هذا الموضوع، فبالتالي لم اشعر بالمرارة التي شعر بها باقي أصدقائي في تلك الفترة، وكرر أن والده هو السبب الرئيسي في عدم الشعور بهذه المرارة. وتابع متحدثا عن سنوات التكوين، قائلا: أنا وجيلي كبرنا على أن عبد الناصر يطالب بالقومية العربية والوحدة العربية والعدالة الاجتماعية وأننا سنتحدى امريكا ونبني السد العالي، وأن يكون لمصر مكانة رائدة في العالم العربي كله، لذا فكان المناخ العام الذي نشأت فيه محفزا على وضع مصلحة الوطن والامة العربية في المقدمة، فوق مصلحتي الشخصية. وجه هشام أصلان تساؤلا لسلماوي، من وحي ما جاء في كتاب "العصف والريحان"، عن متى يطمأن الكاتب إلى وصوله لمحطة ختامية يكتب فيها مذكراته بأريحية، وعن الفارق بين السيرة الذاتية والمذكرات، ليجيب سلماوي: بأن السيرة الذاتية هي سرد لتاريخ حياة الكاتب نشأته وعمله، ولكن المذكرات مختلفة حتى لو كان بينهم نقاط تماس مشتركة، موضحا أن المذكرات هي ذكرياتك ومشاعرك عن وقائع معينة هامة مررت بها في حياتك. واستطرد سلماوي: «أرى أن حياة الانسان مراحل، لابد أن يدرك أن هناك مرحلة في نهاية حياته، بعدما يكون قد أنجز ما استطاع إنجازه، لابد أن ياخذ آخر سنواته للراحة، وهذا الفكر منتشر في الغرب، فالمعني الحقيقي للحياة يظهر عندما ننظر للحياة بنظرة تأملية، وشخصيا: كان يسيطر علي فكرة أنني عند سن معين لابد ان اتنازل عن كل التزاماتي، وآخذ سنواتي المتبقية لنفسي من غير أعمال رسمية، وعند سن ال 70 قررت أن أترك كل شئ، فأنا وصلت لمرحلة من النظرة التاملية والتحرر من الروتين اليومي». وأضاف سلماوي: حينما دخلت لجنة الدستور أضفت فصلا في دستور مصر عن الثقافة، وعدت فيه لأول وثيقة خاصة بالخديوي اسماعيل، وهي من الأشياء التي أعتز بها لأنني كتبت فصلا في الدستور، ومصر بنت مجدها كله بالثقافة، بالقوى الناعمة، بالمعمار والفكر والفن، كل هذه الاشياء هي التي صنعت مجد مصر الي يومنا هذا. وواصل: الثقافة حق للمواطن وعلي الدولة أن توفر هذا الحق لكل المواطنين بغض النظر عن القدرة المالية والموقع الجغرافي، الدستور فرض على الدولة أن الكتاب يكون في متناول كل مواطن وأن الدولة عليها أن تدعم الكتاب، وأن تكفل الخدمة الثقافية لكل مواطن. تطرق بعدها هشام أصلان، إلى علاقة سلماوي بنجيب محفوظ، قائلا: إن الشائع والمعروف أن سلماوي ألقى خطاب الأديب نجيب محفوظ في نوبل، ولكن الأصل أن هناك علاقة كبيرة بينهما، فعندما تعرض نجيب للحادثة المعروفة طلب منه نجيب عندما كان لايستطيع كتابة مقاله في الاهرام أن يجعلها حديث صحفي كل اسبوع، وهنا يتعين علينا سؤال عن سبب عدم الإتيان على ذكر سيرة وفاته في "العصف والريحان". أجاب سلماوي: كتبت عن رحيل نجيب محفوظ بشكل مفصل، ولقد كتبت عنه كتاب بإسم "المحطة الاخيرة"، يورخ لل 45 يوم الاخيرة من حياته في المستشفي، لذلك لم أكتب عن وفاة ورحيل نجيب محفوظ في مذكراتي، لاني كتبته بشكل مستفيض وموثق في عمل منفصل. واستطرد: الناس اكتشفت علاقتي بنجيب حينما اختارني لقراءة بيان الفوز بالجائزة، وأن أكون ممثله الشخصي في نوبل، لكن العلاقة بيننا راسخة من قبلها، كان هناك وقائع كثيرة أخرى مشتركة، ففي إحدى المرات كلفني بمهمة تنم عن ثقة كبيرة، وهي أن "أصنع له ختم رسمي" بإسمه شخصيا، لكي يختم به الأوراق الهامة، وقمت بعمله فعلا، وذلك بسبب تأثر يده وعدم قدرته على الكتابة والتوقيع بشكل جيد. توجه بعدها هشام أصلان بسؤالا عن كواليس وفاة نجيب محفوظ، وما أثير عن أن النعش الذي ذهب الحسين كان غير النعش الاصلي، أو كان فارغا، نظرا لاعتبارات أمنية متعلقة بأن الرئيس مبارك سيسير خلف هذا النعش في جنازة عسكرية، فأجاب سلماوي: لم يحدث ذلك مطلقا، أنا كنت شاهدا علي الاحداث، أول جهة تم تبلغيها بوفاته هي الرئاسة لتحضير جنازة عسكرية لانه حاصل على قلادة النيل، واخبرتهم انه كان لديه وصية انه يتم الصلاه عليه في الحسين، وبالفعل تم عبور الجنازة من الحسين ثم تسلمتها الرئاسة لعمل جنازة عسكرية لجثمان نجيب محفوظ. من جانبه، سأل الاب وليم سيدهم رئيس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية جزويت القاهرة، بعد الترحيب بسلماوي، عن دور المثقفين في مصر في ترقية المجتمع، ليجيب سلماوي: أننا نطلب من المثقفون أدوارا ونسقط عليهم مسؤوليات ليست من صميم أدوارهم، ولكن بالطبع عليهم التفاعل مع الواقع، والمشاركة في الأحداث الهامة كالثورات وفترات التحول، هو مافعلناه لدرجة أنه قد يسلبنا حريتنا في بعض الأحيان.