يحتاج القطاع الزراعى لنحو 75% من إجمالى حصة مصر السنوية من مياه النيل والمياه الجوفية ومصادر المياه الأخرى، فى ظل حروب كلامية حول مصير الإنسانية إذا عانت من نقص المياه، وتصدر كلمة «الأمن المائى» صفحات الجرائد المحلية والعالمية، ووسط تصريحات رسمية بدخول مصر مرحلة «الفقر المائى» وانخفاض معدلات نصيب الفرد من المياه. انطلقت برامج حكومية من وزارتى الزراعة والرى لتعلن عن خطط جديدة لتطوير الرى وتقليل الفاقد من المياه.. بعضها بدأ بالفعل، لكنه ثماره لم يتم الإعلان عنها، وبعضها سيتم الإعلان عنه خلال العام المقبل. فهل تفلح برامج الحكومة فيما أفسده الرى بالغمر وممارسات المزارعين التى لا تحتكم لمرشد زراعى أو رى مطور؟ الدكتور محمود عاطف، رئيس قسم المقننات المائية بمعهد بحوث الأراضى والمياه، قال إن البحوث العلمية فى مجال تطوير الرى الحقلى توصلت إلى ثلاث طرق جديدة تم تجربتها وطرحها على رئيس مركز البحوث الزراعية وتم اعتمادها لتوسعة العمل بها من خلال برامج قومية لتطوير الرى الحقلى وترشيد استخدام المياه فى الرى الحقلى. الطريقة الأولى لترشيد الرى الحقلى يمكنها توفير 25% من كمية المياه التى يحتاجها الفدان، وتهدف إلى رفع كفاءة استخدام المياه من خلال استخدام المصاطب الزراعية، والطريقة الثانية تسمى الرى النبضى حيث يتم ضخ المياه على دفعات متقطعة، وتساعد فى رفع كفاءة الرى السطحى إلى 70%، إضافة إلى أن استخدام التسوية بالليزر يتيح رفع كفاءة الرى إلى 65%. وأكد د. عاطف أن هذه البرامج ستتمثل فى استراتيجية جديدة لتطوير نظم الرى فى أراضى الدلتا والوادى، بالإضافة إلى بعض الأماكن المستصلحة مؤخرا، لافتا إلى إمكانية التوسع فى تطبيق التجربة من خلال عمل المزارع الإرشادية لمركز البحوث الزراعية بالمحافظات، وتعميم عمل المرشد المائى. وأضاف د.عاطف أن النظم المطورة للرى الحقلى تساهم فى الترشيد فى استخدام السماد بجانب المياه، من خلال حقن السماد مع المياه لضمان توزيعه بنسب متساوية على الأرض الزراعية، وهو ما يحقق للمزارع عائدا اقتصاديا من خلال توفير الأيدى العاملة لبدر السماد والمبيدات. التحدى الأساسى لبدء العمل بالنظم الجديدة للرى، بداية من 2010، هو قلة عدد المرشدين المائيين العاملين بمعهد الأراضى والمياه، حيث يقول الدكتور عاطف إن هناك عجزا فى تغطية جميع المزارع على مستوى الجمهورية لقله عدد المرشدين المائيين القادرين على توصيل تجارب الرى الحديثة للمزارعين وإقناعهم بها، ويرى الدكتور ضياء الدين القوصى، الخبير المائى، إمكانية تفعيل مشروعات الرى الحقلى خلال 2010، خاصة أن الدراسات أكدت جدوى المشروعات وتوفيرها لكميات كبيرة من المياه، إضافة إلى توفر مساحات من الأراضى من خلال الرى بالتنقيط. لكن التجربة سيواجهها عدد كبير من المشكلات وقت التطبيق، وفقا للدكتور ضياء، أهمها تفتت الحيازات الزراعية، فهناك 9 ملايين قطعة أرض زراعية مفتتة فى مصر، تحول دون تنفيذ المشروعات حتى اقتناع المزارعين بها، وتكوين روابط تجمع الحيازات، إضافة إلى ضخامة تكلفة الإنتاج، التى لا يمكن إسنادها إلى المزارع وحده، الذى لايزال يدعم الاقتصاد القومى رغم تعرضه إلى الخسارة. وطرح د.القوصى فكرة تنفيذ المشروع من خلال قروض طويلة المدى، تصل إلى 40 سنة، مطالبا بإسناد المشروعات إلى مقاولين معتمدين ذوى قدرة على التنفيذ الفعلى، حتى لا تكون 2010 رهنا للكثير من مشروعات الرى التى لا تزال قيد التنفيذ منذ عشرات السنين.