يعتبر إعلان يوم 16 مارس الخاص بإعادة كبير قضاة المحكمة العليا الباكستانية انتصارا لهؤلاء الذين يرغبون فى دولة أكثر نيابية فى باكستان. غير أنه ضربة لأوباما الذى يبدو أنه يعتزم تصعيد التورط العسكرى الأمريكى فى أفغانستان. السبب فى ذلك بسيط؛ فالولاياتالمتحدة تريد باكستان دولة غير ممثلة للشعب الباكستانى، لأن معظم الباكستانيين معارضون لحرب أمريكا فى باكستان، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تأمل فى النجاح هناك بدون دعم باكستان. باكستان بلد شاسع ومعقد، وهو يشهد العديد من التطورات المربكة والمتناقضة. ويبدو أن أهم تلك التطورات هو رواية النيابية؛ وبالرغم من ذلك فإن الدولة الباكستانية يجرى تشكيلها بإرادة مواطنيها على نحو لم تشهده من قبل. قوة هذه الرواية مذهلة، وخصوصا على امتداد العام ونصف العام الماضيين. ففى نوفمبر من عام 2007 أُجبِر الجنرال مشرف، وهو رئيس غير محبوب، على التخلى عن زيه العسكرى. وبعد ثلاثة أشهر تراجع الجيش ورفض تسيير تزوير الانتخابات القومية، مما أدى إلى هزيمة حزب مشرف الساحقة. وفى أغسطس من عام 2008، عُزل مشرف من الرئاسة بواسطة تحالف غير مسبوق يضم حزب الشعب الباكستانى، وحزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف). وكانت تلك أول حالة فى تاريخ باكستان يتخلى فيها رجل عسكرى قوى عن السلطة لمدنيين تم انتخابهم بشكل ديمقراطى دون أن يُقتل أولا أو يلقى بالأمة فى أتون حرب أهلية. والآن، ولم يمر سوى نصف عام على ذلك، يُجبَر الرئيس زردارى، الذى يتسم بقدر كبير من الأوتوقراطية، على إعادة كبير القضاة افتخار شودرى إلى منصبه. ومن المرجح أن تكون النتيجة هى المزيد من استقلال القضاء وهو تطور غير مرحَّب به (على أقل تقدير) بالنسبة لرجل سيئ اشتُهِر بفساده مثل زردارى وكذلك إلغاء السلطات التى كان مشرف قد أتى بها لتقوية السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية. وبناء على عدم القدرة على التنبؤ بما قد يحدث فى باكستان، فإن هذه الرواية الواعدة الخاصة بالنيابية لا يزال بالإمكان القضاء عليها. ولكن حتى الآن فإن هناك أربعة تطورات قوية متصلة ببعضها يُدفع بها إلى الأمام. التطور الأول هو انخفاض شعبية الجيش بعد حكم مشرف، وانخفاض روحه المعنوية بعد خسارته الحملة الذى لا تحظى بالتأييد ضد طالبان باكستان، التى جعلت الجيش مترددا فى التدخل بشكل مباشر ضد إرادة الشعب. التطور الثانى هو التوسع السريع فى الطبقة الوسطى بسبب النمو الاقتصادى والتحضر. فخلال جزء كبير من العقد الحالى كان أداء الاقتصاد فى قوة أداء اقتصاد الهند، ويعيش نصف السكان تقريبا الآن فى مدن كبيرة ومدن صغيرة وأحياء مكتظة بالمبانى تطل على الطرق الكبيرة التى تقطع الريف، وهى الآن موطن للتجار وليس المزارعين. التطور الثالث هو التغير التام الذى طرأ على صناعتى الإعلام والاتصالات فى البلاد، حيث توجد عشرات القنوات التليفزيونية المستقلة والملايين من التليفونات المحمولة التى تخلق بالفعل منتدى عاما إلكترونيّا ضخما. والتطور الرابع هو استنفاد الغطاء الأيديولوجى؛ فالاستعانة المعتادة بالتهديد التى تمثله الهند وبضرورة الدفاع عن الإسلام لم تعد قادرة على تفسير استعداد الدولة لاستخدام العنف ضد شعبها على نطاق واسع من أراضيها. وبسبب تجاهل هذا المناخ الناشئ فى باكستان، وجد زردارى نفسه فى وضع مربك وخطير عليه من الناحية السياسية اضطره إلى التراجع بشأن قضية كبير القضاة. وكان زردارى ينطلق من افتراض المدرسة القديمة القائل بأن من يسيطر على الدولة يسيطر على باكستان. وقد ظن زردارى أنه باعتباره رئيسا، ومع وجود تابع اختاره بعناية فى منصب حاكم إقليم البنجاب، يمكنه عزل حكومة حزب الرابطة الإسلامية عندما أصبح إصرارها على إعادة تشودرى مزعجا إلى حد كبير. ولكن وقع بعد ذلك شىء غير مسبوق. إذ استنكر المجتمع المدنى الإجراء. واحتجت الصحافة. وانهارت تقديرات زردارى المنخفضة فى استطلاعات الرأى. واستقالت وزيرة فى حكومة حزب الشعب الباكستانى. واستقال مسئولون إقليميون كبار لكى لا يعملوا بتوجيه من الحاكم لمنع مسيرة يقودها نواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية ورئيس الوزراء السابق. ورفض ضباط الشرطة فى البنجاب اتباع الأوامر. انطلقت المسيرة، وزادت أعداد المشاركين فيها بالآلاف فى أثناء تقدمها إلى إسلام أباد. ووجدت الدولة الباكستانية التى تصدر الأوامر من أعلى لأسفل نفسها تواجه تمردا من أسفل لأعلى. لقد كانت السلطة تنبع من شىء غير إرادة الطاغية وهو مفهوم جديد فى باكستان. وكان يُقال لزردارى إن البلد يؤمن الآن بقواعد بعينها، وأن عليه الالتزام بها. ولم يكن عزل الحكومات الإقليمية المنتخبة بطريقة ديمقراطية وتقويض القضاء ضمن تلك القواعد. ولابد أنها جميعا كانت مفاجئة إلى حد كبير لزردارى الذى اعتاد تحطيم القواعد. ليس مؤكدا إلى أين سيؤدى هذا كله. وبالنسبة إلى باكستان فإنه إذا كانت إرادة الشعب يمكن تسخيرها للمؤسسات الديمقراطية والساسة الذين يتعلمون احترام فكرة السلطة المشتركة، فحينئذ يكون هناك سبب للأمل الكبير. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يصبح سخط اليوم ثورة الغد. لقد تدفقت علىّ رسائل التهنئة من أصدقاء باكستانيين، الكثيرون منهم فى العادة مؤيدون لحزب الشعب الباكستانى بقيادة زردارى. ويشبه الأمر احتفال عيد الميلاد، وقال أكثر من شخص إن اليوم سوف يُذكر على أنه اليوم الذى وُلِدت فيه الديمقراطية الباكستانية الحقيقية. وبعد رعب الهجوم الإرهابى الذى وقع الشهر الحالى على فريق الكريكت السريلانكى، يحتفل باكستانيون كثيرون بالخبر السار الذى كان هناك احتياج شديد إليه. وتمثل الأحداث الأخيرة بالنسبة إلى الرئيس زردارى هزيمة كبيرة. فهو يحظى بتأييد الحكومات الأجنبية نفسها التى كانت تؤيد الرئيس مشرف، وللسبب نفسه؛ وهو استعداده لمقاومة الغضب الشعبى بشأن الحرب فى أفغانستان ونتائجها فى باكستان. ولكن زردارى يشبه سلفه كذلك فى ميله إلى التجاوزات غير الديمقراطية. وهو يكتشف الآن كذلك أنه فى باكستانالجديدة أقل نفوذا مما كان يتخيل. وبالنسبة لبقية العالم، وخصوصا الولاياتالمتحدة وبريطانيا وحلف الناتو، يصبح الاختيار جليّا بشكل كبير. فإذا كانت الحرب التى تشنها الدول الديمقراطية للسيطرة على أفغانستان، ذلك البلد الذى يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة، تتطلب لنجاح مسعاها تقويض الديمقراطية فى أفغانستان، البلد الذى يبلغ عدد سكانه 170 مليون نسمة، فهل هذا ثمن يستحق دفعه بالفعل؟ Copyright: Guardian News & Media 2009