فى استجابة لرأى المستشارين العسكريين وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من المداولات مع كبار مستشاريه كشف الرئيس الأمريكى باراك أوباما أخيرا عن استراتيجيته الجديدة لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار فى أفغانستان، فأعلن عن أسرع عملية لنشر ثلاثين ألف جندى إضافى يتم إرسالهم على مدى ستة أشهر فى أوائل عام 2010. تقدر تكلفة هذه التعزيزات العسكرية بنحو 30 مليار دولار. قال أوباما: إن مهمة القوات الإضافية هى تفكيك تنظيم القاعدة فى أفغانستانوباكستان.. وأضاف: إنه يخطط لبدء سحب قوات بلاده من أفغانستان فى عام .2011 دافع أوباما عن استمراره فى تغذية تلك الحرب من منطلق أنه لا وجه للمقارنة بينها وبين حرب فيتنام التى سبق أن قسمت الشعب الأمريكى منذ عقود، مؤكدا أن الأمن العالمى فى خطر بسبب الفوضى القائمة فى أفغانستان وطالب الدول الأخرى بإرسال تعزيزات عسكرية مؤكدا أنها ليست حرب الولاياتالمتحدة وحدها. على أية حال حدد الرئيس الأمريكى ثلاثة أهداف لاستراتيجيته الجديدة التى طال انتظارها وربط نجاحها بتعاون الجانب الباكستانى، الأهداف الثلاثة هى: - حرمان تنظيم القاعدة من الملاذ الآمن على طول الحدود مع باكستان. - تحجيم انتشار حركة طالبان المتشددة والحد من قدرتها على الإطاحة بحكومة أفغانستان. - تعزيز قوات الأمن الأفغانية.
الواضح أن أوباما قرر الأخذ بنصائح مستشاريه العسكريين حتى لايتورط فى موقف عسكرى صعب فى تلك المنطقة الوعرة من العالم وإن كان حريصا على أن يضع حدودا لمهمة بلاده دون التورط فى مسائل من الصعب تحقيقها مثل هدف إقامة ديمقراطية على النمط الغربى فى تلك البلاد قبلية الطابع والنزعة. تعكس القرارات الأخيرة لأوباما خطورة الوضع على الأرض فى أفغانستان حسب ما أوردته تقارير صحفية وما صدر عن مسئولين سياسيين وعسكريين أمريكيين وغيرهم من قادة الدول التى تورطت فى الحرب على الأرض الأفغانية. جاء فى أحدث تلك التقارير وصف قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسى فى أفغانستان الجنرال ستانلى ماكريستال الوضع هناك بأنه "خطير" وذلك فى تقرير تقييمى قدمه للمسئولين العسكريين فى الحلف ونظرائهم فى وزارة الدفاع الأمريكية. ربط ماكريستال إمكانية تحقيق النصر على حركة طالبان بمراجعة الاستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل القوات الأمريكية والدولية، والإسراع بتدريب مزيد من القوات الأفغانية، وهو ما يعنى أن الاستراتيجية المتبعة هناك غير فعالة رغم زيادة عدد القوات الأجنبية العاملة فى أفغانستان خلال هذا العام، إلى أكثر من مائة ألف. الواقع أن معظم المحللين يميلون إلى القول بأن الحل العسكرى شبه مستحيل فى أفغانستان نظرا لطبيعتها الخاصة من الناحيتين الجغرافية والبشرية. هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأسبق له رأى فى المشكلة الأفغانية يقول: "إن أفغانستان مشكلة دولية أصيلة تتطلب حلا متعدد الأطراف من أجل ظهور إطار عمل سياسى يبدأ فى وضع الأساس لإرساء أفغانستان كدولة محايدة بشكل دائم. أفغانستان بلد فقير فى الموارد معرض لخطر التعرض لتأثيرات خارجية غير مرحب بها. والجيران الطامعون كانوا حقيقة من حقائق الحياة بالنسبة للدولة الأفغانية على امتداد معظم تاريخها. وعندما شعر جيران أفغانستان بمصلحة عامة فى كونها تحظى بالسلام، كانت فى سلام، وعندما لم يشعروا بمصلحة عامة فى ذلك، كانت فى حرب. اقترح كيسنجر أن يتم تأسيس مجموعة عاملة من جيران أفغانستان والهند والأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن الدولى لبدء هذه العملية مع إضافة أفغانستان. ويجب أن تجتمع تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة. الهدف هو اتفاق متعدد الأطراف يرسى مبادئ وضمانات من كل الأطراف لإعلان أفغانستان بلدا محايدا بشكل دائم على ألا تسمح بأن تصبح أراضيها ملاذا آمنا للأنشطة الإرهابية أو أن تستخدم ضد مصالح أى من جيرانها. تبقى المشكلة فى تحديد الآلية المناسبة لتنفيذ تلك الاستراتيجية التى تفتح بابا لانسحاب أمريكى آمن فى أفغانستان، حيث تواجه القوات الأمريكية والحليفة هناك مشكلة كبيرة، فهى لا تعرف كيف تخرج من تلك البلاد دون أن تلحقها الهزيمة من الجماعات المسلحة المعروفة بطالبان. إن سقوط نظام طالبان أمام الآلة العسكرية الحديثة للولايات المتحدة وحلفائها لم يكن السبب فى ترحيب الأفغان بالتخلص من نظام قمعى، ولكن غالبية الأفغان رحبوا عام 2001 بالقوات الغربية لأنهم اعتقدوا فى مقدرتها على تحقيق أهداف ثلاثة هى: العدالة والأمن والسلام، وإمكانية تحسن الأوضاع الاقتصادية بدلا من تحقيق الأهداف الثلاثة والإسراع فى الخروج بشرف، استمرت القوات الأجنبية فى القتال ضد عناصر طالبان فى تكرار ممل لما سبق أن فعله السوفييت من قبل فى انتظار تشكيل حكومة فى كابول تحظى بالشرعية وتتولى التصدى لعناصر التمرد المسلح الذى لن يستسلم أبدا لمجرد طرح أفكار ديمقراطية. السبيل الأمثل لحل المشكلة الأفغانية هو وجود قيادة أفغانية تحظى بشرعية لدى غالبية الشعب على رأس حكومة تحقق الأهداف المطلوبة للشعب وتجذب تحت لوائها القوة المحلية القادرة على التصدى للعصابات المسلحة التى تريد السيطرة وليس لديها أى بديل لذلك سوى القتال غير النظامى، أى القتل والخطف والاستيلاء على الأموال أو بيع الحماية لمن يرغب من السكان المحليين.
خلال السنوات الماضية لم ينجح البرنامج الغربى لإصلاح الأوضاع فى أفغانستان لأنه تبنى فكرة تفكيك هيكلها القبلى، بدلا من الاتجاه إلى تقويته، مما سمح بوجود صراع ثقافى عميق لا يمكن حسمه فى غضون سنوات أو عقود وأدى إلى استمرار فلول طالبان فى منازعة السلطة الجديدة السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد فى حرب لا يمكن حسمها عسكريا على أيدى قوات أجنبية إذا لم تحظ بتعاون كامل من سلطة محلية ذات اعتبار لدى الشعب الأفغانى. ما ليس واضحا بالمرة هو كيف يقرر أوباما أو غير أوباما إنهاء حرب مشتعلة إذا لم يكن متحكما فى الأطراف التى تغذيها وخاصة أن القوات الأجنبية فى أفغانستان لم تكسب ثقة الشعب الأفغانى طوال السنين الماضية.