ما هو الهدف والمعنى من الرسالة التى أرسلتها إثيوبيا إلى مجلس الأمن يوم 5 يوليو الجارى، وترفض فيها ما اعتبرته تدخلا من جامعة الدول العربية فى قضية سد النهضة، وتزعم أن ذلك يقوض العلاقات الودية بين الجامعة والاتحاد الإفريقى؟ ظنى أن هذه الرسالة واحدة من أسوأ وأخبث الرسائل الإثيوبية. وكانت إشارة جديدة على سوء نواياها قبل جلسة مجلس الأمن الخميس الماضى. أديس أبابا فعلت الكثير من الأخطاء والخطايا الصغيرة والكبيرة، لكن التصرف الأخير يشير إلى أنها لن تتورع عن فعل أى شىء فى سبيل تحقيق هدف واحد وهو فرض وصايتها وهيمنتها على مياه النيل الأزرق، لتستغله ورقة لتعطيش مصر. خطورة الاتهام الإثيوبى الأخير أنه يحاول دق إسفين وزرع وخلق مشكلة بين العرب والأفارقة. هى حاولت زرع الفتنة والعداوة بين الشعب الإثيوبى، والشعب المصرى، وتغسل أدمغة كثير من الإثيوبيين بأن مصر هى سبب كل مشاكلهم وفقرهم وتخلفهم، لأنها حسب زعمها تحصل على النصيب الأكبر من مياه النيل!! وبعد أن كادت تنجح فى هذه المهمة، استدارت لتخلق فتنة بين العرب والأفارقة، بزعم أن الجامعة تنحاز لمصر والسودان. الطبيعى أن مصر والسودان عضوان أساسيان فى جامعة الدول العربية، والطبيعى أن الجامعة، تنحاز لأى عضو فيها، طالما أنه على حق، والطبيعى أنها تفعل ذلك فى إطار القانون الدولى. الجامعة دعت إثيوبيا أكثر من مرة إلى تحكيم صوت العقل، ثم عقدت اجتماعا قبل أسابيع فى الدوحة، ودعت أديس أبابا إلى عدم التصرف بصورة أحادية، والتوقيع على اتفاق قانونى وملزم فى إدارة وتشغيل سد النهضة، لكن الأخيرة رفضت ذلك وهاجمت الجامعة أكثر من مرة. المشكلة الأخطر فى الشكوى الإثيوبية أنها تحاول اعتبار نفسها ممثلة لكل الأفارقة حينما تقول إن تدخل الجامعة فى المشكلة يقوض العلاقات بين العرب والأفارقة. حتى لو افترضنا أن هناك مشكلة فهى بين مصر وإثيوبيا، أو بين العرب وإثيوبيا، لكنها ليست بين كل العرب والأفارقة. هناك العديد من الدول الإفريقية تختلف جذريا مع السياسات الإثيوبية، ولا ننسى ميراث الدم والحروب بين الإثيوبيين وكل من إرتيريا والصومال وجيبوتى، ولا ننسى خلافاتها ومشاكلها مع كينيا وأوغندا بل ولا ننسى ميراث الدم بين العرقيات الإثيوبية نفسها، كما حدث مؤخرا فى إقليم التيجراى. وبالتالى فإن محاولة تصوير الأمر بأن هناك صراعا بين العرب والأفارقة، هو تفكير لئيم يحاول أن يضرب علاقة الطرفين. وحتى لو افترضنا أن بعض دول حوض النيل قد تتعاطف مع إثيوبيا فى ادعاءاتها، فما الذى يجعلها واثقة أن هذا هو تفكير كل دول الاتحاد الإفريقى، الذين يزيدون عن 57 دولة؟! هل تعتقد إثيوبيا أن مجرد استضافتها للاتحاد الإفريقى فى أديس أبابا يعطيها الحق فى الادعاء بأنها تمثل كل الأفارقة؟!!. مصر لا تزعم أنها تمثل كل العرب، لمجرد أنها تستضيف جامعة الدول العربية، رغم أنها أكبر وأقوى وأعرق وأقدم دولة عربية بل ربما فى العالم. والسعودية لا تزعم أنها تمثل كل المسلمين، لمجرد أنها تستضيف منظمة المؤتمر الإسلامى فى جدة، أو حتى لأن الكعبة المشرفة والحرم الشريف موجودان فيها. وأمريكا لا تدعى أنها تمثل كل العالم، لمجرد أن مقر الأممالمتحدة يقع فى نيويورك. من حق الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط وسائر المسئولين فى الجامعة الشعور بالانزعاج بسبب هذه الرسالة الإثيوبية، التى تتجاهل الحقائق على الأرض وتضرب بالقانون الدولى عرض الحائط، ثم تدخل فى معارك مجانية مع الجميع، بما يضعها فى معارك لا تتوقف ليس فقط مع مصر والسودان، أو حتى كل الدول العربية، لكن مع دولة تتفهم المطالب المصرية المشروعة. الخطر الكبير فى الهجوم الدبلوماسى الإثيوبى ضد جامعة الدول العربية، أنه يكشف أنها لا ولن تتورع عن فعل أى شىء، حتى لو كان لا يمكن توقعه، وربما تكون الرسالة الأساسية التى يجب أن نفهمها من وراء هذا الاحتجاج أن إثيوبيا ماضية حتى نهاية المشوار فى طريق المراوغة والتحدى والصلف والحلول المنفردة، خصوصا بعد اجتماع مجلس الأمن الأخير، وبالتالى وجب علينا أن نفكر فى حلول عملية للتعامل مع هذه العقليات المتحجرة القادمة من غياهب التاريخ السحيق، والتى يبدو أنها لا تفهم إلا لغة القوة.